فجر جديد

عن المرضى النفسيين في بيئات العمل

| إبراهيم النهام

هناك‭ ‬رجل‭ ‬كهل‭ ‬بولاية‭ ‬“فلوريدا”‭ ‬الأميركية،‭ ‬عرف‭ ‬منذ‭ ‬صغره‭ ‬بإنسانيته‭ ‬المفرطة‭ ‬تجاه‭ ‬الحيوانات‭. ‬ويحكى‭ ‬أنه‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬وأثناء‭ ‬زيارته‭ ‬لإحدى‭ ‬البحيرات‭ ‬الواسعة،‭ ‬شاهد‭ ‬تمساحًا‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬طوله‭ ‬عن‭ ‬5‭ ‬أمتار،‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬منه‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التقط‭ ‬سمكة‭ ‬كانت‭ ‬موجودة‭ ‬بسلة‭ ‬يحملها،‭ ‬ومدها‭ ‬للتمساح‭ ‬بكل‭ ‬حنان؛‭ ‬لكي‭ ‬يطعمه‭.‬

ففتح‭ ‬التمساح‭ ‬فمه،‭ ‬والتهمها‭ ‬بسرعة‭ ‬خاطفة‭ ‬مع‭ ‬كامل‭ ‬ذراع‭ ‬الرجل،‭ ‬الذي‭ ‬سقط‭ ‬مغشيًا‭ ‬عليه‭ ‬وهو‭ ‬ينزف‭ ‬بغزارة،‭ ‬والدم‭ ‬الساخن‭ ‬يندفع‭ ‬من‭ ‬ذراعة‭ ‬الممزقة‭ ‬كالنافورة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُنقل‭ ‬على‭ ‬عجالة‭ ‬للمستشفى،‭ ‬حيث‭ ‬تدارك‭ ‬الأطباء‭ ‬حياته‭ ‬وأنقذوه،‭ ‬باللحظات‭ ‬الأخيرة‭.‬

هذا‭ ‬التمساح،‭ ‬ذكرني‭ ‬ببعض‭ ‬نماذج‭ ‬البشر‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬والزملاء‭ ‬في‭ ‬بيئات‭ ‬العمل،‭ ‬والذين‭ ‬يتربصون‭ ‬بخبث‭ ‬ومقت‭ ‬بالموظفين‭ ‬الجدد،‭ ‬المقبلين‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬بتفاؤل،‭ ‬وهم‭ ‬ينظرون‭ ‬لكل‭ ‬شيء‭ ‬بأنه‭ ‬وردي‭ ‬وجميل،‭ ‬ونقي،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينتهز‭ ‬هؤلاء‭ ‬“التماسيح”‭ ‬أول‭ ‬فرصة‭ ‬للقضاء‭ ‬عليهم،‭ ‬وسحقهم،‭ ‬وتدميرهم،‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة،‭ ‬أولها‭ ‬الحسد‭ ‬وثانيها‭ ‬النقص،‭ ‬وثالثها‭ ‬الضيق‭ ‬من‭ ‬راحة‭ ‬الآخرين‭.‬

وكنت‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ ‬تحديدًا،‭ ‬قد‭ ‬تسلمت‭ ‬رسالة‭ ‬صوتية‭ ‬على‭ ‬تطبيق‭ ‬“واتساب”‭ ‬من‭ ‬أحدهم،‭ ‬يشكو‭ ‬الحروب‭ ‬النفسية‭ ‬الشنيعة‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬العمل،‭ ‬من‭ ‬مسؤوله‭ ‬تحديدًا،‭ ‬لأسباب‭ ‬ترتبط‭ ‬بكفاءته‭ ‬ونظافته،‭ ‬وعدم‭ ‬فئويته،‭ ‬وهي‭ ‬السمات‭ ‬المرفوضة‭ ‬ببعض‭ ‬مواقع‭ ‬العمل‭.‬

زميل‭ ‬آخر‭ ‬أعرفه،‭ ‬وهو‭ ‬رجل‭ ‬فاضل‭ ‬وكفاءة‭ ‬مبدعة،‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬إنه‭ ‬استقر‭ ‬أخيرًا‭ ‬بالوظيفة‭ ‬رقم‭ ‬6‭ ‬مضيفًا‭ ‬“لا‭ ‬يتركوني‭ ‬في‭ ‬حالي‭ ‬يا‭ ‬أخ‭ ‬إبراهيم،‭ ‬يغضبهم‭ ‬جدًا‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬مجتهدًا‭ ‬وفي‭ ‬حالي”‭.‬

هذا‭ ‬الواقع‭ ‬المرير،‭ ‬يناقضه‭ ‬تاريخ‭ ‬العمل‭ ‬الوظيفي‭ ‬لأحد‭ ‬المديرين‭ ‬المتقاعدين،‭ ‬وهو‭ ‬رجل‭ ‬قانون،‭ ‬وتشريع،‭ ‬عرف‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬30‭ ‬عاما‭ ‬بالأمانة‭ ‬والتقدير‭ ‬لموظفيه،‭ ‬وفتح‭ ‬أبواب‭ ‬الرزق‭ ‬لهم،‭ ‬إذ‭ ‬علق‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬“لست‭ ‬ممن‭ ‬يبيع‭ ‬آخرته‭ ‬بدنياه،‭ ‬ولذلك‭ ‬فلقد‭ ‬كنت‭ ‬حريصًا‭ ‬طوال‭ ‬الثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬هذه‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أعطي‭ ‬كل‭ ‬ذي‭ ‬حق‭ ‬حقه،‭ ‬بما‭ ‬يرضي‭ ‬الله”‭.‬