حول الإهمال والتقصير والأخطاء الطبية

| عبدالنبي الشعلة

أمر‭ ‬إيجابي‭ ‬يثلج‭ ‬الصدر‭ ‬ويدعو‭ ‬للفخر‭ ‬والاعتزاز‭ ‬أن‭ ‬تتفاعل‭ ‬مختلف‭ ‬مكونات‭ ‬ومنابر‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬مع‭ ‬الخبر‭ ‬الذي‭ ‬نشر‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬عن‭ ‬السيدة‭ ‬البحرينية‭ ‬التي‭ ‬تعرضت،‭ ‬للأسف‭ ‬الشديد،‭ ‬إلى‭ ‬مضاعفات‭ ‬خطيرة‭ ‬قد‭ ‬تودي‭ ‬بحياتها‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أجريت‭ ‬لها‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬في‭ ‬مجمع‭ ‬السلمانية‭ ‬الطبي،‭ ‬مما‭ ‬دعا‭ ‬أهلها‭ ‬وذويها‭ ‬إلى‭ ‬لوم‭ ‬الأطباء‭ ‬والمعنيين‭ ‬بالمجمع‭ ‬واتهامهم‭ ‬بالإهمال‭ ‬والتقصير‭ ‬والخطأ‭ ‬الطبي؛‭ ‬فاشتعلت‭ ‬نتيجة‭ ‬لذلك‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لترمي‭ ‬بسهامها‭ ‬وتقذف‭ ‬بحممها‭ ‬المسؤولين‭ ‬بوزارة‭ ‬الصحة‭  ‬قبل‭ ‬إجراء‭ ‬أي‭ ‬تحقيق‭ ‬للحادث،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬ظهور‭ ‬نتائجه،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬النواب،‭ ‬المتلهفين‭ ‬إلى‭ ‬استجواب‭ ‬أي‭ ‬وزير‭ ‬انتفضوا‭ ‬وسارعوا‭ ‬بالمطالبة‭ ‬باستجواب‭ ‬وزيرة‭ ‬الصحة‭.‬

ليس‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقدمة‭ ‬أي‭ ‬رائحة‭ ‬لمحاولة‭ ‬تهوين‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬للسيدة‭ ‬المنكوبة‭ ‬العزيزة‭ ‬علينا‭ ‬جميعًا،‭ ‬أو‭ ‬الاستهانة‭ ‬بمشاعر‭ ‬أهلها‭ ‬وذويها،‭ ‬أو‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬المسؤولين‭ ‬بوزارة‭ ‬الصحة،‭ ‬أو‭ ‬نفي‭ ‬لاحتمال‭ ‬وقوع‭ ‬إهمال‭ ‬أو‭ ‬تقصير‭ ‬أو‭ ‬خطأ‭ ‬طبي‭ ‬راحت‭ ‬هي‭ ‬ضحيته،‭ ‬فالمسؤولية‭ ‬الملقاة‭ ‬على‭ ‬عاتق‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬المرفق‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬والخطورة،‭ ‬وتتعلق‭ ‬بصحة‭ ‬الناس‭ ‬وحياتهم،‭ ‬ولها‭ ‬جوانب‭ ‬إنسانية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬ومهنية‭ ‬وقانونية،‭ ‬مما‭ ‬يفرض‭ ‬استمرار‭ ‬اليقظة‭ ‬وضرورة‭ ‬متابعة‭ ‬ورصد‭ ‬أداء‭ ‬هذا‭ ‬المرفق،‭ ‬وعدم‭ ‬التغاضي‭ ‬والتهاون‭ ‬مع‭ ‬أي‭ ‬طرف‭ ‬أو‭ ‬فرد‭ ‬يعمل‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬خطأ‭ ‬يرتكبه‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬تقاعس‭ ‬أو‭ ‬تقصير‭ ‬يقع‭ ‬من‭ ‬جانبه‭ ‬أثناء‭ ‬أداء‭ ‬واجبه،‭ ‬بحيث‭ ‬لا‭ ‬يمر‭ ‬أي‭ ‬خطأ‭ ‬أو‭ ‬تقصير‭ ‬دون‭ ‬محاسبة‭ ‬وعقاب‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يخضع‭ ‬للتحقيق‭ ‬والتمحيص‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬جهة‭ ‬متخصصة‭ ‬محايدة‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬في‭ ‬شأنه‭ ‬حكم‭ ‬قضائي‭ ‬قاطع‭.‬

وهذه‭ ‬ليست‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬المرضى‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬في‭ ‬مجتمعنا‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وما‭ ‬يجب‭ ‬التأكيد‭ ‬عليه‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الجميع‭ ‬يتعاطف‭ ‬مع‭ ‬المريضة‭ ‬وأهلها‭ ‬ويقدر‭ ‬كل‭ ‬التقدير‭ ‬مرارة‭ ‬معاناتهم،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواجب‭ ‬يحتم‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭ ‬عدم‭ ‬الاستسلام‭ ‬لعواطفنا‭ ‬والاستعجال‭ ‬في‭ ‬الاستنتاج‭ ‬وإطلاق‭ ‬الاتهامات‭ ‬والأحكام‭ ‬والتريث‭ ‬لحين‭ ‬إجراء‭ ‬التحقيقات‭ ‬وظهور‭ ‬نتائجها‭. ‬

إن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أوجه‭ ‬الإهمال‭ ‬والتقصير‭ ‬والخطأ‭ ‬الطبي‭ ‬تقع‭ ‬ضمن‭ ‬تصنيف‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬يعاقب‭ ‬عليها‭ ‬القانون‭ ‬بالغرامة‭ ‬والحبس؛‭ ‬لذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬حذرين‭ ‬ومتيقنين‭ ‬قبل‭ ‬توجيه‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التهم‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬إلى‭ ‬الإساءة‭ ‬إلى‭ ‬سمعة‭ ‬الطبيب‭ ‬أو‭ ‬تدميرها،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يفرض‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬الوعي‭ ‬المجتمعي‭ ‬بحقوق‭ ‬ومسؤوليات‭ ‬المريض‭ ‬والطبيب‭ ‬والمؤسسة‭ ‬الطبية‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬الخدمات‭ ‬العلاجية،‭ ‬والحاجة‭ ‬أيضًا‭ ‬وبشكل‭ ‬خاص‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬الإيمان‭ ‬والثقة‭ ‬بالطبيب‭ ‬البحريني‭ ‬أو‭ ‬الوافد،‭ ‬فالطبيب‭ ‬هو‭ ‬رمز‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬التضحية‭ ‬والتفاني‭ ‬والعطاء،‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬يتمتع‭ ‬بكل‭ ‬صنوف‭ ‬التقدير‭ ‬والاحترام‭ ‬وأن‭ ‬توفر‭  ‬له‭ ‬الظروف‭ ‬الملائمة‭ ‬التي‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬واجبه‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الحماية‭ ‬اللازمة‭ ‬والحصانة‭ ‬من‭ ‬الإساءة‭ ‬والتشهير‭ ‬والتجريح‭ ‬والتشكيك‭ ‬في‭ ‬كفاءاته‭ ‬ومهاراته‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬دون‭ ‬وجه‭ ‬حق‭. ‬

إن‭ ‬إمكانية‭ ‬وقوع‭ ‬الخطأ‭ ‬أو‭ ‬الإهمال‭ ‬أو‭ ‬التقصير‭ ‬واردة‭ ‬في‭  ‬حقل‭ ‬الخدمات‭ ‬الطبية‭ ‬وليست‭ ‬غريبة‭ ‬أو‭ ‬شاذة‭ ‬أو‭ ‬مستبعدة،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬قابلة‭ ‬للتكرار،‭ ‬وهي‭ ‬تحدث‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬أعرق‭ ‬المؤسسات‭ ‬الصحية‭ ‬والمستشفيات‭ ‬وفي‭ ‬أكثر‭ ‬الدول‭ ‬تقدمًا،‭ ‬حيث‭ ‬تحدث‭ ‬فيها‭ ‬أخطاء‭ ‬طبية‭ ‬مروعة‭ ‬تودي‭ ‬بحياة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المرضى،‭ ‬وتسبب‭ ‬إعاقات‭ ‬جسيمة‭ ‬لآخرين،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نسبتها‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ولله‭ ‬الحمد‭ ‬هي‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬النسبة‭ ‬العالمية‭ ‬المرصودة‭ ‬والمؤكدة‭ ‬التي‭ ‬تتراوح‭ ‬بين‭ ‬5‭ ‬و10‭ %‬،‭ ‬فليس‭ ‬هناك‭ ‬إنسان‭ ‬معصوم‭ ‬أو‭ ‬منزه‭ ‬من‭ ‬الغفلة‭ ‬والسهو‭ ‬والخطأ‭ ‬والذي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يحاسب‭ ‬عليه‭.‬

وقد‭ ‬توصلت‭ ‬التجارب‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬إلى‭ ‬بلورة‭ ‬منظومة‭ ‬من‭ ‬الوسائل‭ ‬والآليات‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬التصدي‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات؛‭ ‬بهدف‭ ‬حماية‭ ‬المريض‭ ‬وتقليص‭ ‬إمكانيات‭ ‬حدوث‭ ‬التقصير‭ ‬والخطأ‭ ‬ومساءلة‭ ‬ومحاسبة‭ ‬ومعاقبة‭ ‬مرتكب‭ ‬أي‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬ثبوت‭ ‬ذلك‭.‬

إن‭ ‬الأجهزة‭ ‬المعنية‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬مدعوة،‭ ‬وفي‭ ‬أسرع‭ ‬وقت‭ ‬ممكن‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬وتطوير‭ ‬شبكة‭ ‬الأنظمة‭ ‬والإجراءات‭ ‬والقوانين‭ ‬التي‭ ‬تعزز‭ ‬منظومة‭ ‬الحماية‭ ‬الصحية‭ ‬وتحكم‭ ‬الممارسات‭ ‬الطبية‭ ‬بحيث‭ ‬تحقق‭ ‬التوازن‭ ‬العادل‭ ‬بين‭ ‬حقوق‭ ‬ومسؤوليات‭ ‬المريض‭ ‬والطبيب‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬واحد،‭ ‬وذلك‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نجحنا‭ ‬وفي‭ ‬وقت‭ ‬قياسي‭ ‬وبإمكانيات‭ ‬متواضعة‭ ‬من‭ ‬تأهيل‭ ‬كوادر‭ ‬وأطقم‭ ‬وطنية‭ ‬طبية‭ ‬مؤهلة‭ ‬ماهرة‭ ‬متميزة‭ ‬ومتخصصة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬علوم‭ ‬وأفرع‭ ‬ومجالات‭ ‬الطب‭ ‬وتحظى‭ ‬بتقديرنا‭ ‬واعتزازنا‭ ‬وفخرنا،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬توفير‭ ‬مستشفيات‭ ‬ومرافق‭ ‬طبية‭ ‬مجهزة‭ ‬بأحدث‭ ‬الأنظمة‭ ‬والأجهزة‭ ‬والمعدات‭.‬

وعلى‭ ‬ضوء‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحوادث‭ ‬وما‭ ‬تفرزه‭ ‬من‭ ‬ردود‭ ‬فعل،‭ ‬فإن‭ ‬الحاجة‭ ‬أصبحت‭ ‬ملحة‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬ومراجعة‭ ‬القوانين‭ ‬أو‭ ‬القانون‭ ‬الساري‭ ‬والنافذ‭ ‬والمتعلق‭ ‬بالحماية‭ ‬الصحية‭ ‬في‭ ‬البلاد؛‭ ‬بهدف‭ ‬تطويره‭ ‬والارتقاء‭ ‬به‭ ‬لمواكبة‭ ‬المستجدات‭ ‬وللاستفادة‭ ‬من‭ ‬تجاربنا‭ ‬السابقة‭ ‬ومن‭ ‬التجارب‭ ‬الناجحة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المتطورة‭ ‬ولكي‭ ‬يعالج‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القضايا‭ ‬الجوهرية‭ ‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬والاطمئنان‭ ‬للمريض‭ ‬والطبيب‭ ‬ويعزز‭ ‬الثقة‭ ‬بينهما‭.‬

إن‭ ‬المراجعة‭ ‬المقترحة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬سد‭ ‬الثغرات‭ ‬إن‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬القوانين‭ ‬السارية‭ ‬وإلى‭ ‬تنظيم‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬مقدمي‭ ‬الخدمة‭ ‬الطبية‭ ‬والمستفيدين‭ ‬منها،‭ ‬ويتعاطى‭ ‬مع‭ ‬حقوق‭ ‬ومسؤوليات‭ ‬المريض‭ ‬والطبيب‭ ‬والمؤسسة‭ ‬الطبية،‭ ‬وأن‭ ‬يوفر‭ ‬الحماية‭ ‬للطبيب،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬توفير‭ ‬العدالة‭ ‬لضحايا‭ ‬الإهمال‭ ‬والتقصير‭ ‬والأخطاء‭ ‬الطبية،‭ ‬ويقلّل‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الأخطاء،‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬نقلة‭ ‬نوعية‭ ‬في‭ ‬الخدمة‭ ‬الطبية‭.‬

ولاشك‭ ‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬القطاع‭ ‬الصحي‭ ‬يدركون‭ ‬ضرورة‭ ‬توضيح‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬مفاهيم‭ ‬الإهمال‭ ‬والتقصير‭ ‬والخطأ‭ ‬الطبي‭ ‬والمضاعفات‭ ‬الطبية‭ ‬بحيث‭ ‬يأتي‭ ‬ذلك‭ ‬التوضيح‭ ‬منسجمًا‭ ‬ومتوافقًا‭ ‬مع‭ ‬المقاييس‭ ‬والمعايير‭ ‬الدولية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬إعداد‭ ‬سجل‭ ‬لتوثيق‭ ‬الأخطاء‭ ‬الطبية؛‭ ‬بهدف‭ ‬ضمان‭ ‬عدم‭ ‬تكرارها،‭ ‬وتأسيس‭ ‬صندوق‭ ‬لتعويض‭ ‬المتضررين‭ ‬وضحايا‭ ‬الأخطاء‭ ‬الطبية،‭ ‬أو‭ ‬توفير‭ ‬باقة‭ ‬من‭ ‬التغطيات‭ ‬التأمينية‭.‬

وللوقاية‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬الطبي،‭ ‬وضمان‭ ‬التطبيق‭ ‬العملي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينص‭ ‬القانون،‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أمور‭ ‬أخرى،‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬آلية‭ ‬واضحة‭ ‬للتحقيق‭ ‬في‭ ‬الخطأ‭ ‬وأيضا‭ ‬آلية‭ ‬للتعويض‭ ‬عنه،‭ ‬ويشمل‭ ‬ذلك‭ ‬إعداد‭ ‬ملاحق‭ ‬ولوائح‭ ‬لإنفاذ‭ ‬القانون‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬وضع‭ ‬الأنظمة‭ ‬والضوابط‭ ‬المسماة‭ ‬بـ‭ ‬“البروتوكولات‭ ‬الطبية”‭ ‬التي‭ ‬تتفق‭ ‬مع‭ ‬معايير‭ ‬المنظومة‭ ‬الصحية‭ ‬الدولية‭ ‬والتي‭ ‬تُفرض‭ ‬على‭ ‬الأطباء‭ ‬والمستشفيات‭ ‬ومقدمي‭ ‬الخدمة‭ ‬الطبية‭ ‬الالتزام‭ ‬بها‭ ‬ويتم‭ ‬على‭ ‬أساسها‭ ‬تقديم‭ ‬الخدمة‭ ‬الطبية‭ ‬للمريض‭ ‬ومعرفة‭ ‬حدوث‭ ‬الخطأ‭ ‬الطبي‭ ‬من‭ ‬عدمه‭.‬

وعلى‭ ‬المسؤولين،‭ ‬بموجب‭ ‬قانون‭ ‬نافذ‭ ‬إلزام‭ ‬المستشفيات‭ ‬والعيادات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭ ‬خدمات‭ ‬صحية‭ ‬بتوفير‭ ‬غطاء‭ ‬تأميني‭ ‬للأطباء‭ ‬يحميهم‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬وقوع‭ ‬خطأ‭ ‬طبي‭ ‬ويعوّض‭ ‬المريض‭ ‬وعائلته‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬حدوث‭ ‬ذلك،‭ ‬دون‭ ‬إعطاء‭ ‬الطبيب‭ ‬حصانة‭ ‬كاملة‭ ‬مبالغ‭ ‬فيها‭ ‬ودون‭ ‬إخلاء‭ ‬طرفه‭ ‬من‭ ‬المسؤوليات‭ ‬الجنائية،‭ ‬بل‭ ‬تشديد‭ ‬القوانين‭ ‬الجنائية‭ ‬لتكون‭ ‬رادعة‭. ‬والمعروف‭ ‬أن‭ ‬الخطأ‭ ‬الطبي‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬جنائيا‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬خطأً‭ ‬جسيما‭ ‬وفيه‭ ‬خروج‭ ‬عن‭ ‬قواعد‭ ‬العمل‭ ‬الطبي‭ ‬المهني،‭ ‬أو‭ ‬“البروتوكولات‭ ‬الطبية”،‭ ‬ولذلك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬ينص‭ ‬القانون‭ ‬بكل‭ ‬وضوح‭ ‬على‭ ‬الحالات‭ ‬الجزائية‭ ‬في‭ ‬الأخطاء‭ ‬الطبية‭. ‬أما‭ ‬الخطأ‭ ‬الطبي‭ ‬العادي،‭ ‬فهو‭ ‬خطأ‭ ‬مدني‭ ‬ويتم‭ ‬التعويض‭ ‬عنه‭ ‬مدنيا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الغرامة‭ ‬أو‭ ‬التوقيف‭ ‬عن‭ ‬مزاولة‭ ‬المهنة‭ ‬لمدة‭ ‬محددة‭ ‬بحجم‭ ‬الخطأ‭ ‬الذي‭ ‬ارتكبه‭ ‬الطبيب،‭ ‬وغيرها‭.‬

ولتحقيق‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬الإنصاف،‭ ‬فإن‭ ‬ثمة‭ ‬ضرورة‭ ‬لتحسين‭ ‬ظروف‭ ‬وبيئة‭ ‬العمل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للطبيب،‭ ‬وكما‭ ‬ذكرنا،‭ ‬فإن‭ ‬الدولة‭ ‬قامت‭ ‬مشكورة‭ ‬بتوفير‭ ‬أحدث‭ ‬المرافق‭ ‬العلاجية‭ ‬وتزويدها‭ ‬بأحدث‭ ‬الأنظمة‭ ‬والأجهزة‭ ‬والمعدات؛‭ ‬لكي‭ ‬يتمكن‭ ‬الطبيب‭ ‬من‭ ‬أداء‭ ‬واجبه‭ ‬وإنجاز‭ ‬مهامه‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬فتح‭ ‬المجال‭ ‬للمستشفيات‭ ‬الخاصة‭ ‬لتدخل‭ ‬في‭ ‬سباق‭ ‬لتوفير‭ ‬الخدمات‭ ‬الصحية‭ ‬المتطورة‭ ‬للمواطنين‭ ‬والمقيمين،‭ ‬ولم‭ ‬يبقَ‭ ‬سوى‭ ‬زيادة‭ ‬الاهتمام‭ ‬بتحسين‭ ‬ظروف‭ ‬وبيئة‭ ‬العمل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للطبيب،‭ ‬فلا‭ ‬يجوز‭ ‬تحميل‭ ‬الطبيب‭ ‬المسؤولية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬التأكد‭ ‬من‭ ‬توفر‭ ‬البيئة‭ ‬والظروف‭ ‬المواتية،‭ ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تحديد‭ ‬ساعات‭ ‬العمل‭ ‬ينبغي‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬تخفيف‭ ‬ضغط‭ ‬العمل‭ ‬بتحديد‭ ‬عدد‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬يقوم‭ ‬الطبيب‭ ‬بمعالجتها؛‭ ‬تجنبًا‭ ‬للإرهاق‭ ‬الذي‭ ‬يسبب‭ ‬الإرباك‭ ‬ويزيد‭ ‬من‭ ‬احتمال‭ ‬وقوع‭ ‬الخطأ‭.‬

ولابد‭ ‬من‭ ‬الإشارة‭ ‬هنا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الخطأ‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ناتج‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬إدارية‭ ‬أو‭ ‬نقص‭ ‬في‭ ‬الأدوية‭ ‬أو‭ ‬الكوادر‭ ‬المساندة‭ ‬والمتابعة،‭ ‬أو‭ ‬غياب‭ ‬منظومة‭ ‬الإجراءات‭ ‬الطبية‭ ‬المعمول‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬المؤسسة‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬وضوحها‭.‬

مرة‭ ‬أخرى‭ ‬نرجو‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬العلي‭ ‬القدير‭ ‬أن‭ ‬يمن‭ ‬على‭ ‬المريضة‭ ‬العزيزة‭ ‬بالصحة‭ ‬والشفاء‭ ‬العاجل،‭ ‬وأن‭ ‬يقر‭ ‬أعين‭ ‬أهلها‭ ‬وذويها‭ ‬بسلامتها،‭ ‬مقدرين‭ ‬اهتمام‭ ‬ومتابعة‭ ‬المسؤولين‭ ‬بوزارة‭ ‬الصحة‭ ‬بكافة‭ ‬مستوياتهم‭ ‬بهذه‭ ‬الحالة،‭ ‬ومتمنين‭ ‬لكافة‭ ‬المعنيين‭ ‬بالقطاع‭ ‬الصحي‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬التوفيق‭ ‬والسداد،‭ ‬داعين‭ ‬الله‭ ‬بأن‭ ‬يعينهم‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬مهامهم‭ ‬المقدسة‭ ‬على‭ ‬أحسن‭ ‬وجه‭ ‬وأكمله‭ ‬مع‭ ‬الإيمان‭ ‬بأن‭ ‬الكمال‭ ‬لله‭ ‬وحده‭.‬