ريشة في الهواء

من هو العدو وأين يختبئ؟

| أحمد جمعة

العالم‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬كما‭ ‬قيل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قرية‭ ‬صغيرة،‭ ‬وهي‭ ‬مقولة‭ ‬ظهرت‭ ‬منذ‭ ‬التسعينات،‭ ‬ورمزت‭ ‬إلى‭ ‬الاحتواء‭ ‬الإلكتروني‭ ‬للدول‭ ‬والشعوب،‭ ‬اليوم‭ ‬العالم‭ ‬قفز‭ ‬من‭ ‬القرية‭ ‬إلى‭ ‬ثقب‭ ‬إبرة‭ ‬حيث‭ ‬باستطاعة‭ ‬أي‭ ‬عميل‭ ‬أو‭ ‬إرهابي‭ ‬أو‭ ‬مخترق‭ ‬أن‭ ‬يدمر‭ ‬بلدا‭ ‬بواسطة‭ ‬شفرة‭ ‬أو‭ ‬رمز‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬مدعوماً‭ ‬بتكنولوجيا‭ ‬الاتصال‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬وسيلة‭ ‬الحروب‭ ‬الحالية‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬المعارك‭ ‬العسكرية،‭ ‬فبعض‭ ‬الحروب‭ ‬تكسبها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تطلق‭ ‬رصاصة‭ ‬تجاه‭ ‬عدوك،‭ ‬بمجرد‭ ‬أن‭ ‬تخرس‭ ‬صوته‭ ‬وتمنع‭ ‬عنه‭ ‬المعرفة،‭ ‬وتقطع‭ ‬تنفسه‭ ‬الإلكتروني‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬خنقته،‭ ‬هكذا‭ ‬يسير‭ ‬العالم‭ ‬اليوم،‭ ‬فلا‭ ‬حاجة‭ ‬لوزارات‭ ‬إعلام‭ ‬تقليدية‭ ‬ولا‭ ‬مؤسسات‭ ‬توجيه‭ ‬الرأي،‭ ‬ولا‭ ‬لنصائح‭ ‬إرشادية‭ ‬لتجنب‭ ‬هذا‭ ‬وذاك،‭ ‬فعدوك‭ ‬كامن‭ ‬وراء‭ ‬قشرة‭ ‬إلكترونية‭ ‬يتوسع‭ ‬بحربه‭ ‬ضدك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقدمه‭ ‬عليك‭ ‬بالمعرفة‭ ‬فيما‭ ‬أنت‭ ‬تمنع‭ ‬أو‭ ‬تحد‭ ‬من‭ ‬المعرفة،‭ ‬وهذا‭ ‬خطأ‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬المعرفة‭ ‬خطرا‭ ‬وفي‭ ‬الجهل‭ ‬سلامة،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬الجهل‭ ‬اليوم‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬بالزمن‭ ‬الغابر‭ ‬وسيلة‭ ‬الحكومات‭ ‬الخائفة‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬توازنها،‭ ‬اليوم‭ ‬الحكومة‭ ‬الواثقة‭ ‬والدولة‭ ‬القوية‭ ‬والنظام‭ ‬المتمكن‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يتفوق‭ ‬بالمعرفة‭ ‬ويكافح‭ ‬الجهل‭ ‬ويقضي‭ ‬على‭ ‬التخلف،‭ ‬ويربي‭ ‬جيوشاً‭ ‬من‭ ‬المتعلمين‭ ‬والمدربين‭ ‬والمثقفين‭ ‬والعلماء‭ ‬وغيرهم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يبني‭ ‬جيوشاً‭ ‬من‭ ‬ملايين‭ ‬الجنود‭ ‬الجهلة‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يفقهون‭ ‬سوى‭ ‬إطلاق‭ ‬الرصاصة‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬الذي‭ ‬تأتيهم‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬الأوامر‭.‬

إن‭ ‬فرقة‭ ‬من‭ ‬بضعة‭ ‬أشخاص‭ ‬إلكترونيين‭ ‬وذوي‭ ‬معارف‭ ‬بارزة‭ ‬متفوقة‭ ‬بإمكانها‭ ‬هزيمة‭ ‬جيش‭ ‬من‭ ‬آلاف‭ ‬الجنود‭ ‬بتنويم‭ ‬أجهزة‭ ‬السيطرة‭ ‬والتحكم‭ ‬العسكرية‭ ‬وتحييد‭ ‬الرادارات‭ ‬وتدمير‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للدولة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اختراق‭ ‬أجهزة‭ ‬الكمبيوتر‭ ‬بها‭ ‬ووقف‭ ‬العمل‭ ‬بالمؤسسات‭ ‬الحساسة،‭ ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الحرب‭ ‬القذرة‭ ‬السريعة‭ ‬اليوم‭ ‬التي‭ ‬حان‭ ‬الوقت‭ ‬لاقتحامها‭ ‬من‭ ‬أوسع‭ ‬الأبواب‭.‬

مناسبة‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬المختصر‭ ‬حول‭ ‬حجم‭ ‬العالم‭ ‬وحجم‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬فيه‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬رأيته‭ ‬وقرأته‭ ‬بالفترة‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬صراخ‭ ‬البعض‭ ‬بالمنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬برفض‭ ‬المؤتمر‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتهديد‭ ‬بالعودة‭ ‬لحرب‭ ‬المقاومة‭ ‬والاستنجاد‭ ‬بالشعارات‭ ‬القومية‭ ‬والعروبية‭ ‬وحشد‭ ‬الطاقات‭ ‬الكلامية‭ ‬من‭ ‬أغاني‭ ‬وقصائد‭ ‬وأناشيد‭ ‬المواجهة،‭ ‬فيما‭ ‬السؤال‭: ‬أية‭ ‬مواجهة‭ ‬وبأي‭ ‬سلاح؟‭ ‬فالعدو‭ ‬اليوم‭ ‬ليس‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬بالأمس؟‭ ‬والأدوات‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬قديمة‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬رموز‭ ‬وقواعد‭ ‬سرية‭ ‬وإلكترونية‭ ‬ومعارف‭ ‬تواجه‭ ‬جهل‭ ‬الآخر،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬التدليل‭ ‬فقط،‭ ‬اعتبر‭ ‬اليوم‭ ‬الخطر‭ ‬الأكبر‭ ‬بالمنطقة‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬إيران‭ ‬هو‭ ‬التحدي‭ ‬الرئيسي،‭ ‬وهو‭ ‬خطر‭ ‬يتمثل‭ ‬بدعم‭ ‬الإرهاب‭ ‬وعدم‭ ‬الاستقرار‭ ‬الذي‭ ‬بدوره‭ ‬يعطل‭ ‬البناء‭ ‬والتنمية‭ ‬ويستنزف‭ ‬الطاقات‭ ‬والثروات،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحتم‭ ‬ضرورة‭ ‬معرفة‭ ‬عدوك‭ ‬ومعرفة‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬العدو‭ ‬الأساسي‭ ‬والعدو‭ ‬الثانوي،‭ ‬سلاح‭ ‬الحروب‭ ‬اليوم‭ ‬المعرفة‭ ‬والذكاء‭ ‬والاحتواء،‭ ‬والجهل‭ ‬هو‭ ‬عدوك‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التهديد‭ ‬الإيراني‭ ‬الجاهل‭.‬

 

تنويرة‭: ‬

عندما‭ ‬تتشابه‭ ‬أفكارنا‭ ‬فهي‭ ‬دليل‭ ‬تخلفنا‭.‬