مخالفات مرورية بآلاف الدنانير

| سعيد محمد

من‭ ‬الواجب‭ ‬تقديم‭ ‬الشكر‭ ‬والثناء‭ ‬للمسؤولين‭ ‬والموظفين‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للمرور‭ ‬بلا‭ ‬استثناء،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬تمضي‭ ‬بضع‭ ‬ساعات‭ ‬في‭ ‬مبنى‭ ‬“المخالفات”،‭ ‬خصوصًا‭ ‬في‭ ‬مكتب‭ ‬تسوية‭ ‬المخالفات؛‭ ‬لتجد‭ ‬التعاون‭ ‬الطيب‭ ‬بين‭ ‬المسؤولين‭ ‬والموظفين‭ ‬مع‭ ‬المواطنين‭ ‬أو‭ ‬المقيمين‭ ‬الذين‭ ‬تراكمت‭ ‬عليهم‭ ‬مبالغ‭ ‬المخالفات‭ ‬المرورية‭.. ‬مئات‭ ‬الدنانير‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجداول‭ ‬وأخرى‭ ‬بالآلاف‭!‬

ومع‭ ‬تشديد‭ ‬العقوبات‭ ‬والغرامات‭ ‬على‭ ‬المخالفين،‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬مسارين‭: ‬السار‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬الشعور‭ ‬بضرورة‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقوانين‭ ‬المرورية؛‭ ‬لأنها‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬تهدف‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬أرواح‭ ‬الناس‭.. ‬سلامة‭ ‬السائق‭ ‬وسلامة‭ ‬مستخدمي‭ ‬الطريق‭.‬

وهنا،‭ ‬يكون‭ ‬المخالف‭ ‬قد‭ ‬أدرك‭ ‬حجم‭ ‬المسؤولية،‭ ‬فليس‭ ‬الموضوع‭ ‬هو‭ ‬“إثقاله”‭ ‬بالمخالفات‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬الهدف‭ ‬هو‭ ‬“إشعاره”‭ ‬بضرورة‭ ‬الالتزام‭ ‬بالأنظمة،‭ ‬فلم‭ ‬تتراكم‭ ‬علينا‭ ‬مبالغ‭ ‬المخالفات‭ ‬والإجراءات‭ ‬العقابية‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬أو‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تذهب‭ ‬إلى‭ ‬المحاكم‭ ‬إلا‭ ‬لأننا‭ ‬“خالفنا”‭! ‬

أما‭ ‬المسار‭ ‬الآخر،‭ ‬فهو‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬السواق‭ ‬الذين‭ ‬يطول‭ ‬معهم‭ ‬الجدال‭ ‬والقيل‭ ‬والقال‭ ‬لإثبات‭ ‬أنهم‭ ‬“لم‭ ‬يرتكبوا‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬المخالفات”،‭ ‬لاسيما‭ ‬المصورة‭ ‬والموثقة‭ ‬منها‭ ‬سواء‭ ‬بضبط‭ ‬رادار‭ ‬السرعة‭ ‬أو‭ ‬تجاوز‭ ‬الإشارة‭ ‬الحمراء،‭ ‬ثم‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬يبدأون‭ ‬في‭ ‬التذمر‭ ‬والشكوى‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬واسطات‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬أحدهم‭ ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬بالقرب‭ ‬مني‭ ‬وقد‭ ‬ارتكب‭ ‬مخالفات‭ ‬“سرعة”‭ ‬عدة،‭ ‬فسألته‭ ‬“لو‭ - ‬لا‭ ‬قدر‭ ‬الله‭ - ‬تعرض‭ ‬أحد‭ ‬أفراد‭ ‬أسرتك‭ ‬لحادث‭ ‬مروري‭ ‬بسبب‭ ‬سائق‭ ‬طائش‭ ‬لم‭ ‬يحترم‭ ‬القانون،‭ ‬هل‭ ‬تتساهل‭ ‬معه‭ ‬وتطلب‭ ‬له‭ ‬السماح؟”،‭ ‬وكان‭ ‬الجواب‭ ‬الصمت‭ ‬ولا‭ ‬ريب‭.‬

حسنًا،‭ ‬لنأخذ‭ ‬هذا‭ ‬المثال،‭ ‬ربما‭ ‬يتذكر‭ ‬كثيرون‭ ‬قضية‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬تجاوز‭ ‬19‭ ‬إشارة‭ ‬مرورية،‭ ‬والخبر‭ ‬من‭ ‬أروقة‭ ‬المحاكم،‭ ‬إذ‭ ‬دفع‭ ‬مبلغ‭ ‬3800‭ ‬دينار،‭ ‬فقد‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للمرور‭ ‬لتخليص‭ ‬معاملة‭ ‬فتم‭ ‬إبلاغه‭ ‬بوجود‭ ‬أمر‭ ‬جنائي‭ ‬صادر‭ ‬بدفع‭ ‬قيمة‭ ‬المخالفات‭ ‬التسع‭ ‬عشرة،‭ ‬بإجمالي‭ ‬1900‭ ‬دينار،‭ ‬فرفض‭ ‬دفعها‭ ‬وتوجه‭ ‬لتقديم‭ ‬اعتراض‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬المرورية‭ ‬على‭ ‬الأمر‭ ‬الجنائي،‭ ‬وقدم‭ ‬اعتراضا‭ ‬على‭ ‬مبلغ‭ ‬التصالح،‭ ‬لكن‭ ‬القاضي‭ ‬حكم‭ ‬بمضاعفة‭ ‬الغرامة‭ ‬إلى‭ ‬200‭ ‬دينار‭ ‬لكل‭ ‬مخالفة‭ ‬بإجمالي‭ ‬3800‭ ‬دينار،‭ ‬إذ‭ ‬رأت‭ ‬المحكمة‭ ‬أن‭ ‬المخالفات‭ ‬تتجاوز‭ ‬الحد‭ ‬المعقول‭ ‬الذي‭ ‬يمكن‭ ‬معه‭ ‬تخفيضها،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬المتهم‭ ‬تعمد‭ ‬الاستهتار‭ ‬بالقوانين‭ ‬بـ‭ ‬19‭ ‬مخالفة،‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬ضرورة‭ ‬معاقبته‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الفعل،‭ ‬وحاول‭ ‬الشاب‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬والتهرب‭ ‬من‭ ‬الدفع،‭ ‬فصدم‭ ‬بواقع‭ ‬إمكان‭ ‬حبسه،‭ ‬فرضخ‭ ‬لحكم‭ ‬المحكمة‭ ‬المرورية‭ ‬وقام‭ ‬بدفع‭ ‬مبلغ‭ ‬الغرامة‭ ‬كاملًا‭.‬

يا‭ ‬جماعة‭ ‬الخير‭.. ‬جيوبنا‭ ‬ليست‭ ‬“رايحة‭ ‬ملح”‭ ‬بسبب‭ ‬كثرة‭ ‬المخالفات‭ ‬ومبالغها‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬نظام‭ ‬التسوية؛‭ ‬بل‭ ‬بسبب‭ ‬تعنتنا‭ ‬واستهتارنا‭ ‬بالقوانين‭.. ‬وللإخوة‭ ‬في‭ ‬الإدارة‭ ‬العامة‭ ‬للمرور‭: ‬شكرًا‭ ‬لتعاونكم‭ ‬ومعاملتكم‭ ‬الطيبة‭ ‬مع‭ ‬المراجعين‭.‬