غباء الملالي... من يدفع الثمن؟ (2)

| سالم الكتبي

قد‭ ‬نختلف‭ ‬أو‭ ‬نتفق‭ ‬مع‭ ‬وجهة‭ ‬نظر‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب،‭ ‬لكن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نتفهم‭ ‬دوافعه‭ ‬ومبرراته،‭ ‬لاسيما‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬كلياً‭ ‬ستنتقل‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ما‭ ‬ـ‭ ‬طالت‭ ‬أم‭ ‬قصرت‭ ‬زمنياً‭ ‬ـ‭ ‬إلى‭ ‬مائدة‭ ‬التفاوض،‭ ‬وعلينا‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬شركاء‭ ‬حقيقيين‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ونستوعب‭ ‬دوافع‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬سواء‭ ‬استقرت‭ ‬على‭ ‬خيار‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬المفاوضات،‭ ‬فالأوضاع‭ ‬معقدة‭ ‬للغاية‭ ‬والنظام‭ ‬الإيراني‭ ‬عدو‭ ‬يفتقر‭ ‬العقل‭ ‬والمنطق‭ ‬في‭ ‬ردود‭ ‬أفعاله،‭ ‬ويحتاج‭ ‬التصدي‭ ‬له‭ ‬إلى‭ ‬مقاربات‭ ‬في‭ ‬منتهى‭ ‬الحذر‭ ‬والحكمة‭ ‬والذكاء‭ ‬كي‭ ‬نحافظ‭ ‬على‭ ‬زمام‭ ‬المبادرة‭ ‬ولا‭ ‬نترك‭ ‬له‭ ‬الأمور‭ ‬يتصرف‭ ‬فيها‭ ‬وفق‭ ‬سيناريو‭ ‬الخراب‭ ‬والدمار‭ ‬الإقليمي‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬إليه‭ ‬بكل‭ ‬قوة‭ ‬وحماس‭.‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬بالتأكيد‭ ‬يريد‭ ‬التهرب‭ ‬من‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬الرد‭ ‬حين‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬غبياً‭ ‬داخل‭ ‬إيران‭ ‬قرر‭ ‬إسقاط‭ ‬الطائرة‭ ‬الأميركية،‭ ‬فهو‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬عليه‭ ‬تفادي‭ ‬مجاراة‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأغبياء،‭ ‬وعدم‭ ‬تركهم‭ ‬يمسكون‭ ‬زمام‭ ‬القيادة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأزمة‭ ‬بالغة‭ ‬الحساسية،‭ ‬فترامب‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يخضع‭ ‬لإيران‭ ‬“لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يشجع‭ ‬كوريا‭ ‬الشمالية”،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أنه‭ ‬يدرك‭ ‬حقيقة‭ ‬ترابط‭ ‬الأزمات‭ ‬وتماهي‭ ‬النظامين‭ ‬المارقين‭ ‬مع‭ ‬بعضهما‭ ‬واستفادة‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬من‭ ‬الدروس‭ ‬التي‭ ‬يوفرها‭ ‬تعامل‭ ‬الآخر‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭.‬

عقلية‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬إيلام‭ ‬الخصم‭ ‬ربما‭ ‬تختلف‭ ‬عن‭ ‬عقلية‭ ‬الساسة‭ ‬التقليديين،‭ ‬فهو‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬أقصى‭ ‬درجات‭ ‬الألم‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬حاسمة،‭ ‬ربما‭ ‬لأنه‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬الديكتاتورية‭ ‬لن‭ ‬يؤلمها‭ ‬مقتل‭ ‬الآلاف‭ ‬وربما‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬شعوبها،‭ ‬لكن‭ ‬يوجعها‭ ‬للغاية‭ ‬أن‭ ‬تشعر‭ ‬بالتهديد‭ ‬الذاتي‭ ‬وأن‭ ‬تنظر‭ ‬للمستقبل‭ ‬بخوف‭ ‬على‭ ‬المناصب‭ ‬والكراسي‭ ‬التي‭ ‬تجلس‭ ‬عليها‭.‬

أعتقد‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬يمضي‭ ‬جاداً‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬بناء‭ ‬قضية‭ ‬ويحشد‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬العالمي‭ ‬وربما‭ ‬يحصل‭ ‬لاحقاً‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬عسكرية‭ ‬محدودة‭ ‬ضد‭ ‬إيران‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحالف‭ ‬دولي‭ ‬محدود‭ ‬أو‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بمفردها،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬فإن‭ ‬شعور‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬بالتهديد‭ ‬والقلق‭ ‬يبقى‭ ‬أكثر‭ ‬فاعلية‭ ‬من‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب،‭ ‬فهذا‭ ‬النظام‭ ‬البائس‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬تحت‭ ‬الضغط‭ ‬الآن‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬يفكر‭ ‬في‭ ‬مصيره‭ ‬وكيفية‭ ‬ملاقاة‭ ‬ضربة‭ ‬أميركية‭ ‬لا‭ ‬يعلم‭ ‬مصدرها‭ ‬ولا‭ ‬توقيتها،‭ ‬وهذا‭ ‬السيناريو‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬نجاعة،‭ ‬برأيي،‭ ‬لكسر‭ ‬أنف‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭ ‬ودفعه‭ ‬لتجرع‭ ‬السم‭ ‬والقبول‭ ‬بشروط‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الإقليمي‭ ‬والعالمي‭. ‬“إيلاف”‭.‬