قهوة الصباح

إلغاء مفهوم “التضحية” في السعادة (21)

| سيد ضياء الموسوي

كثيرا‭ ‬من‭ ‬عظماء‭ ‬التاريخ‭ ‬لم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬أن‭ ‬يقطفوا‭ ‬تفاحة‭ ‬السعادة،‭ ‬إما‭ ‬بسبب‭ ‬استسلامهم‭ ‬للروتين‭ ‬أو‭ ‬انحشارهم‭ ‬في‭ ‬زاوية‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬الكتابة‭ ‬أو‭ ‬النحت‭ ‬أو‭ ‬فن‭ ‬من‭ ‬فنونها،‭ ‬أو‭ ‬بعضهم‭ ‬دخل‭ ‬مقبرة‭ ‬العشق،‭ ‬فلم‭ ‬يخرج‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬هيكل‭ ‬عظمي‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬المفكر‭ ‬الألماني‭ ‬كارل‭ ‬ماركس‭ ‬كان‭ ‬زعيما‭ ‬ثوريا،‭ ‬واستطاع‭ ‬بفكره‭ ‬قيادة‭ ‬انقلاب‭ ‬عالمي،‭ ‬وعانى‭ ‬من‭ ‬الفقر‭ ‬حتى‭ ‬أنه‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يهدد‭ ‬من‭ ‬مالك‭ ‬شقته‭ ‬المستأجرة‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬بالطرد،‭ ‬هو‭ ‬وأولاده‭ ‬وزوجته‭ ‬ان‭ ‬تأخر‭ ‬في‭ ‬دفع‭ ‬الإيجار،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬وفقا‭ ‬لزوجة‭ ‬تستحق‭ ‬الحب‭. ‬عشقها‭ ‬وعشقته‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬من‭ ‬عائلة‭ ‬أرستقراطية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تركت‭ ‬الدنيا‭ ‬لتحظى‭ ‬بأمان‭ ‬عاطفي‭ ‬متوازن‭. ‬في‭ ‬مشهد‭ ‬للفيلم‭ ‬الجميل‭ ‬الذي‭ ‬يؤرخ‭ ‬حياة‭ ‬كارل‭ ‬ماركس‭ (‬The young Karl Marx‭.) ‬تقول‭ ‬زوجة‭ ‬ماركس‭ ‬الذي‭ ‬تركت‭ ‬خلفها‭ ‬كل‭ ‬مظاهر‭ ‬البذخ‭ ‬والرفاهية‭: (‬فررت‭ ‬من‭ ‬الملل‭ ‬الرهيب‭ ‬من‭ ‬تعاسة‭ ‬مرفهة،‭ ‬السعادة‭ ‬تتطلب‭ ‬تمردا،‭ ‬التمرد‭ ‬ضد‭ ‬موسسات‭ ‬العالم‭ ‬القديم‭). ‬نعم‭ ‬السعادة‭ ‬تحتاج‭ ‬تمردا،‭ ‬تحتاج‭ ‬تضحية‭ ‬لأجل‭ ‬الذات‭ ‬لا‭ ‬لأجل‭ ‬الغير‭. ‬تحتاج‭ ‬تكسير‭ ‬كل‭ ‬أصنام‭ ‬العبودية‭ ‬أكانت‭ ‬ثقافية‭ ‬أو‭ ‬مجتمعية‭. ‬علاقاتنا‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬سجون‭ ‬متحركة‭ ‬بين‭ ‬جلاد‭ ‬وضحية‭. ‬نتعذب‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬ونحن‭ ‬نرى‭ ‬سعادتنا‭ ‬في‭ ‬تناقص،‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬تتناقص‭ ‬طوبة‭ ‬طوبة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬يوم‭ ‬الانهيار‭ ‬الكبير،‭ ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬نرضى‭ ‬بالقهر‭ ‬الزمني‭. ‬نولد‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬متحرك،‭ ‬ونعيش‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬متحرك،‭ ‬ونموت‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬متحرك‭. ‬اصنع‭ ‬التمرد‭ ‬بكسر‭ ‬الأغلال،‭ ‬خذ‭ ‬فأسك،‭ ‬واهدم‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يحول‭ ‬دون‭ ‬سعادتك،‭ ‬واستمرار‭ ‬متعتك‭ ‬المقدسة،‭ ‬والمشروعة‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬وحريتك‭ ‬في‭ ‬التمتع‭ ‬في‭ ‬الوجود‭. ‬في‭ ‬علم‭ ‬التفس،‭ ‬لا‭ ‬يعترف‭ ‬بمصطلح‭ ‬طالما‭ ‬خدعنا‭ ‬به‭ ‬،‭ ‬اسمه‭ (‬تضحية‭) ‬هذه‭ ‬كلمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تمحى‭ ‬من‭ ‬قاموس‭ ‬الحب‭. ‬ماذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬تضحي‭ ‬لأحد؟‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬ضحية‭ ‬لشخص‭ ‬أو‭ ‬لابن‭ ‬أو‭ ‬لزوجة؟‭ ‬نعم،‭ ‬كن‭ ‬معطاء،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تضحي‭ ‬بسعادتك‭ ‬ووجودك،‭ ‬وشبابك،‭ ‬ثم‭ ‬تموت‭ ‬فجأة‭ ‬وتنسى‭ ‬بعد‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭. ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تحب‭ ‬نفسك‭ ‬لن‭ ‬يحبك‭ ‬أحد‭.‬‭ ‬الحب‭ ‬الحقيقي‭ ‬يبدأ‭ ‬أولا‭ ‬من‭ ‬الذات‭. ‬إن‭ ‬المرأة‭ ‬التي‭ ‬تقبل‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ضحية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ (‬عيون‭) ‬حبيبها‭ (‬الرجل‭ ‬المعشوق‭) ‬هي‭ ‬كتلك‭ ‬المرأة‭ ‬الغبية‭ ‬التي‭ ‬تثق‭ ‬بقلب‭ ‬مقاول‭ ‬الحب‭ (‬كازانوفا‭)‬،‭ ‬والذي‭ ‬ضحك‭ ‬على‭ ‬النساء،‭ ‬وقد‭ ‬وصل‭ ‬عدد‭ ‬تجاربه‭ ‬مع‭ ‬النساء‭ ‬إلى‭ ‬565‭ ‬تجربه‭. ‬يقول‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ (‬المرأة‭ ‬تقبل‭ ‬بعصفور‭ ‬واحد،‭ ‬والرجل‭ ‬مقاول‭ ‬نساء‭). ‬أقول‭ ‬لا‭ ‬تضحوا‭ ‬بسعادتكم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عيون‭ ‬أحد‭. ‬حاولوا‭ ‬ولو‭ ‬استرداد‭ ‬قطع‭ ‬من‭ ‬سعادتكم‭ ‬المهربة‭. ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬صورة‭ ‬مجد‭ ‬التضحية‭ ‬براقا‭ ‬ومغريا،‭ ‬فإن‭ ‬ثمنه‭ ‬كبير،‭ ‬وهو‭ ‬خسارتكم‭ ‬لنعمة‭ ‬الحياة‭. ‬وإن‭ ‬بداية‭ ‬طريق‭ ‬السعادة‭ ‬أن‭ ‬تتخلى‭ ‬عن‭ ‬مفهوم‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬ضحية‭ ‬للآخر‭. ‬فهل‭ ‬كانت‭ ‬ليلى‭ ‬تستحق‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬على‭ ‬قيس؟‭ ‬يقول‭ ‬قيس‭: ‬

‭(‬بَرى‭ ‬حُبُّها‭ ‬جِسمي‭ ‬وَقَلبي‭ ‬وَمُهجَتي

فَلَم‭ ‬يَبقَ‭ ‬إِلّا‭ ‬أَعظُمٌ‭ ‬وَعُروقُ

فَلا‭ ‬تَعذِلوني‭ ‬إِن‭ ‬هَلَكتُ‭ ‬تَرَحَّموا

عَلَيَّ‭ ‬فَفَقدُ‭ ‬الروحِ‭ ‬لَيسَ‭ ‬يَعوقُ

وَخُطّوا‭ ‬عَلى‭ ‬قَبري‭ ‬إِذا‭ ‬مِتُّ‭ ‬وَاِكتُبوا

قَتيلُ‭ ‬لِحاظٍ‭ ‬ماتَ‭ ‬وَهوَ‭ ‬عَشيقُ‭)‬

واختلف‭ ‬مع‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬حينما‭ ‬قال‭: (‬قد‭ ‬مات‭ ‬شهيدا‭ ‬يا‭ ‬ولدي،‭ ‬من‭ ‬مات‭ ‬فداء‭ ‬للمحبوب‭) ‬أو‭ (‬قد‭ ‬تغدو‭ ‬امراة‭ ‬يا‭ ‬ولدي،‭ ‬يهواها‭ ‬القلب‭ ‬هي‭ ‬الدنيا‭ ) ‬إن‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬أغاني‭ ‬عبدالحليم‭ ‬حافظ‭ ‬والأطرش‭ ‬وأم‭ ‬كلثوم‭ ‬وإليسا‭ ‬وكاظم‭ ‬الساهر‭ ‬رغم‭ ‬جمالها،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تكرس‭ ‬مفهوم‭ ‬التضحية‭ ‬والرق‭ ‬السيكولوجي‭ ‬والعبودية،‭ ‬وتقود‭ ‬إلى‭ ‬تعملق‭ ‬مفهوم‭ ‬التضحية‭ ‬والمازوشية‭. ‬السعادة‭ ‬تحتاج‭ ‬تمردا،‭ ‬وأول‭ ‬عصيان‭ ‬مدني‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تكسر‭ ‬تمثالا‭ ‬من‭ ‬تعشق‭. ‬وعلم‭ ‬نفس‭ ‬السلوك‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬أهميةً‭ ‬الحب،‭ ‬لكن‭ ‬شريطة‭ ‬عدم‭ ‬الأسر،‭ ‬والاحتياج‭ ‬الشديد‭. ‬لهذا‭ ‬لا‭ ‬أتفق‭ ‬مع‭ ‬أحلام‭ ‬مستغانمي‭ ‬عندما‭ ‬قالت‭ (‬أي‭ ‬علم‭ ‬هذا‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬أصوات‭ ‬من‭ ‬نحب‭ ‬في‭ ‬أقراص،‭ ‬أو‭ ‬زجاجة‭ ‬دواء‭ ‬نتناولها‭ ‬سرًّا،‭ ‬عندما‭ ‬نصاب‭ ‬بوعكة‭ ‬عاطفية‭ ‬بدون‭ ‬أن‭ ‬يدري‭ ‬صاحبها‭ ‬كم‭ ‬نحن‭ ‬نحتاجه‭). ‬أحبب،‭ ‬ولكن‭ ‬لا‭ ‬تحتاج،‭ ‬فالسعادة‭ ‬ألا‭ ‬تحتاج‭ ‬أحدا‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬مملكة‭ ‬سعادتك‭. ‬ويقول‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬“ع”‭ (‬احتج‭ ‬إلى‭ ‬من‭ ‬شئت‭ ‬تكن‭ ‬أسيره،‭ ‬واستغن‭ ‬عمن‭ ‬شئت‭ ‬تكن‭ ‬نظيره‭). ‬الاحتياج‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬اجتياح،‭ ‬والحنين‭ ‬يتحول‭ ‬إلى‭ ‬سكين،‭ ‬والذكريات‭ ‬الى‭ ‬طعنات‭. ‬كن‭ ‬ممتلأ‭ ‬بذاتك،‭ ‬فائضا‭ ‬بجمالك،‭ ‬فإذا‭ ‬جاءك‭ ‬جمال،‭ ‬فجمال‭ ‬على‭ ‬جمال،‭ ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬يأت،‭ ‬فأنت‭ ‬مكتمل‭ ‬بجمالك،‭ ‬ولا‭ ‬تعاني‭ ‬نقص‭ ‬جمال‭.‬