ستة على ستة

الضربة الملغاة

| عطا السيد الشعراوي

ربما‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬النادرة‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬إلغاء‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬ضد‭ ‬أخرى،‭ ‬خصوصا‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الفترة‭ ‬بين‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬بهذه‭ ‬الضربة‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬إلغائها‭ ‬لا‭ ‬تتجاوز‭ ‬24‭ ‬ساعة،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬قرار‭ ‬الإلغاء‭ ‬قبل‭ ‬موعدها‭ ‬بعشر‭ ‬دقائق‭ ‬فقط،‭ ‬وتزداد‭ ‬الغرابة‭ ‬والدهشة‭ ‬إزاء‭ ‬تفسير‭ ‬الإفصاح‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الإلغاء‭ ‬لأنه‭ ‬غالبا‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬صالح‭ ‬متخذ‭ ‬قرار‭ ‬إلغاء‭ ‬الضربة،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬رفع‭ ‬معنويات‭ ‬الطرف‭ ‬المستهدف‭.‬

قد‭ ‬يكون‭ ‬قرار‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬ترامب‭ ‬بإلغاء‭ ‬الضربة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أمر‭ ‬بشنها‭ ‬ضد‭ ‬إيران‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أقدم‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬إسقاط‭ ‬طائرة‭ ‬بحرية‭ ‬مسيرة‭ ‬أميركية‭ ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬مضيق‭ ‬هرمز،‭ ‬زاعمًا‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬ضمن‭ ‬المجال‭ ‬الجوي‭ ‬الإيراني،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬أكدت‭ ‬فيه‭ ‬القيادة‭ ‬المركزية‭ ‬الأميركية‭ ‬أن‭ ‬الطائرة‭ ‬كانت‭ ‬فوق‭ ‬المياه‭ ‬الدولية،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬تكتيكًا‭ ‬من‭ ‬ترامب‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إحداث‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬التراخي‭ ‬لدى‭ ‬إيران‭ ‬ليعاود‭ ‬شن‭ ‬الضربة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬فيه‭ ‬إيران‭ ‬مستعدة‭ ‬بما‭ ‬يكفي‭ ‬للرد‭ ‬أو‭ ‬الصد‭.‬

فمن‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سخونة‭ ‬الأحداث‭ ‬وتوترها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬حالات‭ ‬الاستعداد‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يفشل‭ ‬الضربة‭ ‬أو‭ ‬يحد‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬المتوخاة‭ ‬منها،‭ ‬لذا‭ ‬أعلن‭ ‬ترامب‭ ‬إلغاء‭ ‬الضربة‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬دقائق‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬موعدها‭.‬

هناك‭ ‬تفسير‭ ‬آخر‭ ‬وهو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬ضربة‭ ‬من‭ ‬الأساس،‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يصدر‭ ‬أمر‭ ‬بتوجيه‭ ‬ضربة‭ ‬لإيران‭ ‬وأن‭ ‬ترامب‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يحفز‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬التفاوض‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يشعرها‭ ‬بأنه‭ ‬يمارس‭ ‬صبرا‭ ‬تجاهها‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬مدى‭ ‬وإلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬فيه‭ ‬بإلغاء‭ ‬قرار‭ ‬توجيه‭ ‬ضربة‭ ‬عسكرية‭ ‬ضدها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يفسر‭ ‬إيرانيا‭ ‬بأنه‭ ‬بادرة‭ ‬إيجابية‭ ‬كبيرة‭ ‬وعليها‭ ‬التجاوب‭ ‬معه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬ينفذ‭ ‬صبره‭.‬

يبدو‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يسير‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬سياسة‭ ‬ممارسة‭ ‬أقصى‭ ‬قدر‭ ‬من‭ ‬الضغوط‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر‭ ‬لنيل‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬من‭ ‬تنازلات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الضغوط‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬البعيد‭ ‬نسبيا‭ ‬عن‭ ‬الإجراءات‭ ‬الحاسمة‭ ‬والحارقة‭ ‬التي‭ ‬تجبر‭ ‬هذا‭ ‬الجانب‭ ‬على‭ ‬التغيير‭ ‬الفعلي‭ ‬والتجاوب‭ ‬الحقيقي،‭ ‬فهل‭ ‬تشهد‭ ‬الأيام‭ ‬المقبلة‭ ‬تغيرًا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السياسة؟‭.‬