بين‭ ‬المجلسين

| د. عبدالله الحواج

لم‭ ‬تكن‭ ‬الزيارة‭ ‬خاضعة‭ ‬بروتوكوليا‭ ‬لمراسم‭ ‬استقبال‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬محافظ‭ ‬المحافظة‭ ‬الجنوبية‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬وفقه‭ ‬الله،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬لتسليم‭ ‬سموه‭ ‬دعوة‭ ‬شخصية‭ ‬لتشريف‭ ‬حفل‭ ‬زفاف‭ ‬نجلي‭ ‬ياسر،‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬كانت‭ ‬حفاوة‭ ‬الاستقبال‭ ‬وكرم‭ ‬الضيافة‭ ‬يدللان‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الامتداد‭ ‬الطبيعي‭ ‬لمجلس‭ ‬الجد‭ ‬القائد‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬أعاده‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬بلاده‭ ‬غانما‭ ‬سالما‭ ‬بإذنه‭ ‬تعالى‭. ‬كان‭ ‬مجلس‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬مكتظا‭ ‬بالحضور،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬يحفظه‭ ‬الله،‭ ‬المناقشات،‭ ‬وتبادل‭ ‬الآراء‭ ‬والأطروحات‭ ‬الإنسانية‭ ‬ذكرتني‭ ‬بمجلس‭ ‬الرئيس،‭ ‬وكيف‭ ‬أن‭ ‬مجلس‭ ‬الحفيد‭ ‬استطاع‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬قصير‭ ‬استلهام‭ ‬أدق‭ ‬وأبلغ‭ ‬العبر‭ ‬والصفات‭ ‬من‭ ‬مجلس‭ ‬الجد‭ ‬الكريم،‭ ‬إنها‭ ‬حالة‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬توارد‭ ‬الموروث‭ ‬القيم‭ ‬ونقلة‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ومن‭ ‬عصر‭ ‬إلى‭ ‬عصور‭ ‬أخرى‭ ‬قادمة،‭ ‬هو‭ ‬الاستلهام‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬أهم‭ ‬مفترقاته‭ ‬عندما‭ ‬يصبح‭ ‬العلم‭ ‬والتعلم‭ ‬فعل‭ ‬جيني‭ ‬خالص‭ ‬واستجابة‭ ‬وجودية‭ ‬من‭ ‬حقب‭ ‬متتالية‭ ‬تربطها‭ ‬العراقة‭ ‬والأصالة‭ ‬وقوة‭ ‬الإثبات‭. ‬

يقال‭: ‬إن‭ ‬المآثر‭ ‬كالمواد‭ ‬لا‭ ‬تفنى‭ ‬ولا‭ ‬تخلق‭ ‬من‭ ‬العدم،‭ ‬وإن‭ ‬الخلود‭ ‬شأنه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬شأن‭ ‬طبائع‭ ‬الأشياء،‭ ‬لبصمته‭ ‬رونق‭ ‬وبقاء،‭ ‬مضمون‭ ‬ورداء،‭ ‬وسيرة‭ ‬ذاتية‭ ‬لا‭ ‬تخطئها‭ ‬الأبصار‭. ‬

مجلس‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬يذكرني‭ ‬بمجلس‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬انفتاح‭ ‬بحرية،‭ ‬إحساس‭ ‬بالآخر‭ ‬واحترام‭ ‬له،‭ ‬إيمان‭ ‬بالاختلاف‭ ‬وتاكيد‭. ‬تداوله،‭ ‬تثبيت‭ ‬الثوابت‭ ‬وعدم‭ ‬المساس‭ ‬بها‭. ‬

مجلس‭ ‬محافظ‭ ‬الجنوبية‭ ‬فرع‭ ‬لجامعة‭ ‬أممية‭ ‬اسمها‭ ‬مجلس‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬مدرسة‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬خصال‭ ‬الماضي‭ ‬وعلوم‭ ‬المستقبل،‭ ‬عبق‭ ‬لا‭ ‬ينسى،‭ ‬ودفئا‭ ‬لا‭ ‬يحد،‭ ‬إنه‭ ‬الكرم‭ ‬التلقائي‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬دار،‭ ‬فيشعر‭ ‬الضيف‭ ‬وكأنه‭ ‬صاحب‭ ‬الدار،‭ ‬ملحمة‭ ‬تواصل‭ ‬من‭ ‬الأجداد‭ ‬إلى‭ ‬الآباء‭ ‬إلى‭ ‬الأحفاد،‭ ‬مسيرة‭ ‬عطاء‭ ‬لا‭ ‬يحدها‭ ‬قيد،‭ ‬ولا‭ ‬يقيدها‭ ‬ظرف،‭ ‬ولا‭ ‬يجور‭ ‬عليها‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬زمن‭.‬

‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬في‭ ‬تايلند،‭ ‬لكن‭ ‬قلبه‭ ‬معنا،‭ ‬روحه‭ ‬وعقله‭ ‬يتعلقان‭ ‬بكل‭ ‬شبر‭ ‬في‭ ‬الوطن،‭ ‬يسهران‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬مواطن‭ ‬حتى‭ ‬يهدا‭ ‬قلبه‭ ‬وتستريح‭ ‬نفسه‭. ‬وتأمن‭ ‬سريرته‭. ‬

خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬في‭ ‬تايلند،‭ ‬نعم‭ ‬لكنه‭ ‬معنا‭ ‬بكل‭ ‬جوارحه،‭ ‬بأيامه‭ ‬وأحلامه‭ ‬وجوانحه،‭ ‬أحفاده‭ ‬يقومون‭ ‬بأهم‭ ‬الأدوار‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وأصدق‭ ‬الممارسات‭ ‬الوطنية‭ . ‬

نحن‭ ‬نعرف‭ ‬أن‭ ‬علاقات‭ ‬مملكتي‭ ‬البحرين‭ ‬وتايلند‭ ‬تكتسب‭ ‬أهمية‭ ‬بالغة،‭ ‬وأن‭ ‬الأب‭ ‬الرئيس‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬دشن‭ ‬حجر‭ ‬الأساس‭ ‬لهذه‭ ‬العلاقة‭ ‬المتميزة‭ ‬مع‭ ‬الشرق‭ ‬البعيد،‭ ‬منتهجا‭ ‬سياسة‭ ‬“إلى‭ ‬الأبعد”‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬نجحت‭ ‬سياسته‭ ‬الحكيمة‭ ‬الملقبة‭ ‬بـ‭ ‬“جوار‭ ‬الجوار”‭.‬

‭ ‬كم‭ ‬تمنيت‭ ‬وأسرتي‭ ‬أن‭ ‬يبارك‭ ‬الأب‭ ‬الغالي‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفل‭ ‬زفاف‭ ‬نجلي،‭ ‬لكنه‭ ‬القلب‭ ‬الكبير‭ ‬الذي‭ ‬بمد‭ ‬جسور‭ ‬المحبة‭ ‬لنا‭ ‬أينما‭ ‬كان‭ ‬وكيفما‭ ‬أصبح،‭ ‬إنها‭ ‬مشاعر‭ ‬الكبار‭ ‬عندما‭ ‬تعبر‭ ‬الحدود‭ ‬وتقتل‭ ‬المسافات،‭ ‬وتجعل‭ ‬من‭ ‬الزمن‭ ‬مجرد‭ ‬وسيلة‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الأحبة‭ ‬والالتقاء‭ ‬بشوق‭ ‬بالغ‭ ‬معهم‭. ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬“الأبعد”،‭ ‬استقبال‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬مجلسه‭ ‬العامر‭ ‬بإذن‭ ‬الله،‭ ‬مناسك‭ ‬الحفاوة،‭ ‬وحسن‭ ‬الاستقبال،‭ ‬الرابط‭ ‬الأزلي‭ ‬الوثيق‭ ‬“بين‭ ‬المجلسين”،‭ ‬جد‭ ‬يؤسس‭ ‬ويطور‭ ‬ويمضي‭ ‬على‭ ‬دروب‭ ‬الأولين،‭ ‬ونجل‭ ‬بالإخلاص‭ ‬كله‭ ‬والوفاء‭ ‬كله‭ ‬يمشي‭ ‬على‭ ‬هدى‭ ‬الوالد‭ ‬الكبير،‭ ‬وحفيد‭ ‬يفهم‭ ‬في‭ ‬أصول‭ ‬الوفادة‭. ‬ويهضم‭ ‬التعاليم،‭ ‬ويمشي‭ ‬فوق‭ ‬السجاد‭ ‬الأحمر‭ ‬بخطى‭ ‬واثقة‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬الطريق‭ ‬بعون‭ ‬الله‭ ‬وحفظه،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يفارق‭ ‬خاطري‭ ‬وأنا‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬العودة‭ ‬من‭ ‬الرفاع،‭ ‬حيث‭ ‬مجلس‭ ‬محافظ‭ ‬المحافظة‭ ‬الجنوبية‭ ‬متجها‭ ‬نحو‭ ‬الحرم‭ ‬الجامعة‭ ‬الأهلية‭ ‬في‭ ‬الحورة،‭ ‬حيث‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يذكرني‭ ‬بمجلس‭ ‬الرئيس،‭ ‬وكل‭ ‬شيء‭ ‬يقودني‭ ‬إلى‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭.‬