ذرائع

العاضّون على الماضي لا مستقبل لهم

| غسان الشهابي

مواصلة‭ ‬لما‭ ‬انتهى‭ ‬إليه‭ ‬المقال‭ ‬السابق،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬سير‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬عكس‭ ‬سيرنا‭ ‬فيه؛‭ ‬فإن‭ ‬أحد‭ ‬الفيديوهات‭ ‬التي‭ ‬وصلتني‭ ‬أخيراً،‭ ‬كان‭ ‬يحتوي‭ ‬محاضرة‭ ‬لمسلم‭ ‬أوروبي‭ ‬وكيف‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬المجتمعات‭ ‬الإسلامية‭ ‬عموماً‭.‬

يقول‭ ‬المحاضر‭ ‬إن‭ ‬على‭ ‬المسلمين‭ ‬أن‭ ‬يتوقفوا‭ ‬عن‭ ‬الإغراق‭ ‬في‭ ‬الحنين‭ ‬إلى‭ ‬الماضي،‭ ‬وعليهم‭ ‬أن‭ ‬يتخيلوا‭ ‬المستقبل،‭ ‬ملاحظاً‭ (‬كما‭ ‬في‭ ‬المقال‭ ‬السابق‭) ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬مسلسل‭ ‬عربي‭/‬إسلامي‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬المستقبل،‭ ‬لأنهم‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬تخيل‭ ‬المستقبل‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬هم‭ ‬مشغولون‭ ‬فيه‭ ‬بالماضي،‭ ‬مستشهداً‭ ‬بقول‭ ‬أرسطو‭: ‬“الشباب‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬المستقبل‭ ‬لأن‭ ‬لا‭ ‬ماضي‭ ‬لهم،‭ ‬بينما‭ ‬الشيوخ‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬الماضي‭ ‬لأن‭ ‬لا‭ ‬مستقبل‭ ‬لهم”‭! ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الحنين‭ ‬الجارف‭ ‬إلى‭ ‬الماضي‭ ‬يصور‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬بأنها‭ ‬عجوز‭ ‬لا‭ ‬مستقبل‭ ‬لها،‭ ‬بينما‭ ‬العكس‭ ‬صحيح‭ ‬فالأمة‭ ‬ملأى‭ ‬بالشباب‭ ‬ولكنهم‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬الإلهام‭ ‬والأمل‭.‬

استغرب‭ ‬أحد‭ ‬متداولي‭ ‬الفيديو‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الكلام،‭ ‬مشيراً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الغربيين‭ ‬وإن‭ ‬أصبحوا‭ ‬مسلمين‭ ‬فإنهم‭ ‬ينظرون‭ ‬إلينا‭ ‬بفوقية،‭ ‬بينما‭ ‬أجد‭ ‬شخصياً‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬حقيقي‭ ‬تماماً،‭ ‬لأننا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نصغِ‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬أصغى‭ ‬إليه‭ ‬أسلافنا‭ (‬وهذا‭ ‬من‭ ‬الرجوع‭ ‬الحسن‭ ‬إلى‭ ‬التاريخ‭) ‬سنغدوا‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬قاسم‭ ‬حداد‭ ‬في‭ ‬لقاء‭ ‬معه،‭ ‬بأننا‭ ‬لسنا‭ ‬مختلفين،‭ ‬بل‭ ‬نتخلف‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سابقه،‭ ‬وهذا‭ ‬الوضع‭ ‬يلقي‭ ‬مسؤوليات‭ ‬تكبر‭ ‬وتتضخم‭ ‬على‭ ‬الأجيال‭ ‬المقبلة‭ ‬التي‭ ‬ستصحوا‭ ‬من‭ ‬خدر‭ ‬الماضي‭ ‬اللذيذ،‭ ‬لتمسك‭ ‬بمكابح‭ ‬هذه‭ ‬الرِّدة‭ ‬الزمنية،‭ ‬لتوقيفها‭ ‬على‭ ‬الأٌقل،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تبدأ‭ ‬السير،‭ ‬بل‭ ‬الجري‭ ‬في‭ ‬الاتجاه‭ ‬المعاكس‭/‬الصحيح‭ ‬الذي‭ ‬يسير‭ ‬فيه‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬قرون،‭ ‬والذي‭ ‬يخلق‭ ‬هذه‭ ‬الفجوة‭ ‬ويوسعها‭ ‬بيننا‭ ‬وبين‭ ‬الأمم‭ ‬الأخرى‭.‬

 

نعم‭ ‬سنحتاج‭ ‬إلى‭ ‬الاقتداء‭ ‬بفكر‭ ‬غيرنا‭ ‬من‭ ‬الأمم‭ ‬التي‭ ‬تسبقنا،‭ ‬وأكثرها‭ ‬يسبقنا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬مما‭ ‬ننطوي‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬هائلة‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تصنع‭ ‬الأعاجيب،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬قارتين‭ - ‬من‭ ‬يخشى‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬يتعلم‭ ‬الناس‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يجب،‭ ‬وأن‭ ‬يفهموا‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يجب،‭ ‬وأن‭ ‬يكونوا‭ ‬أقل‭ ‬انشغالاً‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬خطواتهم،‭ ‬ومواطئ‭ ‬أقدامهم،‭ ‬وأقل‭ ‬ركضاً‭ ‬وراء‭ ‬لقمة‭ ‬العيش‭ ‬الشحيحة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬حرمان‭ ‬الجماهير‭ ‬وإفقارها‭ ‬وتجهيلها‭ ‬وإيصاد‭ ‬بوابات‭ ‬الحلم‭ ‬والأمل‭ ‬والإلهام،‭ ‬وإطفاء‭ ‬القناديل‭ ‬الدالة‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬الغد،‭ ‬وإلهائها‭ ‬بالـ‭ ‬“كنا”‭ ‬و”كان”،‭ ‬وهذا‭ ‬هو‭ ‬الخسران‭ ‬المبين‭.‬