وَخْـزَةُ حُب

المراهقة مُصطلح نفسي... مُرهق!

| د. زهرة حرم

يُسميها‭ ‬المشتغلون‭ ‬في‭ ‬النظريات‭ ‬النفسية‭ ‬بـ‭ (‬المراهقة‭)‬،‭ ‬حتى‭ ‬شاعت‭ ‬التسمية‭ ‬لدى‭ ‬الجميع؛‭ ‬وتعارفوا‭ ‬على‭ ‬نعت‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬مرحلتها‭ ‬العمرية‭ ‬بالمراهقين‭ ‬والمراهقات؛‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬كرّهوهم‭ ‬في‭ ‬التسمية،‭ ‬وأصبحوا‭ ‬يتمنون‭ ‬القفز‭ ‬عليها؛‭ ‬ليدخوا‭ ‬في‭ ‬مصافّ‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء؛‭ ‬حيث‭ ‬مرحلة‭ ‬البلوغ،‭ ‬وحيث‭ ‬يتوقف‭ ‬الجميع‭ ‬عن‭ ‬تبرير‭ ‬تصرفاتهم‭ ‬وسلوكياتهم،‭ ‬وإرجاع‭ ‬أسبابها‭ ‬إلى‭ ‬المراهقة؛‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬تُترجم‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬عقولهم‭ - ‬بالمرض‭ ‬أو‭ ‬العلة‭! ‬

وكيف‭ ‬لا،‭ ‬والتسمية‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬الإرهاق‭ ‬أي‭ ‬التعب‭! ‬وبالمعنى‭ ‬الواضح‭: ‬إنها‭ ‬مرحلة‭ ‬إجهاد،‭ ‬ليس‭ ‬للجسد‭ ‬فقط،‭ ‬الذي‭ ‬ينمو‭ ‬بشكل‭ ‬متسارع،‭ ‬بل؛‭ ‬للعقل‭ ‬والعاطفة‭ ‬معا؛‭ ‬حيث‭ ‬تتزاحم‭ ‬الأفكار‭ ‬والقيم،‭ ‬وتشتد‭ ‬المشاعر‭ ‬وتزيد‭ ‬الانفعالات‭! ‬هذا‭ ‬صحيح‭ ‬علميًا؛‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬التسمية‭ ‬مُزعجة،‭ ‬ولطالما‭ ‬أغضبت‭ ‬الكثير‭ ‬منا؛‭ ‬فهي‭ ‬تحمل‭ ‬مؤشرات‭ ‬ودلالات‭ ‬سلبية‭ ‬في‭ ‬المطلق،‭ ‬مثلها‭ ‬تمامًا‭ ‬مثل‭: ‬“سن‭ ‬اليأس”،‭ ‬و”العجزة”،‭ ‬و”المعاقين”؛‭ ‬إذْ‭ ‬تنتفي‭ ‬كل‭ ‬المعاني‭ ‬الإيجابية،‭ ‬وتضيع‭ ‬داخل‭ ‬مصطلحات‭ ‬غير‭ ‬رحيمة،‭ ‬وغير‭ ‬مبالية،‭ ‬بالأثر‭ ‬النفسي‭ ‬الذي‭ ‬تُخلفه‭ ‬في‭ ‬نفسية‭ ‬أصحابها،‭ ‬والعجب‭ ‬أن‭ ‬مَنْ‭ ‬أطلقها‭ (‬نفسانيون‭)!‬

نعم‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬يُطلقون‭ ‬عليها‭ ‬“المراهقة”‭ ‬مرحلة‭ ‬تتميز‭ ‬بعدم‭ ‬الاستقرار،‭ ‬وهذا‭ ‬طبيعي؛‭ ‬فهي‭ ‬فترة‭ ‬انتقالية‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الطفولة‭ ‬والبلوغ،‭ ‬مرحلة‭ ‬مُخاضٍ‭ ‬–‭ ‬ليس‭ ‬سهلا‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ - ‬وعبور‭ ‬إلى‭ ‬النضج،‭ ‬ولذلك‭ ‬يزيد‭ ‬التركيز‭ ‬عليها‭ ‬تربويًا،‭ ‬ويحرص‭ ‬الجميع‭ ‬منا‭ ‬على‭ ‬مساعدة‭ ‬أبنائه؛‭ ‬في‭ ‬تجاوز‭ ‬جسرها‭ ‬المضطرب‭ ‬بسلام‭! ‬ولكن‭! ‬هذا‭ ‬الهوس‭ ‬الذي‭ ‬يشغل‭ ‬ذهن‭ ‬“المراهق”‭ ‬وذويه،‭ ‬في‭ ‬الانتظار‭ ‬المرّ؛‭ ‬انتهاء‭ ‬المرحلة،‭ ‬لَهو‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬قتـل‭ ‬لا‭ ‬واعٍ‭ ‬لأجمل‭ ‬أيام‭ ‬عمر‭ ‬الإنسان‭!‬

يا‭ ‬ليتنا‭ ‬بقينا‭ ‬مراهقين‭! ‬نعيش‭ ‬الحماسات‭ ‬بكل‭ ‬أشكالها،‭ ‬ننفعل،‭ ‬ونغضب،‭ ‬ونضحك‭ ‬كثيرا‭! ‬يا‭ ‬ليتنا‭ ‬نمتلك‭ ‬طاقات‭ ‬المراهقين،‭ ‬وفُتوّتهم،‭ ‬وشقاوتهم،‭ ‬وتجاربهم،‭ ‬وتحدياتهم،‭ ‬ومنافساتهم،‭ ‬وحرياتهم،‭ ‬وقلة‭ ‬مسؤولياتهم‭! ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬تعلمناه‭ ‬بعد‭ ‬النضج؛‭ ‬أنَّ‭ ‬ما‭ ‬استمتنا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عبوره؛‭ ‬كان‭ ‬أجمل‭ ‬أيام‭ ‬حياتنا،‭ ‬وسيكون‭ ‬أجمل‭ ‬عند‭ ‬أبنائنا،‭ ‬لو‭ ‬تعاملنا‭ ‬معه‭ ‬بشكل‭ ‬طبيعي،‭ ‬لا‭ ‬بوصفه‭ ‬حالة‭ ‬خطر‭! ‬يا‭ ‬ليت‭ ‬المشتغلين‭ ‬بعلم‭ ‬النفس،‭ ‬يبدلون‭ ‬التسمية‭ ‬من‭ (‬مرحلة‭ ‬المراهقة‭) ‬إلى‭ (‬مرحلة‭ ‬الحماسة‭)‬؛‭ ‬لتصطبغ‭ ‬بلون‭ ‬البهجة،‭ ‬والمرح؛‭ ‬وليعيش‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ - ‬فترتها‭ - ‬وهو‭ ‬في‭ ‬تصافٍ،‭ ‬وتهادنٍ،‭ ‬وتأقلمٍ‭ ‬صحي‭ ‬مع‭ ‬نفسه‭ ‬والآخرين‭ ‬حوله،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬توجسه‭ ‬من‭ ‬نظرات‭ ‬الغير‭ ‬التبريرية‭ ‬له،‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬فيه‭ ‬سوى‭ ‬مراهق،‭ ‬مُتحسس،‭ ‬ومتأزم،‭ ‬ويعاني‭ ‬ويلات‭ ‬المرهقة‭!‬

إلى‭ ‬من‭ ‬يعيشون‭ ‬مرحلة‭ (‬الحماسة‭).. ‬هذه‭ ‬صفوة‭ ‬أيامكم،‭ ‬حيث‭ ‬تنبت‭ ‬الأحلام‭. ‬تعلموا‭ ‬كيف‭ ‬تسقونها‭ ‬جيدا؛‭ ‬لتثمر‭ ‬في‭ ‬حاضركم،‭ ‬ويشتد‭ ‬عودها‭ ‬في‭ ‬مستقبلكم‭ ‬القريب‭! ‬إن‭ ‬كل‭ ‬واقع‭ ‬مثاليّ‭ ‬لدى‭ ‬البالغين؛‭ ‬صنعته‭ ‬أرواحهم‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬سابقة،‭ ‬شبيهة‭ ‬بمرحلتكم‭ ‬الحالية‭.. ‬لمن‭ ‬تجاوز‭ ‬المرحلة‭ ‬منا‭: ‬هل‭ ‬أدركتم‭ ‬جماليتها‭ ‬وتمنيتم‭ ‬العودة‭ ‬إليها‭.‬