سوالف

المثقف العربي... فاقد الوعي ولا يشعر بمسؤوليته

| أسامة الماجد

في‭ ‬عصرنا‭ ‬الحالي‭ ‬تكاد‭ ‬تكون‭ ‬مستحيلة‭ ‬عزلة‭ ‬المثقف‭ ‬في‭ ‬برجه‭ ‬العاجي،‭ ‬منصرفا‭ ‬إلى‭ ‬لذائذ‭ ‬المعرفة،‭ ‬أو‭ ‬متعة‭ ‬الإبداع‭ ‬الفني،‭ ‬فالقضايا‭ ‬العامة‭ ‬من‭ ‬محلية‭ ‬وإنسانية‭ ‬تنفذ‭ ‬إليه‭ ‬مع‭ ‬خبزه‭ ‬اليومي،‭ ‬والمثقف‭ ‬العربي‭ ‬مثل‭ ‬كل‭ ‬مثقف‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬مسوق‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمام‭ ‬بالقضايا‭ ‬الكبيرة‭ ‬وباتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬منها،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬جدير‭ ‬بأن‭ ‬يكون‭ ‬أشد‭ ‬اهتماما‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬الآخرين‭ ‬بهذه‭ ‬القضايا‭ ‬الكبيرة،‭ ‬لأن‭ ‬أنباء‭ ‬بعضها‭ ‬لا‭ ‬تفارق‭ ‬سمعه‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬وبعضها‭ ‬تقرع‭ ‬عليه‭ ‬باب‭ ‬داره‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬مذكرة‭ ‬إياه‭ ‬بأنها‭ ‬تعني‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬الحياة‭ ‬أو‭ ‬الفناء‭ ‬والوجود‭ ‬والعدم‭.‬

إذا‭ ‬فاهتمام‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬بقضايا‭ ‬قومه‭ ‬وبلاده‭ ‬والإنسانية‭ ‬أمر‭ ‬حتمي‭ ‬وواقع،‭ ‬ويشتد‭ ‬الاهتمام‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الظروف‭ ‬ارتباطا‭ ‬لا‭ ‬مفك‭ ‬منه‭ ‬للمثقف‭ ‬الحق‭ ‬والمفكر‭ ‬الحق،‭ ‬صحيح‭ ‬الإدراك‭ ‬للظروف‭ ‬المحيطة‭ ‬به،‭ ‬صحيح‭ ‬الشعور‭ ‬بمسؤوليته‭ ‬كمثقف‭ ‬ومفكر،‭ ‬فهل‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬آخر‭ ‬الشوط‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬بالقضايا‭ ‬الكبيرة؟‭ ‬

إن‭ ‬فئة‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬المفكرين‭ ‬لا‭ ‬تكتفي‭ ‬بالاهتمام‭ ‬أو‭ ‬الارتباط‭ ‬بل‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬أشد‭ ‬وأكثر‭ ‬تحديدا،‭ ‬فتتخذها‭ ‬وتطالب‭ ‬غيرها‭ ‬باتخاذها،‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة‭ ‬أو‭ ‬الموقف‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬اصطلح‭ ‬على‭ ‬تسميته‭ ‬بالالتزام،‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬يعيش‭ ‬اليوم‭ ‬هذا‭ ‬المنعطف‭ ‬الخطير‭ ‬وأصوات‭ ‬الزجاج‭ ‬تتطاير‭ ‬من‭ ‬الشبابيك‭ ‬والمؤامرات‭ ‬تزداد‭ ‬حدة‭ ‬وشراسة‭ ‬ومثقفنا‭ ‬العربي‭ ‬فاقد‭ ‬الوعي‭ ‬ولا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬إلى‭ ‬النور،‭ ‬فالأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬الراهنة‭ ‬تحتم‭ ‬على‭ ‬المثقف‭ ‬والمفكر‭ ‬العربي‭ ‬الالتزام‭ ‬المتدفق‭ ‬ومسايرة‭ ‬الواقع‭ ‬والمساهمة‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر‭ ‬في‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬“بما‭ ‬يخلقه‭ ‬ويبدعه”‭ ‬وليس‭ ‬البقاء‭ ‬هكذا‭ ‬خارج‭ ‬نقطة‭ ‬الضوء‭ ‬والاكتفاء‭ ‬بالخبز‭ ‬والعجن‭ ‬والثرثرة‭ ‬عن‭ ‬“الرأسمالية”‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬البرامج‭ ‬التلفزيونية،‭ ‬أو‭ ‬حضور‭ ‬منتديات‭ ‬الشوارع‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يذكر‭.‬

كيف‭ ‬نسي‭ ‬المثقف‭ ‬العربي‭ ‬واجبه‭ ‬والأعباء‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬يحملها‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬يهتم‭ ‬بما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬أوطاننا‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬المرعبة‭ ‬من‭ ‬تاريخنا،‭ ‬لقد‭ ‬تجمد‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وترك‭ ‬المثقف‭ ‬واجبه‭ ‬كاملا‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أول‭ ‬المتواجدين‭ ‬في‭ ‬الجبهة‭ ‬بفكره‭ ‬وعطائه‭.‬