عمود أكاديمي

صعود الشعبوية السياسية في المجتمعات الغربية

| د. باقر النجار

رغم‭ ‬شيوع‭ ‬استخدام‭ ‬مصطلح‭ ‬الشعوبية‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬الإعلامي‭ ‬والسياسي‭ ‬اليومي،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬تعريف‭ ‬دقيق‭ ‬لها،‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬كمصطلح‭ ‬قد‭ ‬يعني‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬جوانبه‭: ‬ذلك‭ ‬الخطاب‭ ‬المشحون‭ ‬بالعاطفة‭ ‬والموجه‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬نحو‭ ‬الطبقات‭ ‬الشعبية‭ ‬بقصد‭ ‬استمالتها‭ ‬وحشدها‭ ‬ضد‭ ‬النخب‭ ‬السياسية‭ ‬القائمة‭ ‬أو‭ ‬ضد‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬سياساته”‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬كثافة‭ ‬استخدامها‭ ‬بات‭ ‬يقصد‭ ‬منه‭ ‬تنديد‭ ‬بالطرف‭ ‬المنعوت‭ ‬أكثر‭ ‬منه‭ ‬شرحا‭ ‬لطبيعة‭ ‬خطابه‭ ‬أو‭ ‬سياساته‭. ‬وهي‭ ‬كحالة‭ ‬لا‭ ‬تخص‭ ‬الأنظمة‭ ‬الشمولية‭ ‬ذات‭ ‬الإيديولوجية‭ ‬المحددة‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬النظام‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬النظام‭ ‬الكوري‭ ‬الشمالي‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬أو‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬الأحزاب‭ ‬والجماعات‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬المعروفة‭ ‬بخطابها‭ ‬القومي‭ ‬أو‭ ‬الاسلاموي‭. ‬بل‭ ‬باتت‭ ‬ممارسته‭ ‬وتوظيفه‭ ‬تشمل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أنظمة‭ ‬وشخصيات‭ ‬في‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الغربية‭ ‬المعروفة‭. ‬فخطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬السابق‭ ‬أحمدي‭ ‬نجاد‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وصف‭ ‬بكونه‭ ‬خطابا‭ ‬شعبويا‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬خطاب‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬الحالي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭. ‬بل‭ ‬ان‭ ‬خطاب‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬البريطاني‭ ‬المستقيل‭ ‬يوريس‭ ‬جونسون‭ ‬لم‭ ‬يبتعد‭ ‬كثيرا‭ ‬عن‭ ‬الشعبوية‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬في‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭ ‬بل‭ ‬والمعادي‭ ‬لبريكست‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬موقفه‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬بأنه‭ ‬تحريضي‭ ‬ضد‭ ‬مسلمي‭ ‬بريطانيا‭. (‬1‭) ‬

والشعبوية‭ ‬كأداة‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬وظفته‭ ‬الفئة‭ ‬المتزعمة‭ ‬في‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬بريطاني،‭ ‬للتعبئة‭ ‬والحشد‭ ‬الجماهيري‭ ‬أبان‭ ‬عملية‭ ‬الاقتراع‭ ‬على‭ ‬“بريكست”‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬أداة‭ ‬ناجحة‭ ‬وظفها‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬حمالاته‭ ‬الانتخابية‭ ‬العام‭ ‬2016‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭. ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬أن‭ ‬الشعبوية‭ ‬كأداة‭ ‬للحشد‭ ‬والتعبئة‭ ‬قد‭ ‬وظفته‭ ‬الحركات‭ ‬اليمنية‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬القوى‭ ‬الراديكالية‭ ‬واليسارية‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬تنامي‭ ‬حضور‭ ‬القوى‭ ‬الشعبوية‭ ‬في‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الغربية‭ ‬يطرح‭ ‬تحديا‭ ‬جديا‭ ‬حول‭ ‬مستقبل‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬ليفيتسكي‭ ‬وزيبلات‭ ‬الاستاذان‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬هارفرد‭ ‬في‭ ‬كتابيهما‭ ‬الأخير‭ ‬“كيف‭ ‬تموت‭ ‬الديمقراطيات”،‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬موت‭ ‬الديمقراطيات‭ ‬الغربية‭. ‬وهو‭ ‬موت‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يتم‭ ‬بانقلابات‭ ‬عسكرية‭ ‬وتعليق‭ ‬لمواد‭ ‬الدستور‭ ‬وإنما‭ ‬هي‭ ‬عملية‭ ‬تتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬والديمقراطية‭ ‬ذاتها‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬تخوفه‭ ‬يذهب‭ ‬به‭ ‬للقول‭ ‬إن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الأميركية‭ ‬ذاتها‭ ‬معرضة‭ ‬لهذا‭ ‬التراجع‭ ‬بصورة‭ ‬أكبر‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يتصور‭ ‬البعض‭. ‬وهو‭ ‬تراجع‭ ‬يعزو‭ ‬بعضه‭ ‬إلى‭ ‬الصعود‭ ‬القوى‭ ‬لقوى‭ ‬اليمين‭ ‬والشعبوية‭ ‬في‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬الأميركية‭.‬

 

الانتخابات والاقتراعات بيئة للتعبئة الشعبوية

يدلي‭ ‬الاشخاص‭ ‬بأصواتهم‭ ‬في‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬أو‭ ‬البرلمانية‭ ‬متأثرين‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أما‭ ‬بالبيئة‭ ‬المحيطة‭ ‬وتوجهاتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬ولربما‭ ‬نزعاتها‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬يدلون‭ ‬بأصواتهم‭ ‬لوعود‭ ‬قطعها‭ ‬المرشح‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬بحل‭ ‬مشاكل‭ ‬الناس‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬بوعود‭ ‬سياسية‭ ‬يطلقها‭ ‬لفئة‭ ‬من‭ ‬الناخبين‭ ‬كوعود‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬لناخبيه‭ ‬أو‭ ‬داعميه‭ ‬الماليين‭ ‬من‭ ‬اليهود‭. ‬وقد‭ ‬يطلق‭ ‬المرشح‭ ‬دعوات‭ ‬وشعارات‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬بعضها‭ ‬أو‭ ‬جلها‭ ‬عنصرية‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬تستهدف‭ ‬جماعة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لمعتقداتها‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬أوضاعها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ولربما‭ ‬للون‭ ‬بشرتها‭ ‬وأشكالها‭ ‬الفيزيقية،‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬أنها‭ ‬سبب‭ ‬لبعض‭ ‬المشكلات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬الناس‭ ‬كالجريمة‭ ‬والبطالة‭.. ‬وغيرها‭ ‬هي‭ ‬كلها‭ ‬أو‭ ‬بعضها‭ ‬وعود‭ ‬وشعارات‭ ‬تثير‭ ‬حماس‭ ‬الناس‭ ‬وعواطفهم‭ ‬ولربما‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الاحيان‭ ‬نوازعهم‭ ‬البدائية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬لدرجة‭ ‬الانتقام‭. ‬

وكل‭ ‬هذه‭ ‬شعارات‭ ‬ووعود‭ ‬بعضها‭ ‬أو‭ ‬جلها‭ ‬غير‭ ‬قابلة‭ ‬للتحقق‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬طرحها‭ ‬هذه،‭ ‬قد‭ ‬تأتي‭ ‬ببعض‭ ‬المصاحبات‭ ‬المدمرة‭ ‬على‭ ‬نسيج‭ ‬المجتمع‭ ‬وعلاقة‭ ‬مكوناته‭ ‬المختلفة‭ ‬بعضها‭ ‬ببعض‭ ‬وقد‭ ‬يكون‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬تلك‭ ‬النزعات‭ ‬العنصرية‭ ‬التي‭ ‬حاول‭ ‬الرئيس‭ ‬اليوغسلافي‭ ‬السابق‭ ‬سلوبودان‭ ‬ميلوشيفيتش‭ ‬بثها‭ ‬والتي‭ ‬قادت‭ ‬لنهاية‭ ‬الاتحاد‭ ‬اليوغسلافي‭ ‬ونهاية‭ ‬الدولة‭ ‬الاتحادية‭.. ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬نبالغ‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬مواقف‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬اللاتينيين‭ ‬والمسلمين‭ ‬ولربما‭ ‬السود‭ ‬الأميركيين‭ ‬قد‭ ‬أثارت‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬نوازعه‭ ‬البدائية‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬قد‭ ‬تعيد‭ ‬للمجتمع‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬الادارة‭ ‬السياسية‭ ‬بعض‭ ‬السياسات‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬اساس‭ ‬الدين‭ ‬والعرق‭ ‬واللون‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تفتح‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬ابواب‭ ‬صراع‭ ‬اجتماعي‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المعطيات‭. ‬

 

تحولات‭ ‬كونية‭ ‬نمر‭ ‬بها

من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬فانه‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬أن‭ ‬نقر‭ ‬وندرك‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تحولات‭ ‬باتت‭ ‬تجتاح‭ ‬العالم‭ ‬وأن‭ ‬هذه‭ ‬التحولات‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬عزوها‭ ‬إلى‭ ‬سبب‭ ‬اقتصادي‭ ‬أو‭ ‬سياسي‭ ‬محدد‭ ‬كما‭ ‬لا‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬نسبها‭ ‬إلى‭ ‬شخصية‭ ‬محدده‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وأن‭ ‬بدت‭ ‬الأمور‭ ‬تنسب‭ ‬لها‭. ‬فما‭ ‬نلاحظه‭ ‬إن‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬نتيجة‭ ‬لأحداث‭ ‬وتحولات‭ ‬سبق‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير‭ ‬أو‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬السنين‭. ‬وأعتقد‭ ‬ما‭ ‬نحن‭ ‬فيه‭ ‬إن‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬مرحلة‭ ‬من‭ ‬مراحل‭ ‬التحول‭ ‬التي‭ ‬بدا‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬جله‭ ‬داخل‭ ‬فيها‭. ‬فالعالم‭ ‬كما‭ ‬تقول‭ ‬الفورين‭ ‬أفيرز،‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬مايو‭ ‬ويونية‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬السابق،‭ ‬يشهد‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬الفورين‭ ‬افيرز‭ ‬بموت‭ ‬الديمقراطية‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬اسميه‭ ‬“بأفول‭ ‬الديمقراطية”‭ ‬وهو‭ ‬أفول‭ ‬حددته‭ ‬المجلة‭ ‬في‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬السمات‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أهمها‭:‬1‭-‬مركزة‭ ‬القوة‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬التنفيذية‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬شخص‭ ‬رئيسها‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬بتنا‭ ‬نشهده‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬وتركيا‭ ‬وفي‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭. ‬وان‭ ‬محاولات‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬ترامب‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬عن‭ ‬ضبط‭ ‬السلطات‭ ‬التشريعية‭ ‬والقضائية‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬تواجه‭ ‬بردات‭ ‬فعل‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬المعارضة‭ ‬أو‭ ‬الاعلام‭ ‬الاميركي‭ ‬أو‭ ‬أنها‭ ‬محاولات‭ ‬لم‭ ‬تنجح‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تنجح‭ ‬لأسباب‭ ‬متعلقة‭ ‬بترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬المؤسساتية‭ ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬الدولة‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تفتقر‭ ‬إليه‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭.‬2‭- ‬التسييس‭ ‬الذي‭ ‬بات‭ ‬يخضع‭ ‬له‭ ‬القضاء‭ ‬وأحكامه‭.‬3‭- ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬الاعلام‭ ‬المستقل‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬تأثيره‭ ‬ولقد‭ ‬لاحظنا‭ ‬ذلك‭ ‬بشكل‭ ‬جلي‭ ‬بعد‭ ‬المحاولة‭ ‬الانقلابية‭ ‬الفاشلة‭ ‬في‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬يوليه‭ ‬2016،‭ ‬والتي‭ ‬بفعلها‭ ‬أغلقت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬والجرائد‭ ‬المستقلة‭ ‬أو‭ ‬المعارضة‭ ‬4‭- ‬توظيف‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬حضورها‭ ‬واستوائها‭ ‬على‭ ‬مراكز‭ ‬السلطة‭ ‬لتحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬شخصية‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬للجماعات‭ ‬القريبة‭ ‬منها،‭ ‬5‭- ‬وأخيرا‭ ‬الصعود‭ ‬القوى‭ ‬للحركات‭ ‬الشعبوية‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬ووصول‭ ‬المؤثر‭ ‬للسلطات‭ ‬التنفيذية‭ ‬والتشريعية‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬البلدان‭. ‬ولربما‭ ‬التقاء‭ ‬أهداف‭ ‬بعضها‭ ‬مع‭ ‬أهداف‭ ‬قوى‭ ‬اليمين‭ ‬واليمين‭ ‬المحافظ‭ ‬على‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬أهمها‭ ‬قضايا‭ ‬الهجرة‭ ‬والهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬ومستقبل‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭.‬

وأعتقد‭ ‬بأن‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬مواقعها‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬الغربية‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬مواقعها‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬الشرقية‭ ‬وفي‭ ‬جمهوريات‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬ولربما‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬القارة‭ ‬الأفريقية‭ ‬واميركا‭ ‬اللاتينية‭ ‬باتت‭ ‬تمر‭ ‬بأحد‭ ‬أصعب‭ ‬مراحلها‭. ‬فاليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬القفز‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬قد‭ ‬وصل‭ ‬لمقاعد‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬النمسا‭ ‬وإيطاليا‭ ‬والنمسا‭ ‬وهو‭ ‬ذو‭ ‬حضور‭ ‬برلماني‭ ‬مؤثر‭ ‬في‭ ‬المانيا،‭ ‬وقد‭ ‬جاءت‭ ‬النتائج‭ ‬الأخيرة‭ ‬لانتخابات‭ ‬البرلمان‭ ‬الأوربي‭ ‬لتؤكد‭ ‬من‭ ‬حقيقة‭ ‬أن‭ ‬اليمين‭ ‬الأوربي‭ ‬وبعض‭ ‬القوى‭ ‬الشعبوية‭ ‬الأوربية‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬قريبين‭ ‬جدا‭ ‬من‭ ‬الحكم‭ ‬وأن‭ ‬خيبات‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الحاكمة‭ ‬باتت‭ ‬تقربهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭. ‬بل‭ ‬أن‭ ‬مواقف‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬أوربا‭ ‬الشرقية‭ ‬وإيطاليا‭ ‬من‭ ‬المهاجرين‭ ‬ورفض‭ ‬دخول‭ ‬اللاجئين‭ ‬إليها‭ ‬إن‭ ‬هو‭ ‬إلا‭ ‬انعكاس‭ ‬لحضور‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬والقوى‭ ‬الشعبوية‭ ‬في‭ ‬حكوماتها‭. ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى‭ ‬فأن‭ ‬بروز‭ ‬نماذج‭ ‬للنهوض‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والقوة‭ ‬السياسية‭ ‬المؤثرة‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬غير‭ ‬ديمقراطية‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حالتي‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬بات‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬لعمليات‭ ‬التحول‭ ‬الديمقراطي‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬والنهوض‭ ‬الليبرالي‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬نموذجا‭ ‬قابلا‭ ‬للتبني‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬الجديدة‭ ‬الصاعدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭ ‬أو‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬أصبح‭ ‬فيها‭ ‬التحول‭ ‬نحو‭ ‬الديمقراطية‭ ‬يواجه‭ ‬ممانعات‭ ‬مؤسساتية‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬ممانعات‭ ‬ثقافية‭ ‬وسياسية‭ ‬يطرحها‭ ‬السياق‭ ‬القائم‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬قوى‭ ‬المجتمع‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭. ‬

 

أسباب‭ ‬صعود‭ ‬الحركات‭ ‬الشعبوية

فما‭ ‬هي‭ ‬إذًا‭ ‬أسباب‭ ‬هذا‭ ‬الصعود‭ ‬الكبير‭ ‬لقوى‭ ‬اليمين‭ ‬والقوى‭ ‬الشعبوية‭ ‬في‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬الغربي‭. ‬وأعتقد‭ ‬بأن‭ ‬هناك‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬يمكن‭ ‬تحديد‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬التالي‭:‬

أولا‭. ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬هذا‭ ‬الصعود‭ ‬هو‭ ‬التدهور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭ ‬كإيطاليا‭ ‬والنمسا‭ ‬واسبانيا‭ ‬واليونان‭. ‬وهو‭ ‬تدهور‭ ‬وظفته‭ ‬القوى‭ ‬الشعبوية‭ ‬لتأكيد‭ ‬فشل‭ ‬قوى‭ ‬اليمين‭ ‬المحافظ‭ ‬والاشتراكية‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬معدلات‭ ‬أفضل‭ ‬من‭ ‬النمو‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وتقليص‭ ‬حجم‭ ‬البطالة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬وقف‭ ‬تدفق‭ ‬المهاجرين‭ ‬واللاجئين‭ ‬والذين‭ ‬إليهم‭ ‬أو‭ ‬بسببهم‭ ‬باتت‭ ‬تنسب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشكلات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭.‬

ثانيا‭. ‬فساد‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬التقليدية‭: ‬المحافظة‭ ‬والاشتراكية‭ ‬والتي‭ ‬بسببها‭ ‬دخلت‭ ‬أوربا‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المغامرات‭ ‬السياسية‭ ‬الخارجية‭ ‬وفي‭ ‬أزمات‭ ‬اقتصادية‭ ‬كانت‭ ‬مصاحباتها‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬كبيرة‭ ‬ومؤثرة‭.‬

ثالثا‭. ‬عجز‭ ‬الوحدة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬الأوربية‭ (‬الاتحاد‭ ‬الأوربي‭) ‬عن‭ ‬تحقيق‭ ‬حلم‭ ‬الصعود‭ ‬الاقتصادي‭ ‬لدول‭ ‬الأطراف‭ ‬الأوربية‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬الشرقية‭ ‬وفي‭ ‬اليونان‭ ‬والبرتغال‭ ‬وإسبانيا‭. ‬وهو‭ ‬فشل‭ ‬قاد‭ ‬إلى‭ ‬نقمة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬ودعوات‭ ‬للخروج‭ ‬منه‭. ‬لقد‭ ‬بدا‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬جليا‭ ‬في‭ ‬حالتي‭ ‬اليونان‭ ‬والبرتغال‭. ‬بل‭ ‬باتت‭ ‬هذه‭ ‬الدعوات‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬البيت‭ ‬الأوربي‭ ‬التقليدي‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬الخروج‭ ‬البريطاني‭ ‬آخرها‭. ‬وهو‭ ‬تفكك‭ ‬بات‭ ‬يستهوي‭ ‬قوى‭ ‬قادمة‭ ‬من‭ ‬عبر‭ ‬المحيط‭.‬

رابعا‭. ‬إن‭ ‬الخطاب‭ ‬الشعبوي‭ ‬الأوربي‭ ‬والمتبنى‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬اليمين‭ ‬واليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬قد‭ ‬وجد‭ ‬طريقه‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬الفئات‭ ‬الشبابية‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تخبر‭ ‬فكر‭ ‬وإيديولوجيا‭ ‬الحركات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬على‭ ‬أوربا‭ ‬في‭ ‬عقدي‭ ‬الستينيات‭ ‬والسبعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬والتي‭ ‬في‭ ‬ضوئها‭ ‬صيغت‭ ‬وتبلورت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحركات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬المعروفة‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬وفي‭ ‬العالم‭ ‬الثالث‭. ‬إن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬الصعود‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭ ‬كإيطاليا‭ ‬والنمسا‭ ‬واقترابه‭ ‬من‭ ‬تحقيق‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬ولربما‭ ‬ألمانيا،‭ ‬وهو‭ ‬اقتراب‭ ‬يطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬كثيرة‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬أشيع‭ ‬عن‭ ‬الحصانة‭ ‬الثقافية‭ ‬للناخب‭ ‬الأوربي‭ ‬من‭ ‬الانزلاق‭ ‬نحو‭ ‬القوى‭ ‬الشعبوية‭ ‬واليمين‭ ‬المتطرف‭.‬

خامسا‭. ‬تراجع‭ ‬عمليات‭ ‬الدمقرطة‭ ‬عن‭ ‬دول‭ ‬كانت‭ ‬على‭ ‬أعتاب‭ ‬الدخول‭ ‬إليها‭ ‬كتركيا‭ ‬ودول‭ ‬شرق‭ ‬أوربا‭ ‬ودول‭ ‬أخرى‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الطريق‭. ‬بل‭ ‬أن‭ ‬العالم‭ ‬بدا‭ ‬ينظر‭ ‬لنماذج‭ ‬من‭ ‬الصعود‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬لم‭ ‬تتحقق‭ ‬فيها‭ ‬وبشكل‭ ‬كبير‭ ‬حريات‭ ‬سياسية‭ ‬واسعة‭ ‬ودمقرطة‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭. ‬فصعود‭ ‬بعض‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الاقتصادي‭ ‬وقدرة‭ ‬بعضها‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬بعض‭ ‬حاجات‭ ‬سكانها‭ ‬يعفيها‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬ضمانات‭ ‬تحقق‭ ‬لها‭ ‬الشرعية‭ ‬العقلانية‭.‬

فتركيا‭ ‬الجديدة‭ ‬التي‭ ‬جاءت‭ ‬مع‭ ‬صعود‭ ‬حزب‭ ‬العدالة‭ ‬والتنمية‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬العقد‭ ‬السابق‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬تركيا‭ ‬التي‭ ‬تشكلت‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬انقلاب‭ ‬يوليه‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2016‭. ‬بل‭ ‬أن‭ ‬قدرا‭ ‬من‭ ‬الشعبوية‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬خطاب‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭ ‬الجديدة‭ ‬باتت‭ ‬تستقطب‭ ‬قطاعات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬رغم‭ ‬أزمات‭ ‬تركيا‭ ‬الاقتصادية‭ ‬ورغم‭ ‬تدهور‭ ‬علاقاتها‭ ‬السياسية‭ ‬مع‭ ‬جل‭ ‬الدول‭ ‬الأوربية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭.‬

وختاما‭ ‬فأنه‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬جل‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬سياساتها‭ ‬متأثرة‭ ‬بالتوجهات‭ ‬الشعبوية‭ ‬لقوى‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف،‭ ‬هذا‭ ‬بالإضافة‭ ‬لحقيقة‭ ‬أن‭ ‬اليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬والقوى‭ ‬الشعبوية‭ ‬الاوربية‭ ‬باتت‭ ‬في‭ ‬سدة‭ ‬الادارة‭ ‬السياسية‭ ‬لبعض‭ ‬دول‭ ‬أوربا‭. ‬إذ‭ ‬وكما‭ ‬يشير‭ ‬تقرير‭ ‬مجلة‭ ‬الفورين‭ ‬بولسي‭ ‬الأميركية‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬العملية‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬الثمانينيات‭ ‬والتسعينيات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬وتسارعت‭ ‬خلال‭ ‬العقد‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬الألفية،‭ ‬والآن‭ ‬تسفر‭ ‬عن‭ ‬تغير‭ ‬سيأسى‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭. ‬فخلال‭ ‬عقد‭ ‬واحد‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2004‭ ‬و2015،‭ ‬انخفض‭ ‬متوسط‭ ‬نسبة‭ ‬التصويت‭ ‬للأحزاب‭ ‬التقليدية‭ ‬السائدة‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬بمقدار‭ ‬14‭ % ‬ليصل‭ ‬إلى‭ ‬72‭ %. ‬وتضاعفت‭ ‬نسبة‭ ‬التصويت‭ ‬للمنافسين‭ ‬الشعبيين‭ ‬الجدد‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬اليسار‭ ‬أو‭ ‬اليمين‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬23‭ ‬‭%. ‬وتعرض‭ ‬يسار‭ ‬الوسط‭ ‬لخسائر‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭. ‬وفي‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية،‭ ‬وصلت‭ ‬المشاركة‭ ‬بالتصويت‭ ‬للأحزاب‭ ‬التقليدية‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬منخفضة‭ ‬غير‭ ‬مسبوقة‭.. ‬وفي‭ ‬ألمانيا‭ ‬تراجع‭ ‬الديمقراطيون‭ ‬الاجتماعيون‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬ليحققوا‭ ‬أسوأ‭ ‬نتيجة‭ ‬لهم‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬1933‭.(‬2‭).‬

وهو‭ ‬حضور‭ ‬بات‭ ‬يعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬كل‭ ‬السياسات‭ ‬الأوربية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بجالياتها‭ ‬الأجنبية‭ ‬والحريات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والسياسية‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬بات‭ ‬يعيد‭ ‬تشكيل‭ ‬مواقف‭ ‬وسياسات‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬وسياسات‭ ‬الهجرة‭ ‬واللاجئين‭. ‬وهي‭ ‬أطروحات‭ ‬بدت‭ ‬وكأنها‭ ‬تتلاشى‭ ‬تدريجيا‭ ‬عن‭ ‬الخطاب‭ ‬السياسي‭ ‬الخارجي‭ ‬لهذه‭ ‬للدول‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭. ‬بل‭ ‬أن‭ ‬محاولات‭ ‬بعض‭ ‬قادتها‭ ‬الجدد‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المؤسساتية‭ ‬الضابطة‭ ‬للفعل‭ ‬السياسي‭ ‬لهذه‭ ‬الدول‭ ‬تستهوي‭ ‬بعض‭ ‬ساستها‭ ‬أو‭ ‬قادتها‭ ‬الجدد‭ ‬فشخصنة‭ ‬أو‭ ‬مركزة‭ ‬القوة‭ ‬باتت‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬سمات‭ ‬التحولات‭ ‬السياسية‭ ‬الجديدة‭ ‬في‭ ‬العالم‭. ‬ولربما‭ ‬تبدو‭ ‬الحالة‭ ‬الجديدة‭ ‬والمهمة‭ ‬التي‭ ‬افرزها‭ ‬وصول‭ ‬اليمن‭ ‬الأوربي‭ ‬للحكم‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬مثل‭ ‬بولندا‭ ‬وهنغاريا‭ ‬لم‭ ‬يساهم‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬تكيفه‭ ‬واندماجه‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬والقوى‭ ‬الشعبوية‭ ‬وإنماء‭ ‬هذه‭ ‬الحكومات‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬إضعاف‭ ‬المؤسسات‭ ‬الليبرالية‭ ‬القائمة‭ ‬كالمؤسسات‭ ‬التشريعية‭ ‬والمحاكم‭ ‬الدستورية‭ ‬وقلصت‭ ‬من‭ ‬هامش‭ ‬الحريات‭ ‬الصحفية‭ ‬وحدة‭ ‬من‭ ‬أنشطة‭ ‬منظمات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬المستقلة‭.‬