سفير للإمام المهدي المنتظر في البحرين ومهدي في السودان وآخر في السعودية! 1-2

| عبدالنبي الشعلة

وأنا‭ ‬أراجع‭ ‬وأتصفح‭ ‬بعضًا‭ ‬من‭ ‬الأوراق‭ ‬التي‭ ‬احتفظت‭ ‬بها‭ ‬أثناء‭ ‬تقلدي‭ ‬مسؤولية‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬وجدت‭ ‬وريقات‭ ‬تضمنت‭ ‬ملاحظات‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬كتبتها‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬“جماعة‭ ‬السفارة”‭. ‬هذه‭ ‬الجماعة‭ ‬الصغيرة‭ ‬تشكلت‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬منذ‭ ‬بداية‭ ‬العقد‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬في‭ ‬حوالي‭ ‬العام‭ ‬1980م‭ ‬من‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الأفراد‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬رجال‭ ‬دين‭ ‬شبان‭ ‬مبتدئين‭ ‬يقودهم‭ ‬شخص‭ ‬فقير‭ ‬في‭ ‬تحصيله‭ ‬الديني‭ ‬أو‭ ‬العلمي‭ ‬ومتواضع‭ ‬في‭ ‬قدرته‭ ‬الفكرية‭ ‬والثقافية،‭ ‬لكنه‭ ‬أسبغ‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬لقب‭ ‬“باب‭ ‬المولى”،‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬له‭ ‬اتصالا‭ ‬مباشرا‭ ‬بالإمام‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر،‭ ‬وإن‭ ‬الإمام‭ ‬يزوره‭ ‬ويخاطبه،‭ ‬وقد‭ ‬أبدى‭ ‬له‭ ‬الإمام‭ ‬استياءه‭ ‬وتذمره‭ ‬للوضع‭ ‬المزري‭ ‬والمتردي‭ ‬الذي‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬حال‭ ‬المسلمين،‭ ‬وعينه‭ ‬مندوبًا‭ ‬عنه‭ ‬أو‭ ‬“سفيرًا”‭ ‬له،‭ ‬وكلفه‭ ‬بالاضطلاع‭ ‬بمهمة‭ ‬“تجديد”‭ ‬الدين‭ ‬وإصلاح‭ ‬شؤون‭ ‬المسلمين‭ ‬وإعادتهم‭ ‬إلى‭ ‬جادة‭ ‬الصواب؛‭ ‬تمهيدًا‭ ‬للخروج‭ ‬المهدوي‭ ‬المحتوم‭.‬

والمعروف‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬الأديان‭ ‬والمعتقدات‭ ‬تقريبًا‭ ‬تؤمن‭ ‬بأن‭ ‬مصير‭ ‬أتباعها‭ ‬سيؤول‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬إلى‭ ‬الضلال‭ ‬والفساد‭ ‬والانحراف،‭ ‬وأن‭ ‬شخصًا‭ ‬مُلهَمًا‭ ‬أو‭ ‬مبعوثًا‭ ‬من‭ ‬السماء‭ ‬سيأتي‭ ‬إليهم‭ ‬كمخلص‭ ‬ومنقذ‭ ‬ليسدد‭ ‬ويصلح‭ ‬أمرهم‭ ‬“كالسيد‭ ‬المسيح”،‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر،‭ ‬وأن‭ ‬المسلمين‭ ‬سنتهم‭ ‬وشيعتهم‭ ‬لا‭ ‬يختلفون‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬ويتفقون‭ ‬ويؤمنون‭ ‬بأن‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر‭ ‬سيظهر‭ ‬آخر‭ ‬الزمان،‭ ‬وسينشر‭ ‬في‭ ‬الأرض‭ ‬العدل‭ ‬والسلام‭ ‬والحق‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬مُلئت‭ ‬بالظلم‭ ‬والجور،‭ ‬وأن‭ ‬السنة‭ ‬يؤكدون‭ ‬أن‭ ‬النبي‭ ‬محمد‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وصحبه‭ ‬وسلم‭ ‬قد‭ ‬قال‭: ‬“لو‭ ‬لم‭ ‬يبقَ‭ ‬منَ‭ ‬الدُّنيا‭ ‬إلا‭ ‬يومٌ‭ ‬لطوَّلَ‭ ‬اللهُ‭ ‬ذلك‭ ‬اليومَ‭ ‬حتى‭ ‬يبعثَ‭ ‬رجلًا‭ ‬مني‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬أهلِ‭ ‬بيتي‭ ‬يُواطِئُ‭ ‬اسمُه‭ ‬اسمي‭ ‬واسمُ‭ ‬أبيهِ‭ ‬اسمُ‭ ‬أبي‭ ‬يملأُ‭ ‬الأرضَ‭ ‬قسطًا‭ ‬وعدلًا‭ ‬كما‭ ‬مُلِئَتْ‭ ‬ظلمًا‭ ‬وجورًا”،‭ ‬رواه‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬مسعود،‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭).‬

السنة‭ ‬والشيعة‭ ‬متفقون‭ ‬أيضًا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬نسل‭ ‬السيدة‭ ‬الطاهرة‭ ‬فاطمة‭ ‬الزهراء‭ ‬ابنة‭ ‬خير‭ ‬الخلق‭ ‬أجمعين،‭ ‬وأنه‭ ‬حفيد‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬وكرم‭ ‬الله‭ ‬وجهه،‭ ‬لكن‭ ‬الاختلاف‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬قول‭ ‬السنة‭ ‬بأنه‭ ‬سيولد‭ ‬في‭ ‬آخر‭ ‬الزمان‭ ‬من‭ ‬نسل‭ ‬الإمام‭ ‬الحسن‭ ‬بن‭ ‬علي،‭ ‬بينما‭ ‬الشيعة‭ ‬تقول‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬نسل‭ ‬الإمام‭ ‬الحسين‭ ‬بن‭ ‬علي،‭ ‬وإنه‭ ‬ولد‭ ‬بالفعل‭ ‬وهو‭ ‬حي‭ ‬يرزق،‭ ‬ولكنه‭ ‬مختفٍ‭ ‬وغائب‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬265هـ،‭ ‬وسيظهر‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬الزمان‭. ‬وبالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الشيعة،‭ ‬فإن‭ ‬قضية‭ ‬“المهدوية”‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬أسس‭ ‬وأركان‭ ‬الإيمان،‭ ‬وهي‭ ‬ليست‭ ‬كذلك‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬السنة،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬حديث‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬البخاري‭ ‬ومسلم‭ ‬قطعي‭ ‬الدلالة‭ ‬على‭ ‬وجود‭ ‬فكرة‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر‭.‬

ونعود‭ ‬إلى‭ ‬“سفير”‭ ‬الإمام‭ ‬المهدي‭ ‬وجماعته‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬فقد‭ ‬باشر‭ ‬“السفير”‭ ‬دعوته‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬بالسر‭ ‬والخفاء،‭ ‬ومن‭ ‬داخل‭ ‬السجن‭ ‬الذي‭ ‬أُودع‭ ‬فيه‭ ‬لأسباب‭ ‬سياسية‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬خارجه،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬استقطاب‭ ‬أعداد‭ ‬متزايدة‭ ‬من‭ ‬الأتباع‭ ‬والمريدين،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬ركز‭ ‬في‭ ‬دعوته‭ ‬على‭ ‬استقطاب‭ ‬النساء،‭ ‬خصوصا‭ ‬الثريات‭ ‬منهن،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بينهن،‭ ‬كما‭ ‬قيل‭ ‬لي‭ ‬وقتها،‭ ‬فتاة‭ ‬بحرينية‭ ‬شابة‭ ‬وهبت‭ ‬كامل‭ ‬حصتها‭ ‬وما‭ ‬ورثته‭ ‬من‭ ‬تركة‭ ‬والدها‭ ‬الثري‭ ‬جدًا‭ ‬إلى‭ ‬صندوق‭ ‬أو‭ ‬جيب‭ ‬السفير‭ ‬كمساهمة‭ ‬منها‭ ‬لنشر‭ ‬دعوته‭.‬

انتشر‭ ‬أمر‭ ‬وخبر‭ ‬“السفير”‭ ‬وجماعته‭ ‬بين‭ ‬الناس،‭ ‬وصارت‭ ‬مبعث‭ ‬تهكم‭ ‬وسخرية‭ ‬واستياء‭ ‬من‭ ‬الجميع،‭ ‬وخصوصًا‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الشيعة‭ ‬كافة،‭ ‬الذين‭ ‬اتفقوا‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬هذه‭ ‬الدعوة‭ ‬والتصدي‭ ‬لها‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أنها‭ ‬بدعة‭ ‬وهرطقة‭ ‬ومفسدة‭. ‬أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬السنة،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬يعنيهم‭ ‬أو‭ ‬يهمهم‭ ‬كثيرًا،‭ ‬إذ‭ ‬إنهم‭ ‬لا‭ ‬يؤمنون‭ ‬أصلًا‭ ‬بوجود‭ ‬الإمام‭ ‬المهدي‭ ‬حيًا‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬الاتصال‭ ‬به‭.‬

ومع‭ ‬ازدياد‭ ‬حدة‭ ‬التصدي‭ ‬والمعارضة‭ ‬لهذه‭ ‬الفكرة‭ ‬توسعت‭ ‬دائرة‭ ‬الأتباع‭ ‬والمريدين‭ ‬لها،‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬طبائع‭ ‬البشر‭ ‬الغريبة،‭ ‬فاتسعت‭ ‬القاعدة‭ ‬لتشمل‭ ‬أسرًا‭ ‬كبيرة‭ ‬لا‭ ‬مجرد‭ ‬أفراد‭.‬

 

ومنذ‭ ‬توليه‭ ‬زمام‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1999،‭ ‬بدأ‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭ ‬بتدشين‭ ‬“البرنامج‭ ‬الإصلاحي”‭ ‬الذي‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬إرساء‭ ‬دعائم‭ ‬نظام‭ ‬حكم‭ ‬ملكي‭ ‬دستوري‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬والذي‭ ‬تُوج‭ ‬بإقرار‭ ‬“ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني”‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬فبراير‭ ‬2001‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬حاز‭ ‬موافقة‭ ‬98‭.‬4‭ % ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬الاستفتاء‭.‬

وكان‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬عناصر‭ ‬ومكونات‭ ‬البرنامج‭ ‬الإصلاحي‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬مسيرة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬تشجيع‭ ‬ودعم‭ ‬وتسهيل‭ ‬إنشاء‭ ‬“مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني”‭ ‬لتشكل‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬لدولة‭ ‬المؤسسات،‭ ‬وتتكون‭ ‬من‭ ‬منظمات‭ ‬مدنية‭ ‬غير‭ ‬حكومية‭ ‬تطوعية‭ ‬تضم‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الأفراد،‭ ‬وتقوم‭ ‬بأنشطة‭ ‬اجتماعية‭ ‬وثقافية‭ ‬وغيرها‭ ‬وتتمتع‭ ‬بالاستقلال‭. ‬وأوكل‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬العمل‭ ‬والشؤون‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬مسؤولية‭ ‬الترخيص‭ ‬لإنشاء‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬شريطة‭ ‬التزام‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬نشاطها‭ ‬بالأساليب‭ ‬السلمية‭ ‬وبموجب‭ ‬أحكام‭ ‬ميثاق‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬ودستور‭ ‬المملكة‭ ‬واحترام‭ ‬سيادة‭ ‬القانون،‭ ‬والمحافظة‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬وأمن‭ ‬الدولة،‭ ‬وصون‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية‭. ‬فانهالت‭ ‬على‭ ‬الوزارة‭ ‬طلبات‭ ‬تأسيس‭ ‬العشرات‭ ‬من‭ ‬المؤسسات‭ ‬والجمعيات‭ ‬الدينية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والخيرية‭ ‬وغيرها،‭ ‬وبادرت‭ ‬مختلف‭ ‬الاتجاهات‭ ‬والأحزاب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬السر‭ ‬بإشهار‭ ‬نفسها‭ ‬كجمعيات‭ ‬سياسية‭ ‬تعمل‭ ‬تحت‭ ‬عناوين‭ ‬ومسميات‭ ‬وشعارات‭ ‬مختلفة،‭ ‬حتى‭ ‬وصل‭ ‬عددها‭ ‬إلى‭ ‬ست‭ ‬عشرة‭ ‬جمعية‭ ‬سياسية؛‭ ‬منها‭ ‬جمعية‭ ‬الوفاق‭ ‬الوطني‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وجمعية‭ ‬المنبر‭ ‬الديمقراطي‭ ‬التقدمي،‭ ‬وجمعية‭ ‬العمل‭ ‬الوطني‭ ‬الديمقراطي،‭ ‬وجمعية‭ ‬الأصالة‭ ‬وغيرها،‭ ‬كما‭ ‬تلقت‭ ‬الوزارة‭ ‬سيلا‭ ‬من‭ ‬الطلبات‭ ‬لتسجيل‭ ‬جمعيات‭ ‬أخرى‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬“جمعية‭ ‬القطط‭ ‬الدلمونية”‭ ‬وما‭ ‬شابه،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬الطلبات‭ ‬أيضًا‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬“جماعة‭ ‬السفارة”‭ ‬لتأسيس‭ ‬جمعية‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬“جمعية‭ ‬التجديد‭ ‬الإسلامي”‭.‬

عندها‭ ‬ارتفعت‭ ‬أصوات‭ ‬المعارضين‭ ‬والمنددين‭ ‬والرافضين‭ ‬لوجود‭ ‬هذه‭ ‬الجماعة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬الاعتراف‭ ‬بهم‭ ‬وتسجيل‭ ‬جمعية‭ ‬باسمهم،‭ ‬ووصموهم‭ ‬بالكفر‭ ‬والمروق‭ ‬والفجور‭ ‬ووصفوا‭ ‬فكرهم‭ ‬بالشذوذ‭ ‬والانحراف‭ ‬والضلال،‭ ‬فجاء‭ ‬التوجيه‭ ‬السامي‭ ‬بعدم‭ ‬تسجيل‭ ‬هذه‭ ‬الجمعية‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬التنسيق‭ ‬مع‭ ‬كبار‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬المعنيين‭ ‬وأخذ‭ ‬رأيهم‭ ‬ومشورتهم‭. ‬وبالفعل‭ ‬أُجريت‭ ‬الاتصالات‭ ‬المطلوبة،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬الاتصال‭ ‬بهم‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬رأسهم‭ ‬سماحة‭ ‬الشيخ‭ ‬سليمان‭ ‬المدني‭ (‬طيب‭ ‬الله‭ ‬ثراه‭)‬،‭ ‬وفي‭ ‬النهاية‭ ‬وافق‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬على‭ ‬سحب‭ ‬اعتراضهم‭ ‬ورفضهم‭ ‬لتسجيل‭ ‬الجمعية‭ ‬من‭ ‬منطلق‭ ‬اقتناعهم‭ ‬بأن‭ ‬تشديد‭ ‬الحصار‭ ‬والمعارضة‭ ‬لم‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬خنق‭ ‬وإخماد‭ ‬هذه‭ ‬الفكرة،‭ ‬بل‭ ‬أعطت‭ ‬نتائج‭ ‬عكسية‭ ‬تمامًا،‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬احترام‭ ‬قواعد‭ ‬الديمقراطية‭ ‬الوليدة،‭ ‬وعدم‭ ‬تأسيس‭ ‬مبدأ‭ ‬سلب‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬ممن‭ ‬نختلف‭ ‬معهم‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬وحرمانهم‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬حقهم،‭ ‬وأيضًا‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬عدم‭ ‬تسجيلها‭ ‬كجمعية‭ ‬دينية‭ ‬وضمان‭ ‬التزامها‭ ‬بالأنظمة‭ ‬والقوانين،‭ ‬وعدم‭ ‬التعرض‭ ‬والاعتداء‭ ‬على‭ ‬معتقدات‭ ‬الآخرين،‭ ‬وشريطة‭ ‬ألا‭ ‬يُلصق‭ ‬اسم‭ ‬الإسلام‭ ‬بها،‭ ‬فتم‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الأسس‭ ‬تسجيل‭ ‬وإشهار‭ ‬الجمعية‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬فبراير‭ ‬2002‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬“جمعية‭ ‬التجديد‭ ‬الثقافية‭ ‬الاجتماعية”‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬“جمعية‭ ‬التجديد‭ ‬الإسلامي”‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬أشهرت‭ ‬الجمعية‭ ‬وظهرت‭ ‬إلى‭ ‬فضاء‭ ‬النور‭ ‬وحيز‭ ‬العلن‭ ‬انطفأ‭ ‬بريق‭ ‬رسالتها،‭ ‬وخفت‭ ‬صوت‭ ‬جماعتها،‭ ‬وتقلص‭ ‬عدد‭ ‬الأتباع‭ ‬والمريدين‭ ‬ولم‭ ‬يبق‭ ‬منهم‭ ‬سوى‭ ‬من‭ ‬أخذته‭ ‬العزة‭ ‬بالإثم‭ ‬أو‭ ‬مَن‭ ‬غَيّر‭ ‬جلبابه‭ ‬وبدَّل‭ ‬طاقيته،‭ ‬وتوارى‭ ‬مؤسسها‭ ‬عن‭ ‬الأنظار‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬حجمه‭ ‬الطبيعي‭ ‬وتخلى‭ ‬عن‭ ‬منصب‭ ‬“السفير”‭ ‬أو‭ ‬تخلى‭ ‬المنصب‭ ‬عنه‭ (‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتمكن‭ ‬من‭ ‬تقديم‭ ‬أوراق‭ ‬اعتماده‭)‬،‭ ‬واختفت‭ ‬حتى‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬الإمام‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر‭ ‬من‭ ‬أدبيات‭ ‬الجمعية‭ ‬وشعاراتها،‭ ‬قال‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭: ‬“فَأَمَّا‭ ‬الزَّبَدُ‭ ‬فَيَذْهَبُ‭ ‬جُفَاءً‭ ‬ۖ‭ ‬وَأَمَّا‭ ‬مَا‭ ‬يَنفَعُ‭ ‬النَّاسَ‭ ‬فَيَمْكُثُ‭ ‬فِي‭ ‬الْأَرْضِ”‭.‬

مؤسس‭ ‬“جماعة‭ ‬السفارة”‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬الذي‭ ‬ادعى‭ ‬اتصاله‭ ‬المباشر‭ ‬بالإمام‭ ‬المهدي‭ ‬وتكليفه‭ ‬أو‭ ‬تقليده‭ ‬منصب‭ ‬السفير‭ ‬من‭ ‬قِبَله،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الأول‭ ‬أو‭ ‬الوحيد‭ ‬من‭ ‬نوعه،‭ ‬فقد‭ ‬شهدت‭ ‬بل‭ ‬ابتليت‭ ‬واكتظت‭ ‬الساحتان‭ ‬الشيعية‭ ‬والسنية‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬أمثاله،‭ ‬أكثرهم‭ ‬ادعى‭ ‬أنه‭ ‬المهدي‭ ‬المنتظر‭ ‬نفسه،‭ ‬وكلهم‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬الفئة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتردد‭ ‬عن‭ ‬توظيف‭ ‬الدين‭ ‬سياسيًا‭ ‬أو‭ ‬تتورع‭ ‬عن‭ ‬استغلال‭ ‬معتقدات‭ ‬وعواطف‭ ‬الناس‭ ‬البسطاء‭ ‬لتحقيق‭ ‬مآربها‭ ‬ومكاسبها‭ ‬السياسية‭ ‬والدنيوية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬المدعين‭ ‬قاموا‭ ‬بذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬انحراف‭ ‬أو‭ ‬خلل‭ ‬فكري‭ ‬أو‭ ‬اضطراب‭ ‬نفسي‭ ‬أصابهم‭ ‬أو‭ ‬حبًا‭ ‬في‭ ‬الظهور‭ ‬والتسلط‭ ‬أو‭ ‬بغية‭ ‬جني‭ ‬الأموال‭ ‬أو‭ ‬لكل‭ ‬تلك‭ ‬الأسباب‭ ‬والأهداف‭ ‬مجتمعة‭.‬

وسنتوقف‭ ‬بشكل‭ ‬عابر‭ ‬ومقتضب‭ ‬في‭ ‬لقائنا‭ ‬معكم‭ ‬غدًا،‭ ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله،‭ ‬أمام‭ ‬حالتين‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬التقمص‭ ‬والادعاء‭ ‬بالمهدوية؛‭ ‬نظرًا‭ ‬لأهميتهما‭ ‬وخطورتهما‭.‬