مآلات الأزمة الإيرانية (2)

| سالم الكتبي

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬يضغط‭ ‬على‭ ‬إيران‭ ‬بذكاء‭ ‬شديد،‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تقارير‭ ‬إعلامية‭ ‬أميركية‭ ‬تقول‭ ‬إنه‭ ‬قام‭ ‬بتأجيل‭ ‬عقوبات‭ ‬أميركية‭ ‬جديدة‭ ‬تتعلق‭ ‬بحظر‭ ‬صادرات‭ ‬البتروكيماويات‭ ‬الإيرانية‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬مقرراً‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬مايو،‭ ‬حتى‭ ‬يمنح‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬فرصة‭ ‬كافية‭ ‬للتفكير‭ ‬في‭ ‬خيار‭ ‬التفاوض‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يحرم‭ ‬الخزانة‭ ‬الإيرانية‭ ‬من‭ ‬صادرات‭ ‬ثاني‭ ‬أهم‭ ‬سلعة‭ ‬استراتيجية‭ ‬إيرانية‭ ‬بعد‭ ‬النفط‭.‬

في‭ ‬ضوء‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬ومراوحة‭ ‬ترامب‭ ‬بين‭ ‬التصعيد‭ ‬والتهدئة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬سيناريو‭ ‬الحرب‭ ‬ابتعد‭ ‬أو‭ ‬تراجع‭ ‬لا‭ ‬قليلاً‭ ‬ولا‭ ‬كثيراً،‭ ‬فكل‭ ‬الاحتمالات‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬قائمة،‭ ‬والتفكير‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نشوب‭ ‬المواجهة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬يحتاج‭ ‬منطقياً‭ ‬إلى‭ ‬استعدادات‭ ‬استباقية‭ ‬وتهيئة‭ ‬سياسية‭ ‬وعسكرية‭ ‬ولوجستية‭ ‬قد‭ ‬تستغرق‭ ‬شهوراً،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬منح‭ ‬الفرصة‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬التفاوض‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬مطلقاً‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬سيناريو‭ ‬المواجهة،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬ضمن‭ ‬إجراءات‭ ‬“بناء‭ ‬قضية”‭ ‬تقنع‭ ‬الكونجرس‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬الأميركي‭ ‬باستنفاد‭ ‬كل‭ ‬سبل‭ ‬الحوار‭ ‬والتفاوض‭ ‬مع‭ ‬الإيرانيين‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تقدم‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬اتخاذ‭ ‬أية‭ ‬خطوات‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬التصعيد‭ ‬العسكري‭.‬

والمؤكد‭ ‬أن‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬سيناريو‭ ‬الحرب‭ ‬قائما‭ ‬وغير‭ ‬مستبعد‭ ‬هو‭ ‬سلوك‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬ذاته،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬إصرارا‭ ‬على‭ ‬الاستفزاز‭ ‬وإطلاق‭ ‬التصريحات‭ ‬التهديدية‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬قادة‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني،‭ ‬وأحدثها‭ ‬تأكيد‭ ‬نائب‭ ‬قائد‭ ‬الحرس‭ ‬الأميرال‭ ‬علي‭ ‬فدوي‭ ‬أن‭ ‬بلاده‭ ‬تدعم‭ ‬الحوثيين‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تستطيع‭ ‬وأن‭ ‬ما‭ ‬يمنع‭ ‬إرسال‭ ‬قوات‭ ‬إيرانية‭ ‬إلى‭ ‬اليمن‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬هو‭ ‬الحصار،‭ ‬والأكثر‭ ‬استفزازاً‭ ‬قوله‭ ‬“نحن‭ ‬غير‭ ‬موجودين‭ ‬في‭ ‬اليمن،‭ ‬ولو‭ ‬كنا‭ ‬هناك‭ ‬لسيطر‭ ‬الحوثيون‭ ‬على‭ ‬الرياض‭. ‬السعودية‭ ‬تعلم‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تمكنت‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الحوثيين‭ ‬لتغير‭ ‬الوضع”‭!‬

كيف‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬يسود‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬أمثال‭ ‬هؤلاء‭ ‬القادة،‭ ‬الذين‭ ‬يضمرون‭ ‬لجوارهم‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬العداء‭ ‬والحقد؟‭! ‬ثم‭ ‬كيف‭ ‬يصدق‭ ‬العالم‭ ‬تصريحات‭ ‬الساسة‭ ‬الإيرانيين‭ ‬عن‭ ‬اتفاقات‭ ‬عدم‭ ‬اعتداء‭ ‬أو‭ ‬الزعم‭ ‬بوجود‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬متوازنة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬التصريحات‭ ‬الخرقاء؟‭!‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬سيناريو‭ ‬التوتر‭ ‬سيبقى‭ ‬قائماً‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتخل‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬عن‭ ‬سلوكياته‭ ‬ويعود‭ ‬إلى‭ ‬الرشد‭ ‬السياسي‭ ‬ويبدي‭ ‬اقتناعاً‭ ‬وتنفيذاً‭ ‬والتزاماً‭ ‬بمسؤوليات‭ ‬إيران‭ ‬المنبثقة‭ ‬عن‭ ‬عضويتها‭ ‬في‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬التزام‭ ‬بمبادئ‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬وحقوق‭ ‬أعضائها‭ ‬ومسؤولياتهم‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬صون‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬الدوليين‭. ‬“إيلاف”‭.‬