وَخْـزَةُ حُب

حين لا يرغب طرفٌ في الآخر!

| د. زهرة حرم

العَقد‭ ‬–‭ ‬أيًا‭ ‬كان‭ - ‬كما‭ ‬يذهب‭ ‬القانونيون‭ ‬شريطةُ‭ ‬المتعاقدين؛‭ ‬أي‭ ‬أنه‭ ‬اتفاقية‭ ‬تتضمن‭ ‬شروطًا‭ ‬مُلزمة‭ ‬للأطراف‭ ‬المتعاقدة؛‭ ‬شروطًا‭ ‬تمت‭ ‬الموافقة‭ ‬عليها،‭ ‬والتراضي؛‭ ‬مما‭ ‬يستوجبه‭ ‬تبني‭ ‬الحس‭ ‬المسؤول‭ ‬تجاهها‭. ‬هذه‭ ‬العقود‭ ‬أنواع‭ ‬وأشكال؛‭ ‬فمنها‭ ‬التجاري‭ ‬والاقتصادي،‭ ‬والاجتماعي،‭ ‬وأبرز‭ ‬مثال‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الأخير؛‭ ‬عقد‭ ‬الزواج‭.. ‬ولهذا‭ ‬العقد‭ ‬–‭ ‬دون‭ ‬غيره‭ - ‬ميزة‭ ‬خاصة؛‭ ‬فهو‭ ‬يُوصَف‭ ‬بالقدسية،‭ ‬والشرعية،‭ ‬والرباط‭ ‬المقدس،‭ ‬والوثيقة،‭ ‬أو‭ ‬الميثاق؛‭ ‬ولذلك؛‭ ‬فإن‭ ‬الإخلال‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬بشرط‭ ‬من‭ ‬شروطه‭ ‬يُعد‭ ‬جسيمًا‭ ‬جدًا،‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشخصي‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬المجتمعي؛‭ ‬بسبب‭ ‬كراهة‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العقد،‭ ‬أو‭ ‬فسخه،‭ ‬وما‭ ‬يترتب‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬طلاق،‭ ‬له‭ ‬ما‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬آثار،‭ ‬يعرف‭ ‬الجميع‭ ‬منا‭ ‬أبعادها‭. ‬

عقد‭ ‬الزواج‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى‭ ‬–‭ ‬إذًا‭ - ‬عقد‭ (‬لُحمة‭) ‬تتجاوز‭ ‬الأفراد‭ ‬إلى‭ ‬الأسر‭ ‬والعوائل،‭ ‬وعقد‭ ‬الطلاق‭ ‬عقد‭ ‬انسلاخ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬اللحمة‭! ‬ولكن،‭ ‬ألا‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬ينوي‭ ‬أصحاب‭ ‬العقود‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭ ‬لسبب‭ ‬أو‭ ‬لآخر؟‭! ‬ألا‭ ‬يحدث‭ ‬أن‭ ‬يطرأ‭ ‬عارض‭ ‬أو‭ ‬حدث‭ ‬أو‭ ‬موقف‭ ‬أو‭ ‬علة‭ ‬ما؛‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬يرغب‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬العقد؟‭! ‬بالطبع‭ ‬يحدث،‭ ‬وعلى‭ ‬الطرف‭ ‬الراغب‭ ‬في‭ ‬الفسخ‭ ‬تحمل‭ ‬النتائج،‭ ‬أو‭ ‬الالتزام‭ ‬بشروط‭ ‬الإخلال‭! ‬غير‭ ‬أن‭ ‬عقود‭ ‬الزواج‭ ‬–‭ ‬غالبًا‭ ‬–‭ ‬لا‭ ‬تحتوي‭ ‬على‭ ‬شروط‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬النوع،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬قرر‭ ‬طرفٌ‭ ‬إنهاءه‭ ‬دون‭ ‬رغبة‭ ‬الآخر،‭ ‬وتُترك‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭ - ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ - ‬للتقاضي‭ ‬أو‭ ‬حكم‭ ‬المحاكم‭ ‬الشرعية‭.‬

تقاضٍ‭ ‬قد‭ ‬يطول؛‭ ‬بسبب‭ ‬حيثيات‭ ‬القضايا،‭ ‬ونتيجة‭ ‬لبعض‭ ‬البيروقراطيات‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها،‭ ‬وفي‭ ‬حال‭ ‬كانت‭ ‬المرأة‭ ‬هي‭ ‬الراغب‭ ‬في‭ ‬الفسخ‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬الطلاق،‭ ‬وبوصفها‭ ‬الطرف‭ ‬الذي‭ ‬يجري‭ ‬عليه‭ ‬التطليق؛‭ ‬فإن‭ ‬الأمر‭ ‬يرجع‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬حَكَمين؛‭ ‬زوجها‭ ‬أو‭ ‬القاضي‭. ‬فأما‭ ‬الثاني؛‭ ‬فمحكوم‭ ‬بدراسة‭ ‬الحالة،‭ ‬وعليه‭ ‬الحياد،‭ ‬والحكم‭ ‬حسب‭ ‬الاقتضاء،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬الشريك،‭ ‬الذي‭ ‬يُفترض‭ ‬به‭ ‬معرفة‭ ‬شريكته،‭ ‬ما‭ ‬لها‭ ‬وما‭ ‬عليها‭! ‬ليس‭ ‬عقد‭ ‬الزواج‭ ‬عقد‭ ‬عمل،‭ ‬بل‭ ‬عقد‭ ‬ارتباط‭ ‬روحين‭ ‬أو‭ ‬نفسين،‭ ‬ومن‭ ‬ثم؛‭ ‬جسدين‭! ‬ولذلك؛‭ ‬فإن‭ ‬رغبة‭ ‬أحدهما‭ ‬في‭ ‬الخروج،‭ ‬رغم‭ ‬قساوتها‭ ‬أو‭ ‬مرارتها‭ ‬على‭ ‬الآخر؛‭ ‬فإنها‭ ‬ليست‭ ‬أصعب‭ ‬من‭ ‬التقاء‭ ‬أجساد‭ ‬باردة،‭ ‬قد‭ ‬تحمل‭ ‬الحقد‭ ‬والحنق،‭ ‬وتنتهي‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التعاسة‭ ‬والوجع‭!‬

للطرفين،‭ ‬للزوجين‭.. ‬ليس‭ ‬أسوأ‭ ‬من‭ ‬الإبقاء‭ ‬على‭ ‬طرف‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬فيك‭! ‬للرجل‭: ‬حقك‭ ‬في‭ ‬التطليق‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬إساءة‭ ‬استخدامه،‭ ‬لا‭ ‬بكثرة‭ ‬التطليق‭ ‬أو‭ ‬تسويفه‭ ‬أو‭ ‬تعليقه‭.. ‬إنك‭ ‬إذ‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك؛‭ ‬تعلق‭ ‬ميعاد‭ ‬راحتك‭ ‬أو‭ ‬هدوء‭ ‬بالك‭! ‬للمرأة‭: ‬كوني‭ ‬مسؤولة؛‭ ‬فالزواج‭ ‬قرار‭ ‬استقرار‭.. ‬لا‭ ‬سفرة‭ ‬طائرة،‭ ‬تنتهي‭ ‬عند‭ ‬النزول‭!.‬