مآلات الأزمة الإيرانية (1)

| سالم الكتبي

علمتنا‭ ‬التجارب‭ ‬والأحداث‭ ‬منذ‭ ‬وصول‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬السلطة‭ ‬ألا‭ ‬نقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬كلماته‭ ‬وتغريداته،‭ ‬بحكم‭ ‬ما‭ ‬يمتلك‭ ‬من‭ ‬مرونة‭ ‬سياسية‭ ‬وقدرة‭ ‬فائقة‭ ‬على‭ ‬تجاوز‭ ‬المواقف‭ ‬والخطوط‭ ‬التي‭ ‬يرسمها‭ ‬لنفسه،‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬يلبث‭ ‬أن‭ ‬يتجاوزها‭ ‬واضعاً‭ ‬خطوطا‭ ‬استراتيجية‭ ‬جديدة‭ ‬تتناسب‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يراه‭ ‬محققاً‭ ‬لأهدافه‭ ‬ورؤيته‭ ‬السياسية‭.‬

يخطئ‭ ‬البعض‭ ‬كثيراً‭ ‬عندما‭ ‬ينطلق‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬رؤية‭ ‬تحليلية‭ ‬حول‭ ‬مآلات‭ ‬الأزمة‭ ‬المحتدمة‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإيران‭ ‬من‭ ‬تصريحات‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬طوكيو،‭ ‬والتي‭ ‬اعتبرها‭ ‬هؤلاء‭ ‬تراجعاً‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬مواقفه‭ ‬الحادة‭ ‬تجاه‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬فالمؤكد‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬يمتلك‭ ‬أهدافاً‭ ‬محددة‭ ‬في‭ ‬مقدمتها‭ ‬إجبار‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬الانصياع‭ ‬والجلوس‭ ‬للتفاوض‭ ‬والقبول‭ ‬بشروط‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض،‭ ‬ويسعى‭ ‬لتحقيق‭ ‬هذه‭ ‬الأهداف‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬التصعيد‭ ‬والحشد‭ ‬العسكري‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬الدعوة‭ ‬للتفاوض‭ ‬وترك‭ ‬الباب‭ ‬مفتوحاً‭ ‬لذلك‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬توظيفه‭ ‬سياسة‭ ‬“العصا‭ ‬والجزرة”‭ ‬التي‭ ‬ينفذها‭ ‬بطريقته‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تتمسك‭ ‬بقواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬كما‭ ‬يراها‭ ‬الخبراء‭ ‬والمحللون،‭ ‬بل‭ ‬تراوح‭ ‬بإيقاع‭ ‬سريع‭ ‬للغاية‭ ‬بين‭ ‬التصعيد‭ ‬والتهدئة،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬التحليل‭ ‬السياسي‭ ‬يمضي‭ ‬وراء‭ ‬التصريحات‭ ‬لاهثاً‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬على‭ ‬الإمساك‭ ‬بحقيقة‭ ‬المواقف‭ ‬ولا‭ ‬تفسير‭ ‬الانتقال‭ ‬بين‭ ‬التهدئة‭ ‬والتصعيد‭ ‬والعكس‭.‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬الجانب‭ ‬الإيراني‭ ‬يراهن‭ ‬بالأساس‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬رغبة‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬بالحرب،‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬احتمالية‭ ‬عالية‭ ‬للإضرار‭ ‬بفرصه‭ ‬في‭ ‬الفوز‭ ‬بولاية‭ ‬رئاسية‭ ‬ثانية‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬نشوب‭ ‬صراع‭ ‬عسكري‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬قبل‭ ‬عام‭ ‬الانتخابات،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الرهان‭ ‬يبقى‭ ‬نوعاً‭ ‬من‭ ‬المجازفة‭ ‬غير‭ ‬المحسوبة‭ ‬لأن‭ ‬الرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬حقق‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬تدجين‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وحشره‭ ‬في‭ ‬الزاوية‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحققه‭ ‬رئيس‭ ‬أميركي‭ ‬قبله،‭ ‬فالحقيقة‭ ‬أن‭ ‬ترامب‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬يشعر‭ ‬بخطر‭ ‬حقيقي،‭ ‬بل‭ ‬يتحسس‭ ‬مصيره،‭ ‬ويبعث‭ ‬مبعوثيه‭ ‬لدول‭ ‬عدة،‭ ‬ويدعو‭ ‬لتوقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬“عدم‭ ‬اعتداء”‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬لامتصاص‭ ‬آثار‭ ‬الضغوط‭ ‬الأميركية‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬على‭ ‬النظام‭.‬

الحقيقة‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬صادرات‭ ‬النفط‭ ‬الإيرانية‭ ‬هبطت‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬400‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬يومياً‭ ‬بخسارة‭ ‬نحو‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬قبل‭ ‬بدء‭ ‬سريان‭ ‬حظر‭ ‬صادرات‭ ‬النفط‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬مايو‭ ‬الماضي،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬وتركيا‭ ‬والهند،‭ ‬وهي‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تراهن‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬مواقفها‭ ‬الرافضة‭ ‬للعقوبات‭ ‬الأميركية‭ ‬بحقها،‭ ‬انصاعت‭ ‬للقرار‭ ‬الأميركي‭ ‬وأوقفت‭ ‬شراء‭ ‬النفط‭ ‬الإيراني‭.‬”إيلاف”‭.‬