ومضة قلم

إصلاح الطوارئ

| محمد المحفوظ

لم‭ ‬يكن‭ ‬مفاجئا‭ ‬بالنسبة‭ ‬لنا‭ ‬ما‭ ‬أبداه‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المترددين‭ ‬على‭ ‬قسم‭ ‬الطوارئ‭ ‬بمستشفى‭ ‬السلمانية‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬رضاهم‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬القسم،‭ ‬إذ‭ ‬فاقت‭ ‬النسبة‭ ‬90‭ % ‬ابتداء‭ ‬من‭ ‬التشخيص‭ ‬الخاطئ‭ ‬وحتى‭ ‬طول‭ ‬فترة‭ ‬الانتظار‭ ‬التي‭ ‬تتجاوز‭ ‬بعض‭ ‬الأحيان‭ ‬ست‭ ‬ساعات‭ ‬وليس‭ ‬أربع‭ ‬ساعات‭ ‬كما‭ ‬صرّحت‭ ‬وزيرة‭ ‬الصحة،‭ ‬لكن‭ ‬المعضلة‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬الطوارئ‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬البعض‭ ‬يتعمدون‭ ‬الإهمال،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الوفاة‭ ‬أحيانا‭.‬

الشكاوى‭ ‬من‭ ‬التسيب‭ ‬والإهمال‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الطوارئ‭ ‬ليست‭ ‬جديدة،‭ ‬فمنذ‭ ‬سنوات‭ ‬والمواطنون‭ ‬يجأرون‭ ‬بالشكوى‭ ‬ولا‭ ‬من‭ ‬مجيب،‭ ‬والأدهى‭ ‬أنّ‭ ‬المسؤولين‭ ‬بالوزارة‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬الاستماع‭ ‬إلى‭ ‬تذمر‭ ‬المرضى‭ ‬فإنهم‭ ‬يلجأون‭ ‬إلى‭ ‬أساليب‭ ‬التبرير‭ ‬ويطلقون‭ ‬التصريحات‭ ‬المناقضة‭ ‬للواقع‭. ‬التجاهل‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬حلا‭ ‬لأية‭ ‬معضلة‭ ‬بل‭ ‬إنّ‭ ‬الاعتراف‭ ‬بالتقصير‭ ‬هو‭ ‬الأجدى‭ ‬في‭ ‬مواجهتها‭.‬

الأزمة‭ ‬كما‭ ‬تبدو‭ ‬جلية‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الإدارة‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يلمسه‭ ‬أي‭ ‬زائر‭ ‬ومتردد‭ ‬للطوارئ،‭ ‬ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتصور‭ ‬الآثار‭ ‬المترتبة‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬إدارة‭ ‬حازمة‭ ‬يلجأ‭ ‬إليها‭ ‬المواطن‭. ‬ثم‭ ‬إنّه‭ ‬ليست‭ ‬هناك‭ ‬جدية‭ ‬لإصلاح‭ ‬الخلل‭ ‬وهذه‭ ‬المأساة‭ ‬يلحظها‭ ‬جميع‭ ‬من‭ ‬تسوقه‭ ‬أقداره‭ ‬إلى‭ ‬القسم،‭ ‬فأية‭ ‬حادثة‭ ‬أو‭ ‬أية‭ ‬حالة‭ ‬إهمال‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬المترددون‭ ‬فإنّه‭ ‬من‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬يبادر‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬الطوارئ‭ ‬بالتأكد‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬الواقعة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬الإسراع‭ ‬في‭ ‬حلها‭. ‬

غياب‭ ‬العمل‭ ‬الإداري‭ ‬ليس‭ ‬وحده‭ ‬المشكلة‭ ‬العظمى‭ ‬لكن‭ ‬هناك‭ ‬غياب‭ ‬أكبر‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬أنّ‭ ‬بعض‭ ‬الأطباء‭ ‬يفتقد‭ ‬للأسف‭ ‬الكبير‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بـ‭ ‬“أخلاق‭ ‬المهنة”،‭ ‬فالذي‭ ‬استقر‭ ‬في‭ ‬الذهن‭ ‬أنّ‭ ‬مهنة‭ ‬الطب‭ ‬بشكل‭ ‬أخص‭ ‬مهنة‭ ‬إنسانية‭ ‬تتطلب‭ ‬ممن‭ ‬ينتمي‭ ‬إليها‭ ‬أن‭ ‬يتصف‭ ‬بالأخلاق‭ ‬أولا،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التسلح‭ ‬بالصبر‭ ‬لأمر‭ ‬في‭ ‬غاية‭ ‬الأهمية‭ ‬هو‭ ‬أنّ‭ ‬الأخلاق‭ ‬نصف‭ ‬العلاج‭ ‬وللأسف‭ ‬أنّ‭ ‬الأخلاق‭ ‬لا‭ ‬يفقهها‭ ‬البعض،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬اعتاد‭ ‬على‭ ‬مقابلة‭ ‬المرضى‭ ‬بوجه‭ ‬عابس‭ ‬منفر‭. ‬أما‭ ‬الظاهرة‭ ‬الشاذة‭ ‬التي‭ ‬اعتاد‭ ‬عليها‭ ‬البعض‭ ‬ممارسة‭ ‬العنف‭ ‬اللفظي‭ ‬بحق‭ ‬المرضى‭ ‬وهؤلاء‭ - ‬المرضى‭ - ‬لا‭ ‬ذنب‭ ‬لهم‭ ‬سوى‭ ‬أن‭ ‬ظروفهم‭ ‬أجبرتهم‭ ‬على‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬القسم‭. ‬

الذي‭ ‬نرجوه‭ ‬أن‭ ‬تبادر‭ ‬الجهات‭ ‬المختصة‭ ‬بالوزارة‭ ‬إلى‭ ‬معالجة‭ ‬الخلل‭ ‬المزمن‭ ‬في‭ ‬قسم‭ ‬الطوارئ‭ ‬رحمة‭ ‬بالمرضى‭ ‬وعدم‭ ‬تبرير‭ ‬الأخطاء‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬العادة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬نوجه‭ ‬فيها‭ ‬ملاحظاتنا‭ ‬إلى‭ ‬الوزارة‭.‬