وثيقة كامبل بانرمان

| عبدعلي الغسرة

لم‭ ‬تكن‭ ‬هزيمة‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬يونيو‭ ‬وليدة‭ ‬عام‭ ‬1967م‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬ثمرات‭ ‬اتفاقية‭ (‬كامبل‭ ‬بانرمان‭) ‬التي‭ ‬وضعها‭ ‬مؤتمر‭ ‬عقد‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬واستمرت‭ ‬جلساته‭ ‬من‭ (‬1905م‭ ‬ــ‭ ‬1907م‭) ‬بدعوة‭ ‬سرية‭ ‬من‭ ‬حزب‭ ‬المحافظين‭ ‬البريطانيين‭ ‬وبمشاركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬العالمية‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬فرنسا،‭ ‬هولندا،‭ ‬بلجيكا،‭ ‬إسبانيا‭ ‬وإيطاليا،‭ ‬وذلك‭ ‬لإيجاد‭ ‬آلية‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬مكاسب‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية‭ ‬إلى‭ ‬أطول‭ ‬أمد‭ ‬ممكن،‭ ‬والنتيجة‭ ‬كانت‭ ‬وثيقة‭ (‬كامبل‭ ‬بانرمان‭) ‬تيمنا‭ ‬برئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬آنذاك‭ (‬هنري‭ ‬كامبل‭ ‬بانرمان‭).‬

ويعتبر‭ ‬المؤتمر‭ ‬أسوأ‭ ‬وأخطر‭ ‬مؤتمر‭ ‬حصل‭ ‬لتدمير‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬وعمل‭ ‬تاليًا‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬التي‭ ‬ساهمت‭ ‬في‭ ‬تراجع‭ ‬النهضة‭ ‬العربية‭ ‬وعدم‭ ‬استقرار‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬ومن‭ ‬توصياته‭ ‬تشكيل‭ ‬لجنة‭ ‬استعمارية‭ ‬لتحقيق‭ ‬الأهداف‭ ‬التوسعية‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬وأفريقيا‭ ‬وضمت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السياسيين‭ ‬وعُلماء‭ ‬الآثار‭ ‬والتاريخ‭ ‬والاقتصاد‭ ‬والجغرافيا‭ ‬والنفط‭ ‬وغيرهم،‭ ‬واستنتجت‭ ‬اللجنة‭ ‬أن‭ ‬مصدر‭ ‬الخطر‭ ‬الحقيقي‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الاستعمارية‭ ‬يَكمن‭ ‬في‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أظهر‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬يقظة‭ ‬سياسية‭ ‬ووعيًا‭ ‬قوميًا‭ ‬ضد‭ ‬التدخل‭ ‬الأجنبي‭ ‬والهجرة‭ ‬الصهيونية‭ ‬بفضل‭ ‬امتلاك‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬عوامل‭ ‬القوة‭ ‬والوحدة‭ ‬والانبعاث‭ ‬بيقظته‭ ‬وموقعه‭ ‬وثرواته‭ ‬وعدد‭ ‬سكانه‭.‬

وقام‭ ‬المؤتمر‭ ‬بتفكيك‭ ‬وتجزئة‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وجعله‭ ‬متأخرًا‭ ‬سياسيًا‭ ‬واقتصاديًا‭ ‬واجتماعيًا‭ ‬وتعليميًا،‭ ‬ليكون‭ ‬خاضعًا‭ ‬وتابعًا‭ ‬للدول‭ ‬الأوروبية،‭ ‬وفصل‭ ‬الجزء‭ ‬الإفريقي‭ ‬العربي‭ ‬عن‭ ‬جزئه‭ ‬الآسيوي‭ ‬وإقامة‭ ‬الدولة‭ ‬العازلة‭ ‬في‭ ‬فلسطين،‭ ‬وذلك‭ ‬لإيجاد‭ ‬تصادم‭ ‬حضاري‭ ‬بتفوق‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬وحرمان‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬اكتساب‭ ‬المعارف‭ ‬والعلوم‭ ‬التقنية،‭ ‬ومحاربة‭ ‬أي‭ ‬توجه‭ ‬تحرري‭ ‬ووحدوي‭ ‬لإبقاء‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الضعف‭ ‬والتشتت‭ ‬والضياع‭.‬

استطاع‭ ‬الغرب‭ ‬أن‭ ‬يُحارب‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬ترابهم‭ ‬وثرواتهم‭ ‬وأديانهم‭ ‬ومذاهبهم‭ ‬وتوجهاتهم‭ ‬الفكرية‭ ‬القومية،‭ ‬هذه‭ ‬الأفكار‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ملاذًا‭ ‬للعرب‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الوحدة‭ ‬والحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬كانت‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬الأمة‭ ‬القائدة‭ ‬للعالم،‭ ‬فحررته‭ ‬من‭ ‬عبادة‭ ‬الإنسان‭ ‬لأخيه‭ ‬الإنسان،‭ ‬وأخرجته‭ ‬من‭ ‬الظُلمات‭ ‬إلى‭ ‬النور،‭ ‬وتزينت‭ ‬تلك‭ ‬الأمصار‭ ‬بأفضل‭ ‬ما‭ ‬توصلت‭ ‬إليه‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬العلوم‭ ‬والمعارف‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ولننظر‭ ‬أين‭ ‬كنا‭ ‬وأين‭ ‬وصلنا‭.‬

كان‭ ‬ذلك‭ ‬المؤتمر‭ ‬البداية‭ ‬والخيط‭ ‬الذي‭ ‬ربط‭ ‬مصالح‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬العرب،‭ ‬فضاعت‭ ‬أجزاء‭ ‬عربية‭ ‬كثيرة،‭ ‬وحارب‭ ‬العرب‭ ‬العدو‭ ‬الصهيوني‭ ‬ولم‭ ‬يتحقق‭ ‬لهم‭ ‬نصر‭ ‬عليه‭ ‬بفضل‭ ‬الدعم‭ ‬الأميركي‭ ‬والأوروبي‭ ‬للصهاينة‭ ‬وتشتت‭ ‬الأقطار‭ ‬العربية‭ ‬سياسيًا‭ ‬وضعفها‭ ‬اقتصاديًا،‭ ‬وبغياب‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬ثرواتها‭. ‬ومازالت‭ ‬الأمة‭ ‬العربية‭ ‬ساخنة‭ ‬ميدانيًا‭ ‬ومتوجعة‭ ‬سياسيًا‭ ‬ومتراجعة‭ ‬اقتصاديًا‭ ‬واجتماعيًا‭.‬