فجر جديد

الحقيقة التي ذكرها “كويلهو”

| إبراهيم النهام

نشر‭ ‬الكاتب‭ ‬البرازيلي‭ ‬العالمي‭ ‬باولو‭ ‬كويلهو‭ ‬قصة‭ ‬قصيرة‭ ‬رائعة،‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭: ‬كان‭ ‬الأب‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭ ‬الجريدة،‭ ‬ولكن‭ ‬ابنه‭ ‬الصغير‭ ‬لم‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬مضايقته،‭ ‬وحين‭ ‬تعب‭ ‬الأب‭ ‬من‭ ‬مشاغبات‭ ‬ابنه،‭ ‬قام‭ ‬بتقطيع‭ ‬ورقة‭ ‬في‭ ‬الصحيفة‭ ‬كانت‭ ‬تحوي‭ ‬خريطة‭ ‬للعالم،‭ ‬ومزقها‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬الصغيرة،‭ ‬وقدمها‭ ‬لأبنه،‭ ‬وطلب‭ ‬منه‭ ‬إعادة‭ ‬تجميع‭ ‬الخريطة‭.‬

‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬لقراءة‭ ‬صحيفته،‭ ‬معتقدًا‭ ‬أن‭ ‬ابنه‭ ‬الصغير‭ ‬سيبقى‭ ‬مشغولاً‭ ‬بقية‭ ‬الوقت‭ ‬بتجميعها،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬تمر‭ ‬خمسة‭ ‬عشر‭ ‬دقيقة‭ ‬حتى‭ ‬عاد‭ ‬الابن‭ ‬إليه‭ ‬وقد‭ ‬أعاد‭ ‬ترتيب‭ ‬الخريطة،‭ ‬فتساءل‭ ‬الأب‭ ‬متعجبًا‭: ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬والدتك‭ ‬تعلمك‭ ‬الجغرافيا؟‭ ‬فأجاب‭ ‬الطفل‭ ‬ببساطة‭: ‬لا،‭ ‬لكن‭ ‬كانت‭ ‬هنالك‭ ‬صورة‭ ‬للإنسان‭ ‬على‭ ‬الوجه‭ ‬الآخر‭ ‬من‭ ‬الورقة،‭ ‬وعندما‭ ‬أعدت‭ ‬بناء‭ ‬الإنسان،‭ ‬أعدت‭ ‬بناء‭ ‬العالم‭.‬

‭ ‬هذه‭ ‬القصة‭ ‬الرائعة‭ ‬والعفوية‭ ‬لكويلهو،‭ ‬توجز‭ ‬القيمة‭ ‬المغيّبة‭ ‬عن‭ ‬أذهان‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬والحكومات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬والأسر‭ ‬أيضًا،‭ ‬والتي‭ ‬أضحى‭ ‬بها‭ ‬“بناء‭ ‬الإنسان”‭ ‬أمرًا‭ ‬مغيبًا،‭ ‬وفي‭ ‬نطاق‭ ‬ثقافة‭ ‬الموت‭ ‬السريري،‭ ‬فالبناء‭ ‬للمال،‭ ‬وللثروات،‭ ‬وللفرد،‭ ‬وليس‭ ‬للجماعة‭.‬

ولذلك‭ ‬كله،‭ ‬غرقت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬اليوم،‭ ‬بمستنقعات‭ ‬التسطح،‭ ‬والتطرف،‭ ‬والغش،‭ ‬والكذب،‭ ‬والخداع،‭ ‬وسرقة‭ ‬جهود‭ ‬الآخرين،‭ ‬ونهب‭ ‬حقوقهم،‭ ‬هذه‭ ‬الثقافات‭ ‬السوداوية‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬الصعود،‭ ‬والتزايد،‭ ‬لأن‭ ‬“بناء‭ ‬الفرد”‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬يمثل‭ ‬أهمية،‭ ‬أو‭ ‬أولوية،‭ ‬بدءًا‭ ‬من‭ ‬الدولة،‭ ‬ووصولاً‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭.‬

“بناء‭ ‬الإنسان”‭ ‬أو‭ ‬“بناء‭ ‬المواطن”‭ ‬هو‭ ‬بوابة‭ ‬العبور‭ ‬للأمم‭ ‬المتحضرة،‭ ‬الأمم‭ ‬التي‭ ‬اخترعت‭ ‬“التاب‭ ‬“‭ ‬و‭ ‬“النت”‭ ‬و‭ ‬“الطيارة”‭ ‬ووصلت‭ ‬مركباتها‭ ‬الفضائية‭ ‬لغياهب‭ ‬الكون‭ ‬البعيدة،‭ ‬هذه‭ ‬الأمم‭ ‬لا‭ ‬تنظر‭ ‬للفرد،‭ ‬أو‭ ‬للعرق،‭ ‬أو‭ ‬للأسرة،‭ ‬أو‭ ‬الدم،‭ ‬أو‭ ‬النسب،‭ ‬وإنما‭ ‬لــ‭ ‬“الإنسان”‭ ‬نفسه،‭ ‬فمتى‭ ‬نعي‭ ‬هذه‭ ‬الحقيقة؟