وَخْـزَةُ حُب

مُثير... استجابته صفر!

| د. زهرة حرم

لكل‭ ‬فعل‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭... ‬هذا‭ ‬مبدأ‭ ‬بديهي‭ ‬نعرفه‭ ‬جيدًا،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬نحتاج‭ ‬إلى‭ ‬قانون‭ (‬نيوتنيٍّ‭) ‬فيزيائي‭ ‬لتفسيره‭! ‬أو‭ ‬نظريات‭ ‬نفسية‭ ‬لنعرف‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬مُثير‭ ‬استجابة،‭ ‬ولا‭ ‬إلى‭ ‬مفاهيم‭ ‬خطابية‭ ‬لنعرف‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬مُرسِل‭ ‬رسالةً‭ ‬ومُرسَلا‭ ‬إليه‭! ‬فجميعها‭ ‬تشبه‭ ‬أبسط‭ ‬مبادئ‭ ‬الحساب‭: ‬واحد‭ ‬زائد‭ ‬واحد‭ ‬يساوي‭ ‬اثنين‭! ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬مفهوم،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬معقول‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬للفعل‭ ‬استجابة‭ ‬أو‭ ‬ردة‭ ‬فعل‭ ‬تساوي‭ ‬صفرًا‭!‬

لسنا‭ ‬ضليعين‭ ‬في‭ ‬الحسابات،‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يشدّنا‭ ‬بعض‭ ‬البشر،‭ ‬حين‭ ‬يصلون‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الاستجابة‭ ‬الصفر،‭ ‬أي‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يستجيبون‭ ‬فيها‭ ‬لأمر‭ ‬أو‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬حالة‭ ‬–‭ ‬نهائيًا‭ ‬–‭ ‬أي‭ ‬حين‭ ‬يصلون‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الصمت‭ ‬المُطبق،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يُظهرون‭ ‬فيها‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬أنواع‭ ‬الاهتمام؛‭ ‬لا‭ ‬بالمدح‭ ‬ولا‭ ‬بالذم،‭ ‬مع‭ ‬مظاهر‭ ‬حادة‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬المبالاة‭ ‬أو‭ ‬البرود‭ ‬أو‭ ‬الجفاف‭ ‬التام‭!‬

إن‭ ‬العلاقات‭ ‬الإنسانية‭ ‬بكل‭ ‬أنواعها،‭ ‬وما‭ ‬نسميها‭ ‬بالتواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬بين‭ ‬البشر،‭ ‬محكومة‭ ‬بهذه‭ ‬“الفورملا”‭ ‬البسيطة‭: (‬مثير‭ ‬يساوي‭ ‬استجابة‭)‬،‭ ‬فالحياة‭ ‬كما‭ ‬نبسطها‭: ‬أخذ‭ ‬وردّ،‭ ‬فإذا‭ ‬لم‭ ‬يقابلك‭ ‬الآخر،‭ ‬بالإجابة‭ ‬على‭ ‬سؤال،‭ ‬أو‭ ‬مبادلة‭ ‬حديث،‭ ‬أو‭ ‬ردّ‭ ‬على‭ ‬رسالة؛‭ ‬ستكون‭ ‬النتيجة‭ ‬انعدام‭ ‬التواصل،‭ ‬إلى‭ ‬الدرجة‭ ‬التي‭ ‬تساوي‭ ‬الصفر،‭ ‬أليس‭ ‬كذلك؟‭!‬

هناك‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬من‭ ‬يستخدم‭ (‬الاستجابة‭... ‬الصفر‭)‬؛‭ ‬واعيا‭ ‬ومُدركا‭ ‬لتبعاتها‭! ‬يستعملها‭ ‬كسلاح‭ ‬له‭ ‬وجهان؛‭ ‬أحدهما‭ ‬انتقامي،‭ ‬والآخر‭ ‬احترازي‭..‬‭. ‬كيف؟‭ ‬الإجابة‭ ‬تختصرها‭ ‬هذه‭ ‬الكلمة‭ ‬العامية‭ (‬التطنيش‭)! ‬أي‭ ‬التجاهل؛‭ ‬فنحن‭ ‬نعاقب‭ ‬المسيء‭ ‬به،‭ ‬أو‭ ‬نتجنب‭ ‬البعض‭ ‬به‭ ‬كذلك‭.. ‬لكننا‭ ‬في‭ ‬الحالتين‭ ‬على‭ ‬استيعاب‭ ‬تام‭ ‬لهما،‭ ‬أي‭ ‬نستخدمهما‭ ‬بمحض‭ ‬إرادة،‭ ‬وهذه‭ ‬ليست‭ ‬مُعضلة،‭ ‬المعضلة‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تتحول‭ ‬استجاباتنا‭ ‬إلى‭ ‬صفر‭ ‬دون‭ ‬إرادة،‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬نسميه‭ ‬حالات‭ ‬الصدمة‭!‬

في‭ ‬الصدمة‭ ‬يغيب‭ ‬الإحساس‭ ‬كليًا،‭ ‬ولا‭ ‬يكاد‭ ‬يستوعب‭ ‬المصدوم‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬أوصله‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحالة،‭ ‬تمامًا‭ ‬كمن‭ ‬صدمته‭ ‬سيارة،‭ ‬إمّا‭ ‬أن‭ ‬يفقد‭ ‬الوعي‭ ‬أو‭ ‬بعضًا‭ ‬منه،‭ ‬لكنه‭ ‬وقتها‭ ‬غائب‭ ‬عن‭ ‬الزمان‭ ‬والمكان؛‭ ‬وهو‭ ‬هنا‭ ‬صاحب‭ ‬الاستجابة‭ ‬الصفر‭ ‬بامتياز،‭ ‬فماذا‭ ‬عمّن‭ ‬صدمته‭ ‬الحياة‭ ‬بأشخاص‭ ‬أو‭ ‬مواقف‭ ‬مؤذية،‭ ‬تألم‭ ‬لها‭ ‬مراتٍ‭ ‬ومرات،‭ ‬أو‭ ‬تعرض‭ ‬لظلم‭ ‬أو‭ ‬تجنٍّ‭ ‬متكرر،‭ ‬ماذا‭ ‬ستكون‭ ‬خاتمته؟‭! ‬ألن‭ ‬يفقد‭ ‬التجاوب‭ ‬أو‭ ‬الرد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬–‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬وعي‭ ‬أو‭ ‬تخطيط‭ ‬مُسبق‭ - ‬تتحول‭ ‬استجابته‭ ‬إلى‭ ‬صفر‭!‬

ليس‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يتجاوب‭ ‬الناس‭ ‬مع‭ ‬بعضهم‭ ‬بعضًا،‭ ‬ضمن‭ ‬علاقات‭ ‬إنسانية‭ ‬سوية‭ ‬وسليمة؛‭ ‬وإلا‭ ‬تحولنا‭ ‬إلى‭ ‬مجتمع‭ ‬أخرس،‭ ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بالآخر،‭ ‬ولا‭ ‬يشاركه‭ ‬فرحه‭ ‬ولا‭ ‬ترحه،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬مبدأ‭ ‬الخلق،‭ ‬في‭ ‬عمران‭ ‬الأرض‭ ‬وخلافتها‭. ‬فإذا‭ ‬كان‭ ‬لكل‭ ‬فعل‭ ‬رد‭ ‬فعل؛‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭: ‬لكل‭ ‬إنسان‭ ‬إنسانٌ‭ ‬آخر‭ ‬يتأثر‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬يستجيب‭!.‬