الحرب العقائدية... سلاح إيران الخفي (3)

| رنا خالد

لقد‭ ‬سربت‭ ‬تقارير‭ ‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأميركية‭ ‬تزايد‭ ‬انتشار‭ ‬التجمعات‭ ‬الشيعية‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬وأن‭ ‬هذا‭ ‬الانتشار‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬أبطأ‭ ‬انتشار‭ ‬التنظيمات‭ ‬الإرهابية‭ ‬العالمية‭ - ‬القاعدة‭ ‬وداعش‭ - ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬خطورة‭ ‬في‭ ‬التنظيم‭ ‬والانتشار‭. ‬

إيران‭ ‬نجحت‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬التوغل‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوروبية‭ ‬عبر‭ ‬أسلوب‭ ‬آخر‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬أسلوبها‭ ‬في‭ ‬آسيا،‭ ‬حيث‭ ‬حاكت‭ ‬المنظمات‭ ‬الشيعية‭ - ‬إيرانية‭ ‬الدعم‭ - ‬النموذج‭ ‬الليبرالي‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬الجمعيات‭ ‬والمنظمات‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬الاجتماعي‭ ‬الخيري،‭ ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬بعض‭ ‬منظمات‭ ‬أهل‭ ‬السنة‭ ‬والجماعة‭ ‬المتشددة‭ ‬والمنغلقة،‭ ‬اتبعت‭ ‬المنظمات‭ ‬الشيعية‭ ‬أسلوب‭ ‬الانفتاح‭ ‬وتقديم‭ ‬الهبات‭ ‬والهدايا‭ ‬وفتح‭ ‬الأبواب،‭ ‬وجعلت‭ ‬نشاطاتها‭ ‬أشبه‭ ‬بالنشاطات‭ ‬الثقافية‭ ‬والخيرية‭ ‬لكي‭ ‬لا‭ ‬تثير‭ ‬حفيظة‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأوروبية،‭ ‬مستفيدة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الدعم‭ ‬اللوجستي‭ ‬الذي‭ ‬يقدمه‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬ورجال‭ ‬الأعمال‭ ‬والمستثمرون‭ ‬والأثرياء‭ ‬الإيرانيون‭ ‬وغير‭ ‬الإيرانيين‭ ‬من‭ ‬أتباع‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والذين‭ ‬تربطهم‭ ‬علاقات‭ ‬وثيقة‭ ‬وعريقة‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬وخصوصا‭ ‬مع‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬الراعي‭ ‬الأول‭ ‬لهذه‭ ‬النشاطات‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬أرجاء‭ ‬العالم‭.‬

القدرة‭ ‬على‭ ‬تحشيد‭ ‬هذا‭ ‬الولاء‭ ‬العقائدي‭ ‬تمثل‭ ‬خطراً‭ ‬كبيراً‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحركات‭ ‬والمنظمات‭ ‬التي‭ ‬تدعمها‭ ‬إيران‭ ‬قنابل‭ ‬موقوتة‭ ‬داخل‭ ‬مجتمعاتها،‭ ‬نعم‭ ‬إن‭ ‬التنظيمات‭ ‬العقائدية‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحت‭ ‬السيطرة‭ ‬بفعل‭ ‬قوة‭ ‬المؤسسة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬صراع‭ ‬عسكري‭ ‬شبيه‭ ‬بالذي‭ ‬تلوح‭ ‬ملامحه‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإيران،‭ ‬قد‭ ‬يؤثر‭ ‬على‭ ‬قدرة‭ ‬المؤسسة‭ ‬السياسية‭ ‬على‭ ‬التحكم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات،‭ ‬وبالتالي‭ ‬قد‭ ‬تتحول‭ ‬هذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬إلى‭ ‬عصابات‭ ‬منفلتة‭ ‬تحاكي‭ ‬نموذج‭ ‬داعش‭ ‬الشبحي‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬التخفي‭ ‬والانفجار‭ ‬بين‭ ‬المدن،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬قد‭ ‬ينذر‭ ‬بولادة‭ ‬خطر‭ ‬أشد‭ ‬فداحة‭ ‬من‭ ‬داعش‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والسلم‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬والعالم‭.‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تعتقد‭ ‬أنها‭ ‬حدت‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬عندما‭ ‬حولته‭ ‬إلى‭ ‬منظمة‭ ‬إرهابية،‭ ‬فإنها‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مخطئة،‭ ‬فالحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬سيتحول‭ ‬إلى‭ ‬رمز‭ ‬جامع‭ ‬لهذه‭ ‬التنظيمات‭ ‬المصنفة‭ ‬أصلا‭ ‬بأنها‭ ‬إرهابية،‭ ‬وهو‭ ‬عندما‭ ‬رد‭ ‬على‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بأن‭ ‬أعلنها‭ ‬دولة‭ ‬إرهابية‭ ‬يكون‭ ‬بذلك‭ ‬قد‭ ‬أعطى‭ ‬الضوء‭ ‬الأخضر‭ ‬لأتباعه‭ ‬بأن‭ ‬يهاجموا‭ ‬المصالح‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬تعرضت‭ ‬إيران‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬عمل‭ ‬عسكري‭ ‬شامل‭.‬

إيران‭ ‬ستراهن‭ ‬على‭ ‬التفسير‭ ‬العقائدي‭ ‬للصراع‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وستسعى‭ ‬إلى‭ ‬كسب‭ ‬قلوب‭ ‬المريدين‭ ‬والأتباع‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تفسير‭ ‬صراع‭ ‬القوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬ضمن‭ ‬دائرة‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الإسلام،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬سيزيد‭ ‬من‭ ‬خطورة‭ ‬السلاح‭ ‬العقائدي‭ ‬لأنه‭ ‬سيصبح‭ ‬امتداداً‭ ‬لسلوك‭ ‬الجماعات‭ ‬الإرهابية‭ ‬السلفية‭ ‬المتشددة‭ ‬وربما‭ ‬يتحالف‭ ‬معها‭ ‬مشكلاً‭ ‬وحدة‭ ‬عقائدية‭ ‬تجمعها‭ ‬منطلقات‭ ‬الصراع‭ ‬الديني‭ ‬المتشدد‭ ‬والعدو‭ ‬المشترك‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬افترقت‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬الآيديولوجيا‭. ‬“إيلاف”‭.‬