قهوة الصباح

على مسلخ الحب (17)

| سيد ضياء الموسوي

دع‭ ‬الخنجر‭ ‬يسقط‭ ‬واهرب‭ ‬بقلبك‭ ‬طائرا،‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬حرا‭ ‬بل‭ ‬سجين‭ ‬سم‭ ‬سميته‭ ‬عسلا‭. ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬القاتل‭ ‬ولا‭ ‬المقتول‭ (‬عشرون‭ ‬عاما‭ ‬فوق‭ ‬درب‭ ‬الهوى‭ ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬الدرب‭ ‬مجهولا،‭ ‬فمرة‭ ‬كنت‭ ‬أنا‭ ‬قاتلا‭ ‬وأكثر‭ ‬المرات‭ ‬مقتولا،‭ ‬عشرون‭ ‬عاما‭.. ‬يا‭ ‬كتاب‭ ‬الهوى‭ ‬ولم‭ ‬أزل‭ ‬في‭ ‬الصفحة‭ ‬الأولى‭). ‬ويقول‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭ ‬نثرا‭: (‬هل‭ ‬لاحظتم‭ ‬أنَّ‭ ‬الجراح‭ ‬وحدها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬ذاكرة‭ ‬قوية،‭ ‬وأنَّ‭ ‬الفرح‭ ‬لا‭ ‬ذاكرة‭ ‬له،‭ ‬الفرح‭ ‬عصفور‭ ‬من‭ ‬زجاج،‭ ‬يرتفع‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬عشرة‭ ‬أمتار،‭ ‬ثم‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬ويتهشم‭. ‬أما‭ ‬الحزن،‭ ‬فهو‭ ‬هذه‭ ‬السنونوة‭ ‬السوداء‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬أولادها‭ ‬وتعشعش‭ ‬على‭ ‬شواطئ‭ ‬العين‭ ‬ومدخل‭ ‬القلب‭ ‬وترفض‭ ‬أن‭ ‬ترحل”‭. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬مشكلة‭ ‬العشاق‭ ‬الذين‭ ‬يجعلون‭ ‬من‭ ‬جراحهم‭ ‬أضرحة‭ ‬دراما‭ ‬أو‭ ‬جدار‭ ‬مبكى‭. ‬وهولاء‭ ‬من‭ ‬يمتلكون‭ ‬ذاكرة‭ ‬متورمة‭ ‬لحب‭ ‬ماض‭ ‬عادة‭ ‬ما‭ ‬يجعلون‭ ‬الحاضر‭ ‬ضحية‭ ‬الماضي،‭ ‬وحتى‭ ‬إذا‭ ‬دخلوا‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬حب‭ ‬جديدة‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬باندول‭ ‬عن‭ ‬وجع‭ ‬رأس‭ ‬علاقة‭ ‬ماضية،‭ ‬وليس‭ ‬استمتاعا‭. ‬ويقول‭ (‬احذر‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬يتخذون‭ ‬أحباباً‭ ‬مؤقتين‭ ‬ريثما‭ ‬تبرأ‭ ‬جراحهم”‭. ‬أي‭ ‬تعلق‭ ‬مرضي‭ ‬هو‭ ‬تحايل‭ ‬عن‭ ‬انكسار‭ ‬طفولي‭ ‬حدث‭ ‬لهذا‭ ‬المتعلق،‭ ‬هناك‭ ‬خلل‭ ‬سيكولوجي‭ ‬سبب‭ ‬جفافا‭ ‬عاطفيا،‭ ‬حوصر‭ ‬فترة‭ ‬زمنية،‭ ‬فتفجر‭ ‬في‭ ‬منعطفات‭ ‬خطيرة‭ ‬لهذا‭ ‬العاشق‭. ‬الهوس‭ ‬بالأشياء‭ ‬يهفت‭ ‬عندما‭ ‬يصبح‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬اليد‭ ‬لهذا‭ ‬البشر‭ ‬يتهافتون‭ ‬ولا‭ ‬ينسون‭ ‬من‭ ‬يكسر‭ ‬كبرياهم‭ ‬أو‭ ‬خدش‭ ‬نرجسيتهم‭. ‬ألا‭ ‬تجدون‭ ‬أن‭ ‬النساء‭ ‬العنيدات‭ ‬يصبحن‭ ‬أكثر‭ ‬جمالا‭ ‬في‭ ‬اللاوعي‭ ‬عند‭ ‬الرجل؟‭ ‬فالرجل‭ ‬وإن‭ ‬غضب‭ ‬يستلذ‭ ‬بتقبيل‭ ‬اليد‭ ‬التي‭ ‬تكسر‭ ‬بفأسها‭ ‬تمثال‭ ‬كبريائه‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭ (‬ولي‭ ‬فؤاد‭ ‬إذا‭ ‬طال‭ ‬العذاب‭ ‬به‭   ‬هـام‭ ‬اشتياقا‭ ‬إلى‭ ‬لقيا‭ ‬مـعـذبه‭). ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬الشاعر‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭: (‬إن‭ ‬حكمت‭ ‬جارت‭ ‬عليَّ‭ ‬بحكمها‭   ‬ولكن‭ ‬ذلك‭ ‬الجور‭ ‬أشهى‭ ‬من‭ ‬العدل‭). ‬نحن‭ ‬مازوخيون‭ ‬في‭ ‬تعذيب‭ ‬أنفسنا،‭ ‬ونرفض‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬في‭ ‬المنصب‭ ‬والشهرة‭ ‬والمال‭ ‬والحب،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬نظل‭ ‬نبكي‭ ‬ونشتكي‭ ‬من‭ ‬سجون‭ ‬نحن‭ ‬نرفض‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭!! ‬كلنا‭ ‬أغبياء‭ ‬في‭ ‬الحب،‭ ‬نيتشه‭ ‬كان‭ ‬غبيا‭ ‬في‭ ‬الحب،‭ ‬بلزاك‭ ‬كان‭ ‬ساذجا‭ ‬في‭ ‬الحب‭. ‬تشايكوفيسكي‭ ‬كان‭ ‬مختلا‭ ‬في‭ ‬الحب‭ ‬ولا‭ ‬يفرق‭ ‬عنهم‭ ‬أوسكار‭ ‬وايلد‭ ‬أو‭ ‬لوركا‭ ‬أو‭ ‬تشارلز‭ ‬ديكنز‭ ‬أو‭ ‬البيركامو‭ ‬أو‭ ‬ديدرو‭ ‬أو‭ ‬سلفادور‭ ‬دالي‭. ‬لم‭ ‬أقرأ‭ ‬لفيلسوف‭ ‬أو‭ ‬رسام‭ ‬أو‭ ‬موسيقار‭ ‬إلا‭ ‬وجدته‭ ‬الأحمق‭ ‬في‭ ‬الحب،‭ ‬العبقري‭ ‬في‭ ‬الإبداع‭. ‬لكل‭ ‬عشق‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬نقصان‭. ‬إذًا‭ ‬لا‭ ‬تراهنوا‭ ‬على‭ ‬العشق،‭ ‬والأحلام‭ ‬العسلية،‭ ‬فبلحظة‭ ‬قدر،‭ ‬يتحول‭ ‬العشق‭ ‬إلى‭ ‬بقع‭ ‬زيت‭ ‬أحاسيس،‭ ‬ونفوق‭ ‬مشاعر‭ ‬على‭ ‬ساحل‭ ‬تقاسمتوه‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬كنتم‭ ‬تعشقون‭ ‬تحت‭ ‬أشعة‭ ‬شمس‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬جميلة‭. ‬يقول‭ ‬الفرنسي‭ ‬المسرحي‭ ‬فيكتوريان‭ ‬صاردو‭ (‬نتعانق،‭ ‬ثمّ،‭ ‬في‭ ‬يومٍ،‭ ‬يسأم‭ ‬أحدنا‭ ‬الآخر،‭ ‬إنّه‭ ‬الحب‭). ‬أصبحنا‭ ‬اليوم‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬حب‭ ‬فاستفودي‭ ‬‭(‬ماكدونالزي‭) ‬يسبب‭ ‬ترهل‭ ‬مشاعر،‭ ‬وكلسترول‭ ‬أحاسيس‭ ‬قاتلا،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬حب‭ ‬صحي‭. ‬صدقوني‭ (‬ففي‭ ‬الناس‭ ‬أبدال‭ ‬وفي‭ ‬الترك‭ ‬راحة‭) ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الشافعي‭ .‬لا‭ ‬تضخموا‭ ‬من‭ ‬احببتهم،‭ ‬فيتحولوا‭ ‬إلى‭ ‬أصنام‭ ‬غرور‭. ‬يذلون‭ ‬وجودكم،‭ ‬يستسخفون‭ ‬سهركم‭. ‬يتفنون‭ ‬في‭ ‬طعن‭ ‬قلوبكم‭ ‬انطلقوا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬توازن،‭ ‬فالعالم‭ ‬منفتح‭ ‬جمالا‭ ‬وسعة‭ ‬وجود‭ ‬للراحة‭.‬