الحرب العقائدية... سلاح إيران الخفي (2)

| رنا خالد

لقد‭ ‬عمل‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ - ‬منذ‭ ‬“الثورة‭ ‬الإسلامية”‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1979‭ - ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬المباشر‭ ‬وغير‭ ‬المباشر‭ ‬لهذه‭ ‬الحركات‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بمختلف‭ ‬الطرق‭ ‬والأساليب،‭ ‬مسخرا‭ ‬كل‭ ‬طاقته‭ ‬وإمكانياته‭ ‬السياسية‭ ‬والمالية‭ ‬والدينية،‭ ‬وقدمت‭ ‬إيران‭ ‬نفسها‭ ‬كداعم‭ ‬لمظلومية‭ ‬الأقليات‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فقد‭ ‬وقف‭ ‬الخميني‭ ‬مع‭ ‬المظاهرات‭ ‬التي‭ ‬اجتاحت‭ ‬باكستان‭ ‬عام‭ ‬1980‭ ‬إثر‭ ‬قانون‭ ‬فرض‭ ‬الزكاة‭ ‬على‭ ‬أموال‭ ‬كل‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬باكستان،‭ ‬والذي‭ ‬أقره‭ ‬الحاكم‭ ‬العسكري‭ ‬الباكستاني‭ ‬السابق‭ ‬ضياء‭ ‬الحق،‭ ‬والتي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬منظمة‭ ‬“تحريك‭ ‬الجعفرية”‭ ‬التي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬الحركات‭ ‬الشيعية‭ ‬في‭ ‬باكستان‭ ‬وأكثرها‭ ‬تشدداً‭. ‬

استطاعت‭ ‬الحركات‭ ‬الشيعية‭ ‬عقب‭ ‬أحداث‭ ‬إسلام‭ ‬آباد‭ ‬أن‭ ‬تفرض‭ ‬وجودها‭ ‬السياسي‭ ‬القوي‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬الباكستانية‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬اعترف‭ ‬به‭ ‬صراحة‭ ‬زعيم‭ ‬حركة‭ ‬تحريك‭ ‬الجعفرية‭ ‬“ديدار”‭ ‬الذي‭ ‬يتفاخر‭ ‬بأن‭ ‬لجماعته‭ ‬صلة‭ ‬بإيران‭ ‬قائلاً‭ ‬“إن‭ ‬لدينا‭ ‬آيديولوجيا‭ ‬مشتركة‭ ‬تدعونا‭ ‬للوقوف‭ ‬متحدين‭ ‬خلف‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ - ‬علي‭ ‬خامنئي‭ - ‬الذي‭ ‬نعتبر‭ ‬كلماته‭ ‬أمراً‭ ‬لنا”‭.‬

الدعم‭ ‬الإيراني‭ ‬تجاوز‭ ‬الحركات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬باكستان،‭ ‬فالنظام‭ ‬الإيراني‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الميليشيات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬آسيا‭ ‬ومن‭ ‬أبرز‭ ‬هذه‭ ‬الميليشيات‭ ‬والتنظيمات‭ ‬“لواء‭ ‬زينبيون”‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬مقاتلين‭ ‬من‭ ‬الشيعة‭ ‬الباكستانيين‭ ‬من‭ ‬قبائل‭ ‬البارتشينار‭ ‬وخيبر‭ ‬بختونخوا،‭ ‬وهم‭ ‬منتشرون‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬فيصل‭ ‬آباد‭ ‬وإسلام‭ ‬آباد‭ ‬وكراتشي‭ ‬ومناطق‭ ‬الحدود‭ ‬الباكستانية‭ ‬الصينية‭. ‬وأيضا‭ ‬“لواء‭ ‬الفاطميون”‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬مقاتلين‭ ‬من‭ ‬الأفغان‭ ‬وأغلبهم‭ ‬من‭ ‬قبائل‭ ‬الهزارة‭ ‬الطاجيك‭ ‬والقزلباش‭ ‬وهم‭ ‬منتشرون‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬كابل‭ ‬وباميان‭ ‬ومزار‭ ‬الشريف‭ ‬ويبلغ‭ ‬عددهم‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬3000‭ ‬مقاتل،‭ ‬وكان‭ ‬أغلبهم‭ ‬مقاتلين‭ ‬مدعومين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ضد‭ ‬الاحتلال‭ ‬السوفيتي‭ ‬السابق‭.‬

ويشرف‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬على‭ ‬تدريب‭ ‬مقاتلي‭ ‬هذه‭ ‬الميليشيات‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الإيرانية‭ ‬وتم‭ ‬منحهم‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬ورواتب‭ ‬شهرية،‭ ‬وساهمت‭ ‬هذه‭ ‬الميليشيات‭ ‬في‭ ‬القتال‭ ‬ضد‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬الإسلامية‭ ‬“داعش”،‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وفي‭ ‬سوريا‭ ‬جنباً‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬وكانت‭ ‬ثاني‭ ‬قوة‭ ‬قتالية‭ ‬بعد‭ ‬حزب‭ ‬الله‭.‬

إيران‭ ‬لا‭ ‬تتحرك‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬نقاط‭ ‬تواجدها‭ ‬الإقليمي‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬آسيا‭ ‬بل‭ ‬تعمد‭ ‬إلى‭ ‬تشكيل‭ ‬وجود‭ ‬لها‭ ‬لدى‭ ‬الأقليات‭ ‬المسلمة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا،‭ ‬وتستخدم‭ ‬ما‭ ‬تعانيه‭ ‬بعض‭ ‬الأقليات‭ ‬المسلمة‭ ‬من‭ ‬فقر‭ ‬وإهمال،‭ ‬فتسعى‭ ‬إلى‭ ‬استقطاب‭ ‬أبناء‭ ‬هؤلاء‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬شراء‭ ‬ولائهم‭ ‬واستغلال‭ ‬غضبهم‭ ‬من‭ ‬سوء‭ ‬المعاملة‭ ‬والعزل‭ ‬الذي‭ ‬يعانون‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬والذي‭ ‬تحوله‭ ‬إلى‭ ‬ولاء‭ ‬وانقياد‭ ‬للعقيدة‭ ‬التي‭ ‬تحاكي‭ ‬شعورهم‭ ‬بالظلم،‭ ‬ثم‭ ‬تعمد‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬لتنظيمهم‭ ‬ليتحولوا‭ ‬إلى‭ ‬مليشيات‭ ‬مسلحة‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وتقاتل‭ ‬مع‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬يدعمها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭. ‬“إيلاف”‭.‬