قهوة الصباح

حنين‭ ‬الضحية‭ ‬الى‭ ‬السكين‭ (‬16‭)‬

| سيد ضياء الموسوي

ويقول‭ ‬لها‭: ‬“يوما‭ ‬ما‭ ‬ساخون‭ ‬وسادتي؛‭ ‬واستبدلها‭ ‬بك”‭ ‬وفي‭ ‬مفهوم‭ ‬الحب‭ ‬عنده‭: ‬“الحب‭ ‬إن‭ ‬اكتفى‭ ‬بك‭ ‬ولا‭ ‬اكتفى‭ ‬منك‭ ‬أبدا”‭ ‬وكم‭ ‬تمنى‭ ‬لو‭ ‬يمتلك‭ ‬قلبا‭ ‬كبيرا‭: ‬“ليت‭ ‬لي‭ ‬قلبا‭ ‬أكبر‭ ‬لأحبك‭ ‬كما‭ ‬يليق‭ ‬بالكبار”‭. ‬نعم‭ ‬الحب‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يقتل‭ ‬الكبار‭. ‬يقول‭ ‬جبران‭: ‬الحب‭ ‬سعادة‭ ‬ترتعش”،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬ينم‭ ‬يوما‭ ‬على‭ ‬صدر‭ ‬الحب‭. ‬الكاتب‭ ‬الفرنسي‭ ‬بلزاك‭ ‬يقول‭: ‬“إذا‭ ‬شكا‭ ‬لك‭ ‬شاب‭ ‬من‭ ‬قسوة‭ ‬امرأة‭ ‬،‭ ‬فاعلم‭ ‬أن‭ ‬قلبه‭ ‬بين‭ ‬يديها”‭. ‬وهذه‭ ‬حقيقة‭ ‬فبعض‭ ‬العشاق‭ ‬يستعذبون‭ ‬الألم،‭ ‬وينتشون‭ ‬طربا‭ ‬بتذكر‭ ‬خناجر‭ ‬الماضي‭. ‬وهذا‭ ‬مرض‭ ‬سيكولوجي‭ ‬يسمى‭ ‬بالمازوشبة،‭ ‬والتلذذ‭ ‬بإيقاع‭ ‬الألم‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬كحنين‭ ‬الضحية‭ ‬إلى‭ ‬السكين‭. ‬لا‭ ‬يعجبني‭ ‬بلزاك‭ ‬في‭ ‬طريقة‭ ‬حياته،‭ ‬فقد‭ ‬دمر‭ ‬نفسه‭ ‬عندما‭ ‬اختصر‭ ‬جمال‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬كتابة‭ ‬الروايات،‭ ‬ونسي‭ ‬مفاتن‭ ‬مدينة‭ ‬باريس،‭ ‬وجمال‭ ‬طبيعة‭ ‬مدينة‭  ‬“سانت‭ ‬خوبيه”‭ ‬أو‭ ‬لمعان‭ ‬شواطئ‭ ‬مدينة‭ ‬“كان”‭ ‬الساحلية‭ ‬أو‭ ‬رقصات‭ ‬نهر‭ ‬السين‭. ‬لم‭ ‬يعش‭ ‬بلزاك‭ ‬سعيدا‭ .‬انهكته‭ ‬القروض‭ ‬في‭ ‬مغامرات‭ ‬تجارية‭ ‬فاشلة،‭ ‬و‭ ‬لعبت‭ ‬به‭ ‬امرأة‭ ‬خبيثة‭ ‬لعوب‭  ‬في‭ ‬آخر‭ ‬سنين‭ ‬عمره‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تتزوجه‭ ‬إلا‭ ‬يوم‭ ‬تأكدت‭ ‬موعد‭ ‬اقتراب‭ ‬موته‭ ‬لكي‭ ‬تستولي‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شي‭ ‬،بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بيته‭ ‬الفاخر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬حصيلة‭ ‬كل‭ ‬تعب‭ ‬السنين‭ ‬العجاف‭ ‬من‭ ‬الكتابة‭. ‬إن‭ ‬هوسه‭ ‬الجنوني‭ ‬بالكتابة‭ ‬أفقده‭ ‬التمتع‭ ‬بكوكتيل‭ ‬الحياة،‭ ‬ففقد‭ ‬صحته،‭ ‬ومات‭ ‬في‭ ‬عمر51‭ ‬عاما‭ ‬قائلا”الحب‭ ‬امرأة‭ ‬ورجل‭ ‬وحرمان”‭. ‬

أنا‭ ‬لست‭ ‬ضد‭ ‬الحب‭ ‬ولكن‭ ‬أنا‭ ‬مع‭ ‬الاعتدال،‭ ‬وأعترف‭ ‬أني‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬حكة‭ ‬جلدية‭ ‬من‭ ‬تعاطي‭ ‬الحب‭ ‬مع‭ ‬البشر؛‭ ‬لان‭ ‬أكثر‭ ‬الذين‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬الحب‭ ‬هم‭ ‬معادون‭ ‬له‭. ‬صحيح‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ (‬ع‭) ‬يقول‭ ‬“رؤية‭ ‬الحبيب‭ ‬جلاء‭ ‬العين”‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭ ‬“أقلب‭ ‬طرفي‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬لعله‭ ‬يوافق‭ ‬طرفي‭ ‬طرفها‭ ‬حين‭ ‬تنظر”،‭ ‬لكن‭ ‬الحب‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬قسوة‭ ‬الرأسمالية‭ ‬مخيف،‭ ‬وغالبا‭ ‬يتشكل‭ ‬خبثا‭ ‬بحجم‭ ‬مقاسات‭ ‬تضخم‭ ‬الحساب‭ ‬البنكي،‭ ‬ولمعانه‭ ‬يكون‭ ‬بمقدار‭ ‬لمعان‭  ‬مقتنياتك‭ ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬نذر‭. ‬أتذكر‭ ‬أني‭ ‬قلت‭ ‬لعاشق‭ ‬ذا‭ ‬يوم‭ ‬“إذا‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬العشق،‭ ‬فملأ‭ ‬حقائبك‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬عجل،‭ ‬وأعلن‭ ‬حالة‭ ‬طوارئ‭ ‬مع‭ ‬قلبك،‭ ‬ومنع‭ ‬تجول‭ ‬لأي‭ ‬منغصات؛‭ ‬لأن‭ ‬العشق‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬،حالة‭ ‬“الجيك‭ ‬أوت‭ ‬“مهما‭  ‬طال‭ ‬بقاؤك‭ ‬في‭ ‬“السويتك‭ ‬الملكي”‭ ‬في‭ ‬فندق‭ ‬السعادة‭. ‬فأنا‭ ‬عندما‭ ‬شعرت‭ ‬بالحب‭ ‬أمسكته‭ ‬بجلابيبه،‭ ‬ورحت‭ ‬أشحن‭ ‬حقائبي‭ ‬بأجمل‭ ‬اللحظات،‭ ‬وأجمل‭ ‬الذكريات،‭ ‬وأفضل‭ ‬الأماكن‭ ‬مسرعا‭ ‬على‭ ‬عجل‭ ‬كيهودية‭ ‬نمساوية‭ ‬هاربة‭ ‬من‭ ‬بطش‭ ‬هتلر‭ ‬تلملم‭ ‬أغراضها،‭ ‬لأني‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الحب‭ ‬سينقلب‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬إلى‭ ‬وحش،‭ ‬يبتلع‭ ‬كل‭ ‬لحظة‭ ‬جميلة‭ ‬عشتها،‭ ‬وتتحول‭ ‬مخدات‭ ‬الذكريات‭ ‬المملوءة‭ ‬بريش‭ ‬النعام‭ ‬إلى‭ ‬مخدات‭ ‬محشوة‭ ‬بزجاج‭ ‬وسكاكين‭ ‬ذبح‭ ‬الغرام”‭. ‬

ليست‭ ‬فقط‭ ‬الدنيا‭ ‬دوارة‭. ‬فالمناصب‭ ‬دوارة‭. ‬الأموال‭ ‬دوارة‭  ‬الشهرة‭ ‬دوارة‭ ‬وكذلك‭ ‬أعياد‭ ‬الحب‭ ‬دوارة‭ .‬تقول‭ ‬مستغانمي‭: ‬“الأعياد‭ ‬دوارة،‭ ‬عيد‭ ‬لك‭ ‬وعيد‭ ‬عليك،‭ ‬أن‭ ‬الذين‭ ‬يحتفلون‭ ‬اليوم‭ ‬بالحب‭. ‬قد‭ ‬يأتي‭ ‬العيد‭ ‬القادم‭ ‬وقد‭ ‬افترقوا‭. ‬والذين‭ ‬يبكون‭ ‬اليوم‭ ‬لوعة‭ ‬وحدتهم،‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬أطفال‭ ‬الحب‭ ‬المدللين‭ ‬في‭ ‬الأعياد‭ ‬القادمة‭.‬علينا‭ ‬في‭ ‬الحالتين‭ ‬أن‭ ‬نستعد‭ ‬للاحتمال‭ ‬الآخر”‭. ‬

لا‭ ‬شيء‭ ‬يدوم‭ ‬فلا‭ ‬تتشبث‭ ‬بجنون‭ ‬بأي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬ألم‭ ‬يكن‭ ‬قيس‭ ‬غبيا‭ ‬أن‭ ‬يموت‭ ‬معذبا‭ ‬وليلى‭ ‬تتمتع‭ ‬بالحياة‭ ‬مع‭ ‬زوجها،‭ ‬أو‭ ‬يكون‭ ‬نيتشه‭ ‬في‭ ‬مصحة‭ ‬نفسية‭ ‬مجنونا‭ ‬وعشيقته‭ ‬سالومي‭ ‬الفلندية‭ ‬تتمتع‭ ‬بجمال‭ ‬الوجود‭ ‬سفرا‭ ‬وعملا‭ ‬وحفلات؟‭ ‬كم‭ ‬أنت‭ ‬مجرم‭ ‬بحق‭ ‬نفسك‭ ‬عندما‭ ‬تقتل‭ ‬فرحك‭ ‬لأجل‭ ‬عاشقة‭ ‬استبدلتك‭ ‬أخماسا،‭ ‬وأسعارا‭... ‬لا‭ ‬شيء‭ ‬يستحق‭ ‬الحزن‭ ‬في‭ ‬الحياة‭. ‬لا‭ ‬تعمقوهم‭ ‬بقلوبكم،‭ ‬فيحرقوها‭ ‬“لو‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬الخيط‭ ‬مستقراً‭ ‬في‭ ‬عمق‭ ‬الشمعة‭ ‬لما‭ ‬استطاع‭ ‬إحراقها‭... ‬‏كذلك‭ ‬نحن‭ ‬لم‭ ‬يحرقنا‭ ‬إلاّ‭ ‬من‭ ‬تسلل‭ ‬إلى‭ ‬أعماقنا”‭. ‬

العظماء‭ ‬لو‭ ‬عاشوا‭ ‬كوكتيل‭ ‬الحياة‭ ‬لاختصروا‭ ‬مسافات‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬البطيء‭. ‬قصيدة‭ ‬الشاعر‭ ‬الماركسي‭ ‬باولو‭ ‬نيرودا‭ ‬تحمل‭ ‬فلسفة‭ ‬التمتع‭ ‬بكل‭ ‬شي‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬فكأنه‭ ‬يطبق‭ ‬نظرية‭ ‬عالم‭ ‬النفس‭ ‬ماسلو‭ ‬في‭ ‬هرمه‭ ‬يقول‭ ‬الشاعر‭: ‬

ﻳﻤﻮت‭ ‬ﺑﺒﻂءﻣَﻦ‭ ‬ﻻ‭ ‬ﻳﺴﺎﻓﺮ

ﻣَﻦ‭ ‬ﻻ‭ ‬ﻳﻘﺮأ

ﻣَﻦ‭ ‬ﻻ‭ ‬ﻳﺴﻤﻊ‭ ‬اﻟﻤﻮﺳﻴﻘﻰ

ﻣَﻦ‭ ‬ﻻ‭ ‬ﻳُﺠﻴﺪ‭ ‬اﻻﻫﺘﺪاء‭ ‬ﺑﻌﻴﻨﻴﻪ‭.  ‬ﻳﻤﻮت‭ ‬ﺑﺒﻂء

ﻣَﻦ‭ ‬ﻳﺼﻴﺮ‭ ‬ﻋﺒﺪاً‭ ‬ﻟﻠﻌﺎدة

ﻣَﻦ‭ ‬ﻳﺴﺘﻌﻤﻞ‭ ‬ﻛﻞ‭ ‬ﻳﻮم‭ ‬ﻧﻔﺲ‭ ‬اﻟﻄﺮﻳﻖ

ﻣَﻦ‭ ‬ﻻ‭ ‬ﻳﻐﻴﺮ‭ ‬أﺑﺪاً‭ ‬ﺳَﻤﺘﻪ

ﻣَﻦ‭ ‬ﻻ‭ ‬ﻳﺠﺎزف‭ ‬ﺑﺘﻐﻴﻴﺮ‭ ‬ﻟﻮن‭ ‬ﻣﻼﺑﺴﻪ

أو‭ ‬ﻣَﻦ‭ ‬ﻻ‭ ‬ﻳﺘﺤﺪث‭ ‬إﻟﻰ‭ ‬ﻣﺠﻬﻮل‭. ‬ﻳﻤﻮت‭ ‬ﺑﺒﻂء

ﻣَﻦ‭ ‬ﻻ‭ ‬ﻳﻐﻴﺮ‭ ‬وﺟﻬﺘﻪ‭ ‬ﺣﻴﻦ‭ ‬ﻳﺤﺲ‭ ‬اﻟﺘﻌﺎﺳﺔ‭ ‬ﻓﻲ‭ ‬اﻟﻌﻤﻞ‭ ‬أو‭ ‬اﻟﺤﺐ‭ ‬ﻣَﻦ‭ ‬ﻻ‭ ‬ﻳﺮﻛﺐ‭ ‬اﻟﻤﺨﺎﻃﺮ‭ ‬ﻟﻴﺤﻘﻖ‭ ‬اﻷﺣﻼم””