رمضان الخير والبركات

| زهير توفيقي

يُعد‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬المبارك‭ ‬أكثر‭ ‬شهور‭ ‬السنة‭ ‬بركة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق،‭ ‬ففيه‭ ‬أنزل‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وفيه‭ ‬تكثر‭ ‬الصدقات‭ ‬وأعمال‭ ‬البر‭ ‬والإحسان،‭ ‬كما‭ ‬يُعرف‭ ‬بأنه‭ ‬شهر‭ ‬التواصل‭ ‬وصلة‭ ‬الأرحام‭ ‬والعطف‭ ‬على‭ ‬الفقراء‭ ‬والمساكين‭.‬

وأود‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬أن‭ ‬أشارك‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المواقف‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬لي‭ ‬شخصياً‭ ‬مؤخراً‭ ‬مع‭ ‬ابني‭ ‬الذي‭ ‬يدرس‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية،‭ ‬حيث‭ ‬طلب‭ ‬مني‭ ‬الابن‭ ‬البار‭ ‬أن‭ ‬أسحب‭ ‬من‭ ‬حسابه‭ ‬الشخصي‭ ‬مبلغاً‭ ‬كبيراً‭ ‬وذلك‭ ‬لتقديمه‭ ‬إلى‭ ‬أحد‭ ‬العمّال‭ ‬الآسيويين،‭ ‬حيث‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬ببعض‭ ‬أعمال‭ ‬التنظيف‭ ‬في‭ ‬منزلنا‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عشرين‭ ‬عاما،‭ ‬وعرفنا‭ ‬هذا‭ ‬العامل‭ ‬البسيط‭ ‬منذ‭ ‬أعوام‭ ‬طويلة‭ ‬شخصاً‭ ‬حسن‭ ‬الخلق،‭ ‬يتحلى‭ ‬بالأمانة،‭ ‬ويقوم‭ ‬بعمله‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬وجه،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المبلغ‭ ‬كبير‭ ‬جداً،‭ ‬لذلك‭ ‬اقترحت‭ ‬على‭ ‬ابني‭ ‬أن‭ ‬نقوم‭ ‬بتوزيع‭ ‬المبلغ‭ ‬على‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬شخص،‭ ‬خصوصا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬طالباً‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬الدراسة‭ ‬ولم‭ ‬يعمل‭ ‬بعد،‭ ‬وليس‭ ‬له‭ ‬مدخول،‭ ‬فماذا‭ ‬كان‭ ‬الجواب؟‭ ‬أصر‭ ‬ابني‭ ‬على‭ ‬موقفه‭ ‬وطلب‭ ‬مني‭ ‬أن‭ ‬أقوم‭ ‬بتسليم‭ ‬المبلغ‭ ‬كاملاً‭ ‬لهذا‭ ‬العامل،‭ ‬تقديراً‭ ‬له‭ ‬ولخدماته‭ ‬وأمانته‭ ‬وإخلاصه،‭ ‬فلم‭ ‬أجد‭ ‬مفراً‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬الإصرار‭ ‬سوى‭ ‬دفع‭ ‬المبلغ‭ ‬بحسب‭ ‬رغبة‭ ‬الابن‭.‬

وأصدقكم‭ ‬القول،‭ ‬إنه‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬تحفظي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬التصرف،‭ ‬إلا‭ ‬أنني‭ ‬لم‭ ‬أستطع‭ ‬إخفاء‭ ‬سعادتي‭ ‬الكبيرة‭ ‬بهذا‭ ‬السلوك‭ ‬النابع‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬كبير‭ ‬اتسع‭ ‬ليشمل‭ ‬محبّة‭ ‬البسطاء‭ ‬والمساكين،‭ ‬وذلك‭ ‬الشعور‭ ‬الإنساني‭ ‬الراقي‭ ‬المدرك‭ ‬لأهمية‭ ‬المشاركة‭ ‬وعدم‭ ‬التردد‭ ‬في‭ ‬العطاء،‭ ‬والإيمان‭ ‬بأن‭ ‬الله‭ ‬سيخلف‭ ‬على‭ ‬المنفقين‭ ‬بعظيم‭ ‬الأجر‭ ‬والثواب،‭ ‬وأن‭ ‬للصدقة‭ ‬فضلها‭ ‬العظيم‭ ‬كونها‭ ‬من‭ ‬أحب‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬الله‭ ‬سبحانه‭ ‬وتعالى‭.‬

لست‭ ‬هنا‭ ‬لعرض‭ ‬الإطراء‭ ‬وكيل‭ ‬المديح‭ ‬لابني،‭ ‬لكنني‭ ‬رغبت‭ ‬في‭ ‬إلقاء‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الممارسات‭ ‬البسيطة،‭ ‬والمبادرات‭ ‬الجميلة‭ ‬التي‭ ‬تستحق‭ ‬الوقوف‭ ‬عندها‭ ‬وتشجيعها،‭ ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الأمر‭ ‬متعلقاً‭ ‬بالعطاء‭ ‬ودعم‭ ‬التكافل‭ ‬الإنساني‭ ‬والوقوف‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الضعفاء‭ ‬والمحتاجين‭.‬

الأمر‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سبق،‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬قد‭ ‬نويت‭ ‬أن‭ ‬أبعث‭ ‬إلى‭ ‬ابني‭ ‬مبلغاً‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬مكافأة‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬تفوقه،‭ ‬وما‭ ‬حققه‭ ‬من‭ ‬درجات‭ ‬مشرّفة‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬المواد‭ ‬التي‭ ‬يدرسها‭ ‬في‭ ‬الجامعة،‭ ‬وتأثرت‭ ‬كثيراً‭ ‬بهذا‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬وعزّز‭ ‬قناعتي‭ ‬التي‭ ‬طالما‭ ‬آمنت‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬وهي‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬الخير‭ ‬فإن‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭ ‬سيرزقه‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬حساب،‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الرزق‭ ‬الممنوح‭ ‬مادياً،‭ ‬فقد‭ ‬يكون‭ ‬الرزق‭ ‬في‭ ‬صحة‭ ‬البدن،‭ ‬وتمام‭ ‬العافية،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬توفيقاً‭ ‬في‭ ‬الدراسة‭ ‬أو‭ ‬العمل‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬ذلك‭.‬

ومن‭ ‬هنا‭ ‬علينا‭ ‬نحن‭ ‬الآباء‭ ‬أن‭ ‬نحرص‭ ‬دائماً‭ ‬على‭ ‬تشجيع‭ ‬أبنائنا‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬الخير‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬العام،‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬ننتهز‭ ‬الفرص‭ ‬لنزرع‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬أبنائنا‭ ‬حزمة‭ ‬من‭ ‬الصفات‭ ‬الحميدة‭ ‬وحُسن‭ ‬الخلق،‭ ‬فهي‭ ‬والله‭ ‬أهمّ‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أموال‭ ‬الدنيا،‭ ‬ولكم‭ ‬أن‭ ‬تتخيلوا‭ ‬كيف‭ ‬سيكون‭ ‬مجتمعنا‭ ‬لو‭ ‬حرص‭ ‬كل‭ ‬منّا‭ ‬على‭ ‬غرس‭ ‬مبادئ‭ ‬الخير‭ ‬والعطاء‭ ‬والإحسان‭ ‬والتسامح‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الأبناء‭.‬

يقول‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬في‭ ‬محكم‭ ‬كتابه‭ ‬العزيز‭ (‬وَأَقِيمُوا‭ ‬الصَّلَاةَ‭ ‬وَآتُوا‭ ‬الزَّكَاةَ‭ ‬وَمَا‭ ‬تُقَدِّمُوا‭ ‬لِأَنفُسِكُم‭ ‬مِّنْ‭ ‬خَيْرٍ‭ ‬تَجِدُوهُ‭ ‬عِندَ‭ ‬اللَّهِ‭ ‬ۗ‭ ‬إِنَّ‭ ‬اللَّهَ‭ ‬بِمَا‭ ‬تَعْمَلُونَ‭ ‬بَصِيرٌ‭) ‬صدق‭ ‬الله‭ ‬العظيم‭. ‬

وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬جميعاً‭ ‬بألف‭ ‬خير‭ ‬وعافيّة‭.‬