طاعة‭ ‬السلطة‭ ‬وأساليب‭ ‬الاعتراض‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الاجتماعي‭ (‬4‭)‬

| أحمد المرباطي

هذا‭ ‬المقال‭ ‬محاولة‭ ‬أيضا‭ ‬لدراسة‭ ‬أزمة‭ ‬التيارات‭ ‬العلمانية‭ ‬العربية،‭ ‬ومدى‭ ‬توافق‭ ‬شعاراتها‭ ‬وأفعالها‭ ‬وتحالفاتها‭ ‬وتوجهاتها‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬أنتجه‭ ‬الفلاسفة‭ ‬والمفكرون‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬بدراسة‭ ‬مصطلحات‭ ‬ظهرت‭ ‬لنا‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬كـ‭ (‬الثورة،‭ ‬العصيان‭ ‬المدني،‭ ‬الطاعة،‭ ‬السلطة،‭ ‬العدالة،‭ ‬الظلم،‭ ‬المعارضة،‭ ‬الموالاة،‭ ‬العلمانية،‭ ‬الديمقراطية،‭ ‬الليبرالية،‭ ‬الشيوعية،‭ ‬الطائفية‭...)‬،‭ ‬لنعرف‭ ‬هل‭ ‬التيارات‭ ‬التي‭ ‬تدعي‭ ‬العلمانية‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬هي‭ ‬بالفعل‭ ‬علمانية،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬علمانيتها‭ ‬لا‭ ‬تعدو‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬استهلاكا‭ ‬ثقافيا‭ ‬موضوعا‭ ‬في‭ ‬بوتيك‭ ‬الجمعيات‭ ‬والأحزاب‭ ‬التي‭ ‬تسمي‭ ‬نفسها‭ ‬تيارات‭ ‬وطنية‭ ‬ديمقراطية‭. ‬وعنوان‭ ‬مقالنا‭ ‬جاء‭ ‬ليبين‭ ‬مدى‭ ‬أهمية‭ ‬الحفاظ‭ ‬والالتزام‭ ‬بطاعة‭ ‬القانون،‭ ‬والأطر‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬اتخاذها‭ ‬للإصلاح،‭ ‬لذلك‭ ‬لابد‭ ‬أولا‭ ‬ولكي‭ ‬نحيط‭ ‬بعنوان‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬أن‭ ‬نحدد‭ ‬مفهوم‭ ‬المصطلحات‭ ‬التي‭ ‬أشرنا‭ ‬لها،‭ ‬ونبدؤها‭ ‬بدراسة‭ ‬مفهوم‭ ‬السلطة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬معرفة‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬السلطة‭ ‬ظالمة‭ ‬أو‭ ‬عادلة،‭ ‬ولابد‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬مفهوم‭ ‬العدل‭ ‬والظلم،‭ ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬السلطة‭ ‬ظالمة‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الذي‭ ‬سنحدده‭ ‬فلابد‭ ‬لنا‭ ‬أن‭ ‬ندرس‭ ‬مدى‭ ‬وجوب‭ ‬طاعتها‭ ‬من‭ ‬عدمه،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ندرس‭ ‬مفهوم‭ ‬المعارضة‭ ‬لأن‭ ‬المعارضة‭ ‬لا‭ ‬تتجه‭ ‬إلا‭ ‬لسلطة‭ ‬ظالمة،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬دراسة‭ ‬وسائل‭ ‬وأساليب‭ ‬الاعتراض‭ ‬وهل‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬الثورة‭ ‬أو‭ ‬العصيان‭ ‬المدني‭ ‬وذلك‭ ‬بالمقارنة‭ ‬بين‭ ‬الأفكار‭ ‬والمدارس‭ ‬الغربية‭ ‬لنصل‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬محددة‭ ‬هي‭ ‬هدف‭ ‬هذه‭ ‬الدراسة‭.‬

فقد‭ ‬أشغل‭ ‬الفكر‭ ‬الفلسفي‭ ‬القديم‭ ‬أو‭ ‬المعاصر‭ ‬بسؤال‭ ‬مهم‭ ‬ألا‭ ‬وهو‭ (‬هل‭ ‬يلزم‭ ‬الشخص‭ ‬بإطاعة‭ ‬القانون‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬عادل‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬حقوقه‭ ‬أن‭ ‬يرفض‭ ‬اتباع‭ ‬القانون‭ ‬متى‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬عادل؟‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬الشخص‭ ‬ملزما‭ ‬باتباع‭ ‬القانون‭ ‬أيا‭ ‬كان،‭ ‬عادلا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬عادل،‭ ‬فهل‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬القبول‭ ‬بالواقع‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تغيير؟‭ ‬لكن‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الجائز‭ ‬رفض‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقانون‭ ‬متى‭ ‬كان‭ ‬غير‭ ‬عادل‭ ‬ألا‭ ‬يؤدي‭ ‬ذلك‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬الفوضى؟‭ ‬ثم‭ ‬من‭ ‬يحدد‭ ‬ما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬القانون‭ ‬عادلا‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬عادل؟‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الجائز‭ ‬رفض‭ ‬الالتزام‭ ‬بالقانون‭ ‬غير‭ ‬العادل‭ ‬فما‭ ‬هي‭ ‬الوسائل‭ ‬التي‭ ‬يجوز‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تغيير‭ ‬هذا‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬الاعتراض‭ ‬عليه؟‭ ‬إن‭ ‬الإجابة‭ ‬ليست‭ ‬أمرا‭ ‬سهلا،‭ ‬فهي‭ ‬تختلف‭ ‬بين‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الفلسفية‭ ‬والآراء‭ ‬المطروحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬وربما‭ ‬تختلف‭ ‬أيضا‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬ومن‭ ‬زمن‭ ‬إلى‭ ‬آخر،‭ ‬ولابد‭ ‬أن‭ ‬نبين‭ ‬ابتداء‭ ‬معنى‭ ‬العدل‭ ‬وفيما‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬معيارا‭ ‬لقياس‭ ‬القانون‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬قاعدة‭ ‬موضوعية‭ ‬لذاته،‭ ‬ثم‭ ‬نعرض‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الفلسفية‭ ‬التي‭ ‬سيقت‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬مدى‭ ‬وجوب‭ ‬اتباع‭ ‬القانون‭. ‬

إن‭ ‬ضرورات‭ ‬هذا‭ ‬الموضوع‭ ‬لا‭ ‬تغني‭ ‬عن‭ ‬مقارنة‭ ‬الأفكار‭ ‬الفلسفية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬بحثت‭ ‬وسبرت‭ ‬غور‭ ‬هذه‭ ‬المسألة،‭ ‬بما‭ ‬أنتجته‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬مرتبطة‭ ‬ومتعلقة‭ ‬بهذا‭ ‬الموضوع،‭ ‬فقد‭ ‬تعددت‭ ‬المدارس‭ ‬الفلسفية‭ ‬التي‭ ‬بحثت‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬العدل‭ ‬وأسباب‭ ‬طاعة‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬نبحثها‭ ‬واحدة‭ ‬واحدة‭ ‬ونقارنها‭ ‬بالمدارس‭ ‬الفقهية‭ ‬والفلسفية‭ ‬الإسلامية‭ ‬لنصل‭ ‬إلى‭ ‬نتائج‭ ‬محددة‭ ‬على‭ ‬ضوء‭ ‬مقارنة‭ ‬مميزات‭ ‬كل‭ ‬مدرسة‭ ‬من‭ ‬المدارس‭ ‬التي‭ ‬سنبحثها‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬مقالاتنا‭ ‬القادمة‭.‬