الاستفزاز إلى الصفقة في موازين استدراج المواجهة العسكرية الأميركية الإيرانية (3)

| راغدة درغام

تدرك‭ ‬روسيا‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬الرئيسية‭ ‬الأساسية‭ ‬ليست‭ ‬نتيجة‭ ‬المطالب‭ ‬أو‭ ‬الإجراءات‭ ‬الأميركية‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬عمقها‭ ‬نتيجة‭ ‬إصرار‭ ‬قيادة‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬مرشد‭ ‬الجمهورية‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭ ‬–على‭ ‬مبادئ‭ ‬النظام‭ ‬الثيوقراطي‭ ‬ومشروع‭ ‬تصديره‭ ‬لغايات‭ ‬توسعية‭ ‬عبر‭ ‬ميليشيات‭ ‬تابعة‭ ‬لطهران،‭ ‬وإصرارها‭ ‬على‭ ‬التمسّك‭ ‬ببرنامج‭ ‬الصواريخ‭ ‬بعيدة‭ ‬المدى‭ ‬ورفض‭ ‬تعديل‭ ‬الاتفاقية‭ ‬النووية،‭ ‬هنا‭ ‬تبرز‭ ‬صعوبة‭ ‬إيجاد‭ ‬فسحة‭ ‬لتفاهمات‭ ‬أميركية‭ ‬–‭ ‬إيرانية‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬الحوار‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬مطالب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬متناقضة‭ ‬جذرياً،‭ ‬لذلك‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬القناة‭ ‬السرّية‭ ‬–‭ ‬إذا‭ ‬توصّل‭ ‬الطرفان‭ ‬إلى‭ ‬قرار‭ ‬التراجع‭ ‬المشترك‭ ‬عن‭ ‬شفير‭ ‬الحرب‭ ‬–‭ ‬لأن‭ ‬التفاوض‭ ‬علناً‭ ‬سيكون‭ ‬بطبيعته‭ ‬تصعيدياً‭ ‬ولن‭ ‬يترك‭ ‬لأي‭ ‬من‭ ‬الطرفين‭ ‬هامش‭ ‬التراجع‭ ‬الضروري‭. ‬

القيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬واثقة‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬سيوافق،‭ ‬كسلفه،‭ ‬على‭ ‬المطلبين‭ ‬الأساسيين‭ ‬للنظام‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬وهما‭ ‬“شرعيته”‭ ‬و”مشاريعه”‭ ‬الإقليمية‭ ‬مقابل‭ ‬تفاهمات‭ ‬ثنائية‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬العلاقة‭ ‬الأميركية‭ ‬–‭ ‬الإيرانية‭ ‬ومقابل‭ ‬تعديلات‭ ‬إيرانية‭ ‬طفيفة‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الاتفاقية‭ ‬النووية‭ ‬والصواريخ‭ ‬الباليستية،‭ ‬وهذا‭ ‬ليس‭ ‬مستبعداً‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬أنماط‭ ‬المواقف‭ ‬الرئاسية‭ ‬الأميركية‭ ‬درساً‭. ‬إنما،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬ليس‭ ‬رئيساً‭ ‬تقليدياً‭ ‬بل‭ ‬صعب‭ ‬جداً‭ ‬توقّع‭ ‬قراراته‭ ‬الانفرادية،‭ ‬فهو‭ ‬أوضح‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬هو‭ ‬الصفقة‭ ‬وليس‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭. ‬خامنئي‭ ‬أيضاً‭ ‬يريد‭ ‬الصفقة‭ ‬مع‭ ‬ترامب‭ ‬وليس‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬أميركا‭. ‬كلاهما‭ ‬يأخذ‭ ‬الآخر‭ ‬إلى‭ ‬شفير‭ ‬الحرب،‭ ‬وفي‭ ‬ذهنه‭ ‬الصفقة‭.‬

الأولوية‭ ‬الإيرانية‭ ‬هي‭ ‬صيانة‭ ‬النظام‭ ‬داخلياً‭ ‬ومشاريعه‭ ‬الإقليمية‭ ‬ونموذجه‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬إنشاء‭ ‬جيوش‭ ‬غير‭ ‬نظامية‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬مرجعيتها‭ ‬طهران،‭ ‬كما‭ ‬“حزب‭ ‬الله”‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬رهان‭ ‬القيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الحزب‭ ‬الديموقراطي‭ ‬والكونغرس‭ ‬الأميركي‭ ‬الذي‭ ‬سيصعّب‭ ‬قرار‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب،‭ ‬إنما‭ ‬رهانها‭ ‬الأبرز‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬الإعلام‭ ‬الأميركي‭ ‬الذي‭ ‬اصّطف‭ ‬بمعظمه‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬العد‭ ‬العكسي‭ ‬إلى‭ ‬المواجهة‭ ‬في‭ ‬تبرئة‭ ‬كاملة‭ ‬للقيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬مدهشة‭ ‬في‭ ‬انحيازها‭ ‬لطهران‭.‬

شعبياً،‭ ‬حروب‭ ‬إيران‭ ‬الإقليمية‭ ‬لا‭ ‬يكترث‭ ‬بها‭ ‬الأميركيون‭ ‬عامة‭ ‬سيما‭ ‬وسط‭ ‬حملة‭ ‬إعلامية‭ ‬ضد‭ ‬السعودية‭ ‬تتجاهل‭ ‬كلياً‭ ‬مشروع‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬التوسعي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬واليمن‭. ‬الذاكرة‭ ‬الأميركية‭ ‬انتقائية‭ ‬يوجهها‭ ‬الإعلام‭ ‬الذي‭ ‬نصّب‭ ‬إسقاط‭ ‬ترامب‭ ‬من‭ ‬الرئاسة‭ ‬هدفاً‭ ‬له‭ ‬ويكن‭ ‬له‭ ‬الكراهية‭ ‬المطلقة،‭ ‬فلا‭ ‬يهم‭ ‬الأميركيين‭ ‬احتواء‭ ‬مشاريع‭ ‬إيران‭ ‬التوسعية‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬العربية،‭ ‬بل‭ ‬هذا‭ ‬آخر‭ ‬همّهم،‭ ‬ما‭ ‬يريدونه‭ ‬هو‭ ‬استبعاد‭ ‬تورط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬حروب‭ ‬الآخرين‭ ‬ولا‭ ‬يريدون‭ ‬حرباً‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬السبب‭ ‬–‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تستخدمه‭ ‬طهران‭ ‬في‭ ‬استراتيجيتها‭.‬

أولى‭ ‬مكافآت‭ ‬التعنّت‭ ‬والتصلّب‭ ‬ورفض‭ ‬المرونة‭ ‬والإصرار‭ ‬على‭ ‬نموذج‭ ‬الميليشيات‭ ‬لسحق‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬الأخرى‭ ‬التي‭ ‬تتمناها‭ ‬طهران‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬طبول‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬إلى‭ ‬إقالة‭ ‬أو‭ ‬استقالة‭ ‬مستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬جون‭ ‬بولتون‭ ‬الذي‭ ‬عكفت‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الأميركية‭ ‬على‭ ‬تصنيفه‭ ‬رأس‭ ‬الحربة‭ ‬في‭ ‬السعي‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬طهران‭.‬

ما‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬القيادة‭ ‬الإيرانية‭ ‬بات‭ ‬واضحاً‭ ‬وهو‭ ‬أن‭ ‬على‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬التراجع‭ ‬عن‭ ‬مطالبة‭ ‬طهران‭ ‬بإصلاح‭ ‬سلوكها،‭ ‬وأن‭ ‬العبء‭ ‬على‭ ‬أكتافه‭ ‬في‭ ‬قرار‭ ‬الحرب‭ ‬المكلف‭ ‬له‭ ‬أميركياً‭ ‬ودولياً‭. ‬وما‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬ذهن‭ ‬الرئيس‭ ‬الأميركي‭ ‬هو‭ ‬التصعيد‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬لتعرية‭ ‬استراتيجية‭ ‬استدراج‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬المواجهة‭ ‬العسكرية‭ ‬عمداً‭ ‬لإنقاذ‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬تداعيات‭ ‬العقوبات،‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬لكل‭ ‬حادث‭ ‬حديث،‭ ‬والأمر‭ ‬يعتمد‭ ‬كثيراً‭ ‬على‭ ‬الجولة‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬استراتيجية‭ ‬التصعيد‭ ‬والاستفزاز‭ ‬الإيرانية‭. ‬“إيلاف”‭.‬