في ذكرى استشهاد الإمام علي بن أبي طالب

| عبدعلي الغسرة

في‭ ‬أفضل‭ ‬شهر‭ ‬وفي‭ ‬أفضل‭ ‬لياليه‭ ‬استشهد‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ ‬“عليه‭ ‬السلام”،‭ ‬وقد‭ ‬تربى‭ ‬وعاش‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬ابن‭ ‬عمه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬ونهل‭ ‬منه‭ ‬العِلم‭ ‬والحكمة‭ ‬والشجاعة‭ ‬بعد‭ ‬الإيمان،‭ ‬خاض‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المعارك‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ ‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وآله‭ ‬وسلم‭ ‬وبعده‭ ‬حتى‭ ‬لقيَ‭ ‬ربه‭ ‬مضرجًا‭ ‬بدمائه‭ ‬في‭ ‬مسجد‭ ‬الكوفة‭.‬

نستذكر‭ ‬هذه‭ ‬الشهادة‭ ‬ومعها‭ ‬حياته‭ ‬الكريمة‭ ‬التي‭ ‬عاشها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الإسلام‭ ‬ونبيه‭ ‬والمسلمين،‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬إعلاء‭ ‬شأن‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬وهبها‭ ‬شجاعته‭ ‬للدفاع‭ ‬عنها‭ ‬وعن‭ ‬أبنائها،‭ ‬نقف‭ ‬متأملين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى‭ ‬الجليلة‭ ‬الأليمة‭ ‬لرجل‭ ‬كانت‭ ‬ولادته‭ ‬وشهادته‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الله‭ ‬أثناء‭ ‬صلاته‭ ‬خاشعًا،‭ ‬ولمواقفه‭ ‬وشخصيته‭ ‬التي‭ ‬كَتَبَ‭ ‬عنها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والعُلماء‭ ‬والأدباء،‭ ‬وعدله‭ ‬الذي‭ ‬شمل‭ ‬المسلمين‭ ‬وغيرهم،‭ ‬وعطائه‭ ‬لجميع‭ ‬أبناء‭ ‬الأمة‭ ‬مُحققًا‭ ‬المساواة‭ ‬في‭ ‬توزيع‭ ‬الثروة‭ ‬بينهم‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬أديانهم،‭ ‬وعلمه‭ ‬الذي‭ ‬غرف‭ ‬منه‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬جالسهُ‭ ‬وسمع‭ ‬منهُ‭ ‬وسألهُ،‭ ‬وقضائه‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬هدايةً‭ ‬وتقويمًا‭ ‬لجميع‭ ‬المُتقاضين‭ ‬وعِلمًا‭ ‬للقضاة،‭ ‬لم‭ ‬يتعصب‭ ‬لرأيه‭ ‬أبدًا‭ ‬ولم‭ ‬ينتقم‭ ‬من‭ ‬أحدٍ‭ ‬أبدًا‭ ‬ولم‭ ‬يرد‭ ‬سائلًا‭ ‬أبدًا‭.‬

اغتيل‭ ‬قبله‭ ‬الخليفة‭ ‬الثاني‭ ‬ثم‭ ‬الثالث،‭ ‬انتهت‭ ‬حياتهم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سادت‭ ‬النزاعات‭ ‬والصراعات،‭ ‬صراعات‭ ‬زرعها‭ ‬أعداء‭ ‬الأمة‭ ‬للنيل‭ ‬منها‭ ‬ومن‭ ‬أبنائها،‭ ‬ومن‭ ‬رسالتها‭ ‬الخالدة،‭ ‬نزاعات‭ ‬تستفيد‭ ‬منها‭ ‬كل‭ ‬القوى‭ ‬الطامعة‭ ‬والانتهازية‭ ‬التي‭ ‬خسرت‭ ‬مواقعها‭ ‬بالأمس‭ ‬ورغبت‭ ‬باستردادها‭ ‬اليوم‭ ‬لاستبدال‭ ‬نهج‭ ‬الحق‭ ‬بمبادئه‭ ‬وأخلاقه‭ ‬بنهج‭ ‬الباطل‭ ‬والكذب‭ ‬والغدر،‭ ‬نزاعات‭ ‬وصراعات‭ ‬جاءت‭ ‬حلولها‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬وقرآنه‭ ‬المجيد،‭ ‬حلول‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬التعصب‭ ‬والكره‭ ‬والحقد‭ ‬والاستئثار‭. ‬إن‭ ‬اغتيال‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬“عليه‭ ‬السلام”‭ ‬والكثير‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬والعُلماء‭ ‬الإنسانيين‭ ‬العُظماء‭ ‬باختلاف‭ ‬عطاءاتهم‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬السيف‭ ‬لم‭ ‬يُحقق‭ ‬يومًا‭ ‬حلًا،‭ ‬ولم‭ ‬تحقق‭ ‬الجرائم‭ ‬يومًا‭ ‬العدالة،‭ ‬ولم‭ ‬يُحقق‭ ‬العُنف‭ ‬يومًا‭ ‬السلام‭.‬

إن‭ ‬الضلالية‭ ‬العَمياء‭ ‬تهدف‭ ‬لإبقاء‭ ‬الأمة‭ ‬في‭ ‬ظلام‭ ‬دامس‭ ‬ليقيدوها‭ ‬بانحرافهم‭ ‬وفسادهم،‭ ‬فهؤلاء‭ ‬لا‭ ‬يجرؤون‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬النور‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬عتمة‭ ‬الليل،‭ ‬فتلك‭ ‬الفئة‭ ‬القاتلة‭ ‬استقبلت‭ ‬الباطل‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافها‭ ‬ونيل‭ ‬بغيتها،‭ ‬فخسرت‭ ‬بذلك‭ ‬الدُنيا‭ ‬والآخرة،‭ ‬وفاز‭ ‬الضحايا‭ ‬بالشهادة‭ ‬والثبات‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬والثبات‭ ‬على‭ ‬الحق،‭ ‬وأرست‭ ‬شهادتهم‭ ‬مداميك‭ ‬رسالة‭ ‬الأمة‭ ‬الخالدة،‭ ‬وظلت‭ ‬ذكراهم‭ ‬باقية‭ ‬في‭ ‬الدنيا‭ ‬وسعيدة‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭.‬