إذا تحركت أميركا فابحث عن الصين!

| خالد عبدالعزيز النزر

منذ‭ ‬تولي‭ ‬ترامب‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬وبدء‭ ‬احتكاكاته‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬المباشرة‭ ‬والقوية‭ ‬مع‭ ‬الصين،‭ ‬بدأ‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬السياسيين‭ ‬والاستراتيجيين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يبحثون‭ ‬ويكتبون‭ ‬عن‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬ومستقبلها‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬على‭ ‬باقي‭ ‬دول‭ ‬العالم،‭ ‬خصوصاً‭ ‬المناطق‭ ‬الحيوية‭ ‬كمنطقتنا،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬القلق‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬اليوم،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬قديم‭ ‬وفي‭ ‬تصاعد‭ ‬كبير،‭ ‬ولعل‭ ‬المراقبين‭ ‬للوضع‭ ‬داخل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬يلمسون‭ ‬الاهتمام‭ ‬البالغ‭ ‬بالشأن‭ ‬الصيني،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬أو‭ ‬مراكز‭ ‬الأبحاث،‭ ‬وعلى‭ ‬ألسن‭ ‬كبار‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬والسياسيين‭ ‬والعسكريين‭ ‬الأميركيين‭. ‬

التاريخ‭ ‬مليء‭ ‬بأحداث‭ ‬صعود‭ ‬الدول‭ ‬والامبراطوريات‭ ‬وهبوطها،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬اليوم‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬–‭ ‬الموثق‭ - ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬قوة‭ ‬صعودها،‭ ‬ويكفي‭ ‬معرفة‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭ ‬كان‭ ‬احتياطها‭ ‬النقدي‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬سوى‭ ‬سدس‭ ‬الاحتياط‭ ‬الأميركي،‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬وصل‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬25‭ ‬ضعفا‭! ‬وكان‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الصيني‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬10‭ % ‬من‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي‭ ‬الأميركي‭ ‬بينما‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬تجاوز‭ ‬60‭ % ‬مقوماً‭ ‬بالدولار،‭ ‬أما‭ ‬بحسب‭ ‬القوة‭ ‬الشرائية‭ ‬فقد‭ ‬تجاوز‭ ‬حالياً‭ ‬الناتج‭ ‬الأميركي‭. ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬العسكري‭ ‬أصبحت‭ ‬الصين‭ ‬تهدد‭ ‬سيطرة‭ ‬أميركا‭ ‬وحلفائها‭ ‬على‭ ‬المحيط‭ ‬الهادي‭ ‬وخصوصاً‭ ‬جزر‭ ‬وممرات‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬وبالأخص‭ ‬“مضيق‭ ‬ملقه”‭.‬

ما‭ ‬علاقتنا‭ ‬نحن‭ ‬بكل‭ ‬ذلك؟‭ ‬أولاً‭ ‬فلنعلم‭ ‬بأنه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2025‭ ‬فإن‭ ‬90‭ % ‬من‭ ‬نفط‭ ‬وغاز‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬سوف‭ ‬يعبر‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي،‭ ‬طبيعة‭ ‬الصراع‭ ‬مبنية‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصين‭ ‬تحاول‭ ‬تغيير‭ ‬قواعد‭ ‬اللعبة‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬بعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الممرات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬للتجارة‭ ‬العالمية‭ ‬ومنها‭ ‬الطاقة‭. ‬أميركا‭ ‬تنتشر‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭ ‬بأسطولها‭ ‬السابع‭ ‬الذي‭ ‬يحوي‭ ‬‮٢٨٠‬‭ ‬قطعة‭ ‬بحرية‭ ‬لحماية‭ ‬حلفائها‭ ‬وضمان‭ ‬الممرات‭ ‬الدولية‭ ‬لتجارتهم،‭ ‬وهي‭ ‬تسيطر‭ ‬بالكامل‭ ‬على‭ ‬مضيق‭ ‬ملقه‭ ‬الذي‭ ‬يمثل‭ ‬شريان‭ ‬الحياة‭ ‬للصين،‭ ‬تواجه‭ ‬الصين‭ ‬ذلك‭ ‬بتأسيسها‭ ‬أسطولاً‭ ‬ضخماً‭ ‬بلغ‭ ‬‮٣٢٠‬‭ ‬قطعة،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تعاملت‭ ‬بشراسة‭ ‬مع‭ ‬جيرانها‭ ‬حلفاء‭ ‬أميركا‭ ‬حيث‭ ‬أزاحت‭ ‬الأسطول‭ ‬الفلبيني‭ ‬وطردت‭ ‬الفيتناميين‭ ‬من‭ ‬جزرهم،‭ ‬وهي‭ ‬تيسطر‭ ‬حالياً‭ ‬على‭ ‬حوالي‭ ‬95‭ % ‬من‭ ‬جزر‭ ‬هذا‭ ‬البحر‭. ‬

ما‭ ‬يقلق‭ ‬أميركا‭ ‬وقوى‭ ‬عالمية‭ ‬أخرى‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬“الحزام‭ ‬والطريق”‭ ‬الذي‭ ‬سيكون‭ ‬لمنطقتنا‭ ‬دور‭ ‬رئيس‭ ‬في‭ ‬عمله‭ ‬ونجاحه،‭ ‬والذي‭ ‬سينقذ‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬القبضة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي،‭ ‬وسيفتح‭ ‬لها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الطرق‭ ‬والممرات‭. ‬أما‭ ‬القلق‭ ‬الأميركي‭ ‬والدولي‭ ‬فهو‭ ‬اعتقادهم‭ ‬بأن‭ ‬الصين‭ ‬لها‭ ‬طموحات‭ ‬سياسية‭ ‬طويلة‭ ‬المدى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬للسيطرة‭ ‬على‭ ‬أغلب‭ ‬مناطق‭ ‬العالم‭ ‬الحيوية‭ ‬ومنها‭ ‬منطقتنا،‭ ‬خصوصاً‭ ‬أنها‭ ‬بدأت‭ ‬مؤخراً‭ ‬إنشاء‭ ‬قواعد‭ ‬عسكرية‭ ‬خارج‭ ‬حدودها‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭. ‬أول‭ ‬وأهم‭ ‬سبب‭ ‬لاهتمام‭ ‬أميركا‭ ‬بمنطقتنا‭ ‬حالياً‭ ‬هو‭ ‬الصين‭ ‬والطاقة‭ ‬التي‭ ‬تغذيها،‭ ‬ثم‭ ‬تأتي‭ ‬الأسباب‭ ‬الأخرى‭.‬

“القلق‭ ‬الأميركي‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬في‭ ‬تصاعد‭ ‬كبير،‭ ‬والمراقبون‭ ‬يلمسون‭ ‬ذلك،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الإعلام‭ ‬الأميركي‭ ‬أو‭ ‬مراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬ألسن‭ ‬كبار‭ ‬الاقتصاديين‭ ‬والسياسيين‭ ‬والعسكريين”‭.‬