طاعة السلطة وأساليب المعارضة في الفكر الاجتماعي (3)

| أحمد المرباطي

بينا‭ ‬سابقا‭ ‬تجربة‭ ‬الجماعات‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬وسيطرت‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬العراقي،‭ ‬لكن‭ ‬بالرجوع‭ ‬إلى‭ ‬تجربة‭ ‬البعث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬سابقا‭ ‬فإنها‭ ‬تختلف‭ ‬اختلافا‭ ‬جذريا،‭ ‬فقد‭ ‬خاض‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬حروبا‭ ‬طاحنة‭ ‬وتعرض‭ ‬العراق‭ ‬لحصار‭ ‬شديد،‭ ‬لكن‭ ‬العراق‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬خلال‭ ‬عهده‭ ‬الذي‭ ‬امتد‭ ‬إلى‭ ‬32‭ ‬عاما‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬عراق‭ ‬اليوم‭ ‬خلال‭ ‬حكم‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬من‭ ‬فساد‭ ‬وتخلف‭ ‬ومجاعات‭ ‬وتمزيق‭ ‬المجتمع‭ ‬إلى‭ ‬طوائف‭ ‬ثم‭ ‬القتل‭ ‬والتهجير‭ ‬والتشريد‭ ‬وسقوط‭ ‬منظومة‭ ‬القيم،‭ ‬فهذه‭ ‬الجماعات‭ ‬جعلت‭ ‬الصراع‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬حكم‭ ‬النظام‭ ‬السابق‭ ‬صراعا‭ ‬سياسيا‭ ‬قائما‭ ‬ضد‭ ‬الاستبداد،‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬طائفي،‭ ‬حيث‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الموازين‭ ‬طائفية‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬موازين‭ ‬الولاء‭ ‬لحزب‭ ‬البعث‭ ‬وقيادته‭ ‬السياسية،‭ ‬فمن‭ ‬كان‭ ‬يوالي‭ ‬السلطة‭ ‬القائمة‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ (‬عرقه،‭ ‬دينه،‭ ‬طائفته‭) ‬كان‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬النظام،‭ ‬فمثلا‭ ‬التمرد‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1991‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬وشمال‭ ‬العراق‭ ‬كان‭ ‬القائد‭ ‬الميداني‭ ‬الذي‭ ‬قمع‭ ‬التمرد‭ ‬هو‭ ‬محمود‭ ‬حمزة‭ ‬الزبيدي،‭ ‬وكان‭ ‬شيعيا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القبائل‭ ‬الشيعية‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬التي‭ ‬وقفت‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬صدام‭ ‬حسين‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ذلك‭ ‬التمرد،‭ ‬ويضاف‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬القوات‭ ‬الأمنية‭ ‬للنظام‭ ‬كانت‭ ‬من‭ ‬الطائفتين‭ ‬السنية‭ ‬والشيعية،‭ ‬وكذلك‭ ‬كان‭ ‬قادة‭ ‬الحرس‭ ‬الجمهوري‭ ‬والقوات‭ ‬الخاصة‭ ‬وكان‭ ‬المعيار‭ ‬الرئيسي‭ ‬لاختيارهم‭ ‬الولاء‭ ‬للرئيس‭ ‬وحزب‭ ‬البعث،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬نظام‭ ‬البعث‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬طائفيا،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬تبرير‭ ‬بعض‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬النظام‭ ‬العراقي،‭ ‬لكن‭ ‬تحويل‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬صراع‭ ‬طائفي‭ ‬هو‭ ‬تحويل‭ ‬منظم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬المدجنة‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬والتي‭ ‬تعمل‭ ‬لصالح‭ ‬مشروع‭ ‬إيران‭ ‬العنصري‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وحاولت‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬التجربة‭ ‬العراقية‭ ‬لوجود‭ ‬قناعة‭ ‬بأنها‭ ‬أم‭ ‬المشاكل‭ ‬والسبب‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬ظهور‭ ‬تيارات‭ ‬متوحشة‭ ‬سنية،‭ ‬حازت‭ ‬على‭ ‬تعاطف‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬مكونات‭ ‬الطائفة‭ ‬السنية‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬حكم‭ ‬الجماعات‭ ‬الطائفية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والتي‭ ‬أخذت‭ ‬تنتهج‭ ‬نهج‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬الحاكمة‭ ‬بشنها‭ ‬حربا‭ ‬طائفية‭ ‬على‭ ‬مكونات‭ ‬معينة‭ ‬من‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي،‭ ‬وهذه‭ ‬الممارسات‭ ‬لم‭ ‬تأت‭ ‬بالوبال‭ ‬على‭ ‬مكون‭ ‬معين‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬ككل‭.‬

كانت‭ ‬التيارات‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الانتماء‭ ‬سلما‭ ‬للوثوب‭ ‬والتمسك‭ ‬بالسلطة‭ ‬عبر‭ ‬التخويف‭ ‬الدائم‭ ‬من‭ ‬الآخر،‭ ‬وعليه‭ ‬فإن‭ ‬التعرض‭ ‬للظلم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬مكون‭ ‬ينتمي‭ ‬لطائفة‭ ‬معينة‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬كلها‭ ‬كذلك،‭ ‬ولا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬الإتيان‭ ‬بمشروع‭ ‬طائفي‭ ‬لمجابهة‭ ‬مشروع‭ ‬طائفي‭ ‬مقيت،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬بعض‭ ‬المكونات‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬للطائفة‭ ‬السنية‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬بتأييد‭ ‬داعش‭ ‬بذات‭ ‬الأسلوب‭ ‬وذات‭ ‬العقلية‭ ‬وذات‭ ‬الممارسات‭ ‬الطائفية‭ ‬بحق‭ ‬أبناء‭ ‬الطوائف‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬المشروعان‭ ‬وجهان‭ ‬لعملة‭ ‬واحدة‭ ‬وليس‭ ‬الحل‭ ‬بأن‭ ‬تعالج‭ ‬الخطأ‭ ‬بالخطأ،‭ ‬إنما‭ ‬بالعودة‭ ‬للمشروع‭ ‬الوطني‭ ‬وليس‭ ‬الارتهان‭ ‬لدول‭ ‬أخرى‭ ‬لا‭ ‬تهدف‭ ‬إلا‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬مصالحها،‭ ‬وهذه‭ ‬الأمراض‭ (‬الطائفية‭  - ‬الاجتماعية‭ ‬–‭ ‬السياسية‭) ‬أخذت‭ ‬بالانتشار‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أوجب‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬طاعة‭ ‬السلطة‭ ‬وأساليب‭ ‬الاعتراض‭ ‬في‭ ‬الفكر‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وللموضوع‭ ‬تتمة‭.‬