ذرائع

حارثة القمر

| غسان الشهابي

لن‭ ‬أكون‭ ‬أول‭ ‬الكاتبين،‭ ‬ولا‭ ‬آخرهم‭ ‬طبعا،‭ ‬في‭ ‬مسألة‭ ‬فوز‭ ‬الروائية‭ ‬العمانية‭ ‬جوخة‭ ‬الحارثي،‭ ‬بجائزة‭ ‬مان‭ ‬بوكر‭ ‬العالمية،‭ ‬حيث‭ ‬ارتفع‭ ‬فجأة‭ ‬اللغط‭ ‬حول‭ ‬الرواية‭ ‬والروائية‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يرتفع‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬كما‭ ‬ارتفعت‭ ‬أسهم‭ ‬الرواية‭ ‬ومبيعاتها‭ ‬فجأة‭ ‬أيضاً،‭ ‬وصارت‭ ‬مدار‭ ‬الحديث‭ ‬لدى‭ ‬عشاق‭ ‬الرواية‭ ‬الكثر‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬إذ‭ ‬صار‭ ‬فعل‭ ‬القراءة‭ ‬–‭ ‬لدى‭ ‬شريحة‭ ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬بها‭ ‬ممن‭ ‬أعرف‭ ‬–‭ ‬تعني‭ ‬الرواية‭ ‬حصراً‭. ‬فمن‭ ‬سوء‭ ‬حظي‭ ‬عندما‭ ‬كنت‭ ‬شغوفاً‭ ‬بالرواية‭ ‬في‭ ‬الثمانينات‭ ‬الفارطة،‭ ‬كنت‭ ‬أزور‭ ‬المكتبة‭ ‬وأرى‭ ‬الرفوف‭ ‬نفسها‭ ‬لا‭ ‬تتجدد،‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬فلا‭ ‬يكاد‭ ‬المرء‭ ‬يحفظ‭ ‬الجديد‭ ‬من‭ ‬الروائيين‭ ‬والروايات‭ ‬التي‭ ‬تنهال‭ ‬على‭ ‬الرفوف‭ ‬شهرياً‭.‬

في‭ ‬قراءاتي‭ ‬للنظريات‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬مواضيع‭ ‬مختلفة‭ (‬ولست‭ ‬أزعم‭ ‬تمام‭ ‬العلم‭ ‬نشأتها‭) ‬أجد‭ ‬النظرية‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬فكرة‭ ‬شبه‭ ‬مكتملة،‭ ‬يطلقها‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬–‭ ‬أستاذ‭ ‬جامعي،‭ ‬أو‭ ‬مؤلف‭ ‬معروف،‭ ‬ويدور‭ ‬حولها‭ ‬نقاش،‭ ‬بين‭ ‬أقصى‭ ‬التأييد‭ ‬وأقصى‭ ‬المعارضة‭ ‬والتفنيد،‭ ‬وما‭ ‬بين‭ ‬الفريقين‭ ‬من‭ ‬المناقشين،‭ ‬حتى‭ ‬يشتد‭ ‬عود‭ ‬الفكرة‭ ‬ويصلب،‭ ‬فتنتصب‭ ‬نظرية‭ ‬متكاملة‭ ‬احتضنتها‭ ‬الآراء‭ ‬ولم‭ ‬تنفس‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬تحسدها‭ ‬أو‭ ‬تستصغرها‭. ‬وبطبيعة‭ ‬الحال،‭ ‬فدائماً‭ ‬يوجد‭ ‬هناك‭ ‬المرضى‭ ‬والحسّاد‭ ‬والمتشائمون‭ ‬والذين‭ ‬يريدون‭ ‬أن‭ ‬يجرّوا‭ ‬الآخرين‭ ‬معهم‭ ‬إلى‭ ‬نفس‭ ‬مستنقعات‭ ‬الفشل‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يستطيعوا‭ ‬الخروج‭ ‬منها،‭ ‬فلا‭ ‬يطيقون‭ ‬رؤية‭ ‬ناجح‭ ‬أو‭ ‬صاعد،‭ ‬فيحاولون‭ ‬التقليل‭ ‬من‭ ‬شأنه،‭ ‬أو‭ ‬القدح‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬الناجح‭ ‬لإظهاره‭ ‬بأنه‭ ‬أمرٌ‭ ‬لا‭ ‬يستحق‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬الضجيج،‭ ‬وفي‭ ‬الغالب‭ ‬ينضم‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الفريق‭ ‬الخاسرون‭ ‬في‭ ‬السباق‭ ‬ذاته‭.‬

لكن‭ ‬ما‭ ‬صادف‭ ‬ابنة‭ ‬الحارثي‭ ‬بعد‭ ‬فوزها‭ ‬كان‭ ‬شيئاً‭ ‬عجباً،‭ ‬فإلى‭ ‬جانب‭ ‬المهنئين‭ ‬بصفاء‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬روائح‭ ‬أخرى‭ ‬تشوب‭ ‬تهانيهم،‭ ‬يستغرب‭ ‬المتابع‭ ‬من‭ ‬كمّ‭ ‬المحاولات‭ ‬لطرق‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬المشرِّف‭ ‬عربياً‭ ‬بكل‭ ‬أدوات‭ ‬الهدم‭ ‬ومعاوله،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬أقترحه‭ ‬منطلقاً‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬علمية‭ ‬نفسية‭ ‬عميقة‭ ‬لهذا‭ ‬الاستقبال‭ ‬الأشوه‭ ‬الذي‭ ‬استدعى‭ ‬معه‭ ‬كل‭ ‬المصفوفات‭ ‬المعتادة‭ ‬كثنائيات‭ ‬المركز‭ ‬العربي‭ ‬وأطرافه،‭ ‬والغيرة‭ ‬النسوية‭ ‬في‭ ‬جوانب‭ ‬منها،‭ ‬والتعالي‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬اللامعين‭ ‬الذين‭ ‬حاولوا‭ ‬الفوز‭ ‬ولو‭ ‬بجائزة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬أحيائهم‭ ‬ولم‭ ‬يفلحوا‭.‬

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ندرة‭ ‬بروزنا‭ ‬عالمياً،‭ ‬علمياً‭ ‬وفنياً‭ ‬ورياضياً‭ ‬وأدبياً‭ ‬وتشكيلياً‭ ‬وسينمائياً‭ ‬وروائياً،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الأمراض‭  ‬النفسية‭ ‬تأبى‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تطلّ‭ ‬برؤوسها‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬فوز‭ ‬أو‭ ‬تكريم‭ ‬يصادف‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جلدتنا،‭ ‬فبأسنا‭ ‬بيننا‭ ‬شديد‭!.‬