طاعة السلطة وأساليب المعارضة في الفكر الاجتماعي (2)

| أحمد المرباطي

إنما‭ ‬ينبغي‭ ‬الاعتراف‭ ‬به‭ ‬ابتداء‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬التي‭ ‬أشرنا‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬الحلقات‭ ‬السابقة،‭ ‬نجحت‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬بعيد‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬بديلا‭ ‬للاحتلال‭ ‬الأميركي،‭ ‬بما‭ ‬تعنيه‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬اعتقالات‭ ‬وإعدامات‭ ‬وفساد‭ ‬وممارسات‭ ‬طائفية،‭ ‬فخلال‭ ‬حكمها‭ ‬العراق‭ ‬وبتوجيه‭ ‬وتأييد‭ ‬منها‭ ‬بقيادة‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬وكما‭ ‬كشفت‭ ‬الوثائق‭ ‬ومنها‭ ‬وثائق‭ ‬“ويكيليكس”‭ ‬تم‭ ‬تشكيل‭ ‬وإدارة‭ ‬فرق‭ ‬للقتل‭ ‬والتعذيب‭ ‬تحت‭ ‬إشرافه‭ ‬المباشر،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إنشاء‭ ‬معتقلات‭ ‬خاصة‭ ‬تتبع‭ ‬مكتب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬العراقي‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬وزارة‭ ‬العدل‭ ‬المكلفة‭ ‬بإدارة‭ ‬السجون،‭ ‬وهذه‭ ‬الجماعات‭ ‬بقيادة‭ ‬المالكي‭ ‬ومن‭ ‬يتبعه‭ ‬تتحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬المباشرة‭ ‬في‭ ‬التسبب‭ ‬بدخول‭ ‬وانتشار‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬بالعراق،‭ ‬فهي‭ ‬المتهم‭ ‬الرئيسي‭ ‬بتسيلم‭ ‬الموصل‭ ‬دون‭ ‬قتال‭ ‬لتنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬في‭ ‬يونيو‭ ‬2014،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬لصناعة‭ ‬حرب‭ ‬وهمية‭ ‬تهدف‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬إلى‭ ‬تبرير‭ ‬الدخول‭ ‬المباشر‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وبالتالي‭ ‬سيطرتها‭ ‬المباشرة‭ ‬والفعلية‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬تحقيقا‭ ‬لمشروعها‭ ‬العنصري‭ ‬التوسعي‭.‬

نوري‭ ‬المالكي‭ ‬ومن‭ ‬معه‭ ‬أدار‭ ‬“فرقا‭ ‬للموت‭ ‬والاعتقال‭ ‬فيما‭ ‬اعتبر‭ ‬جيشا‭ ‬سريا‭ ‬موازيا‭ ‬يأتمر‭ ‬فقط‭ ‬بتوجيهاته،‭ ‬فاحتجز‭ ‬خلال‭ ‬حكمه‭ ‬وحكم‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ - ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تدعي‭ ‬إيمانها‭ ‬بقيم‭ ‬الأخوة‭ ‬الإسلامية‭ ‬وقيم‭ ‬الأخوة‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ - ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬100‭ ‬ألف‭ ‬سجين‭ ‬عراقي‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬سرية‭ ‬ترتبط‭ ‬مباشرة‭ ‬بمكتب‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬نوري‭ ‬المالكي،‭ ‬ومعظم‭ ‬هذه‭ ‬السجون‭ ‬تدار‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬المليشيات‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬ينتمي‭ ‬لها‭ ‬والمعروفة‭ ‬بأفعالها‭ ‬لا‭ ‬بشعاراتها،‭ ‬معروفة‭ ‬بوحشيتها‭ ‬واستباحتها‭ ‬التعذيب‭ ‬والقتل‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬القانون‭ ‬دون‭ ‬أية‭ ‬رقابة‭.‬

وتحقيقا‭ ‬لشعارات‭ ‬نوري‭ ‬المالكي‭ ‬والتيارات‭ ‬الطائفية‭ ‬الحليفة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬والنهضة‭ ‬الثقافية،‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬اغتيال‭ ‬350‭ ‬عالما‭ ‬نوويا‭ ‬عراقيا‭ ‬و80‭ ‬ضابط‭ ‬طيران‭ ‬من‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬العراقية”،‭ ‬وذلك‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬وثيقة‭ ‬سرية‭ ‬لويكيلكيس‭ ‬تظهر‭ ‬الدور‭ ‬الذي‭ ‬لعبته‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬“معلومات‭ ‬خاصة‭ ‬بالسير‭ ‬الذاتية‭ ‬للعلماء‭ ‬العراقيين،‭ ‬وطرق‭ ‬الوصول‭ ‬إليهم‭ ‬بغرض‭ ‬تصفيتهم”؛‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬تسليم‭ ‬“هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬إلى‭ ‬فرق‭ ‬اغتيال‭ ‬تابعة‭ ‬للموساد‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وإيران”‭.‬

وتطبيقا‭ ‬لشعارات‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬وتوجهاتها‭ ‬العلمانية‭ ‬الجميلة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬عراق‭ ‬دستوري‭ ‬ديمقراطي‭ ‬فيدرالي،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وتأكيدا‭ ‬على‭ ‬سعي‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬لتحقيق‭ ‬وحدة‭ ‬العراق‭ ‬أرضا‭ ‬وشعبا‭ ‬وسيادة‭ ‬قامت‭ ‬بالتنسيق‭ ‬المباشر‭ ‬مع‭ ‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‭ ‬لتصفية‭ ‬شخصيات‭ ‬عراقية‭ ‬خصوصا‭ ‬البرلمانية‭ ‬منها،‭ ‬وأخيرا‭ ‬وباعتبار‭ ‬الفساد‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬الإشكاليات‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬وسعيا‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬لمكافحة‭ ‬الفساد‭ ‬وتحقيق‭ ‬العدالة‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬اختلس‭ ‬في‭ ‬عهدها‭ ‬وأثناء‭ ‬حكمها‭ ‬للعراق‭ ‬ما‭ ‬يزيد‭ ‬عن‭ ‬350‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬هذا‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الولاية‭ ‬الأولى‭ ‬للمالكي‭.‬

“كان‭ ‬هدف‭ ‬الحرب‭ ‬الوهمية‭ ‬تبرير‭ ‬الدخول‭ ‬المباشر‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬وفرض‭ ‬سيطرتها‭ ‬وتحقيق‭ ‬مشروعها‭ ‬العنصري‭ ‬التوسعي”‭.‬