زبدة القول

الإنترنت ميدان حرب بكل معاني الكلمة

| د. بثينة خليفة قاسم

ليست‭ ‬مبالغة‭ ‬أن‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬الإنترنت‭ ‬الآن‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬ميدان‭ ‬حرب‭ ‬حقيقية‭ ‬يتم‭ ‬إنفاق‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدول‭ ‬وأجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬التي‭ ‬تقيم‭ ‬وحدات‭ ‬ومليشيات‭ ‬وجيوشا‭ ‬إلكترونية‭ ‬كاملة‭ ‬لمهاجمة‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬بث‭ ‬الشائعات‭ ‬وتعميق‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬هذه‭ ‬الدولة‭ ‬أو‭ ‬تلك،‭ ‬وقد‭ ‬قامت‭ ‬الأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬المختصة‭ ‬في‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬الماضية‭ ‬باكتشاف‭ ‬شبكات‭ ‬معينة‭ ‬تدار‭ ‬ضد‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬قطر‭ ‬والعراق‭ ‬ودول‭ ‬أوروبية‭ ‬معينة،‭ ‬وهذا‭ ‬الاكتشاف‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬الأخير‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يركز‭ ‬على‭ ‬يقظة‭ ‬هذه‭ ‬الأجهزة‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مخاطر‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬وطبيعة‭ ‬الحروب‭ ‬الجديدة‭ ‬ووسائلها‭. ‬

ولابد‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬أن‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العصر‭ ‬وجود‭ ‬هذه‭ ‬الشبكات‭ ‬ووجود‭ ‬هذه‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تضر‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬التقليدية‭ ‬التي‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬الجيوش‭ ‬العسكرية‭ ‬والأسلحة‭ ‬التقليدية،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬مواجهة‭ ‬هذه‭ ‬النوعية‭ ‬من‭ ‬الحروب‭ ‬لا‭ ‬تحتاج‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬أجهزة‭ ‬أمنية‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬المتابعة‭ ‬والبحث‭ ‬ومواكبة‭ ‬تطورات‭ ‬العصر،‭ ‬لكنها‭ ‬تحتاج‭ ‬أيضا‭ ‬إلى‭ ‬مستوى‭ ‬عال‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬الشعبي‭ ‬وفهم‭ ‬للحروب‭ ‬الإلكترونية‭ ‬وطبيعتها‭ ‬وجيوشها‭ ‬وأسلحتها،‭ ‬لأن‭ ‬الشخص‭ ‬الموجود‭ ‬على‭ ‬الشبكة‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أداة‭ ‬لنقل‭ ‬المعلومات‭ ‬الضارة‭ ‬لنفسه‭ ‬وعائلته‭ ‬ومجتمعه‭ ‬ودولته‭.‬

فكثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬يتطوع‭ ‬بكتابة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسرار‭ ‬والمعلومات‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬وعن‭ ‬بيئته‭ ‬وظروفه‭ ‬ودولته‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يدري‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬وحدات‭ ‬إلكترونية‭ ‬معادية‭ ‬لبلده‭ ‬تتلقف‭ ‬هذه‭ ‬المعلومات‭ ‬وتقوم‭ ‬بتحليلها‭ ‬وتصنيفها‭ ‬ووضعها‭ ‬في‭ ‬ملفات‭ ‬يتم‭ ‬استخدامها‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬خطط‭ ‬الحرب‭ ‬النفسية‭ ‬والتخريب‭ ‬الفكري‭ ‬والنفسي‭ ‬لمجتمعه‭ ‬بأكمله‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬الذين‭ ‬يضرون‭ ‬بأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬بلدهم‭ ‬عن‭ ‬غير‭ ‬علم‭ ‬وعن‭ ‬غير‭ ‬وعي‭ ‬يحدثون‭ ‬هذه‭ ‬الدرجة‭ ‬من‭ ‬الضرر،‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬بمن‭ ‬يتم‭ ‬تجنيدهم‭ ‬لإمداد‭ ‬هذه‭ ‬الشبكات‭ ‬الموجودة‭ ‬خارج‭ ‬الحدود‭ ‬بالمعلومات‭ ‬ويمهدون‭ ‬سبل‭ ‬الغزو‭ ‬الفكري،‭ ‬مثل‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬وضعت‭ ‬أجهزتنا‭ ‬الأمنية‭ ‬أيديها‭ ‬عليهم‭ ‬بمثابة‭ ‬طابور‭ ‬خامس‭ ‬أو‭ ‬بمثابة‭ ‬السوس‭ ‬الذي‭ ‬ينخر‭ ‬في‭ ‬عظام‭ ‬الوطن،‭ ‬وبغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬شعارات‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحرية‭ ‬التعبير،‭ ‬فالإنترنت‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬أخطر‭ ‬وسائل‭ ‬اختراق‭ ‬الدول‭ ‬والإضرار‭ ‬بالسلم‭ ‬الأهلي،‭ ‬ولولا‭ ‬هذا‭ ‬الخطر‭ ‬الكبير‭ ‬لما‭ ‬قامت‭ ‬الصين‭ - ‬ومن‭ ‬بعدها‭ ‬روسيا‭ - ‬باستخدام‭ ‬إنترنت‭ ‬بضوابط‭ ‬معينة‭ ‬تحفظ‭ ‬لها‭ ‬أمنها‭ ‬وتحميها‭ ‬من‭ ‬هجمات‭ ‬كثيرة‭.‬