طاعة السلطة وأساليب المعارضة في الفكر الاجتماعي (1)

| أحمد المرباطي

لم‭ ‬يأت‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬إلا‭ ‬نظرا‭ ‬لحالة‭ ‬التردي‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬الأمة‭ ‬حيث‭ ‬انتشرت‭ ‬قوى‭ ‬الإرهاب‭ ‬والتطرف‭ ‬وخطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬الذي‭ ‬يتغطى‭ ‬بالطائفية‭ ‬والصراعات‭ ‬الدينية‭ ‬ويدعو‭ ‬إلى‭ ‬الفتنة‭ ‬المذهبية،‭ ‬فنجحت‭ ‬قوى‭ ‬بأفكارها‭ ‬التدميرية،‭ ‬وسيطر‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية،‭ ‬فالحالة‭ ‬العربية‭ ‬الراهنة‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬شاملة‭ ‬ووقفة‭ ‬وتظافر‭ ‬جهود‭ ‬الجميع‭ ‬للحد‭ ‬أو‭ ‬لوقف‭ ‬حالة‭ ‬التردي‭ ‬التي‭ ‬نعيشها‭ ‬الآن،‭ ‬فقد‭ ‬برزت‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬أو‭ ‬تهلهل‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬المليشيات‭ ‬والعصابات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬اختطفت‭ ‬أو‭ ‬حاولت‭ ‬اختطاف‭ ‬الدولة،‭ ‬وكانت‭ ‬غايتها‭ ‬إشاعة‭ ‬الفوضى‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬الثورة،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬العديد‭ ‬منها‭ ‬كان‭ ‬قبل‭ ‬سقوط‭ ‬الأنظمة‭ ‬يدعي‭ ‬إيمانه‭ ‬بالديمقراطية‭ ‬والأخوة‭ ‬بين‭ ‬الطوائف‭ ‬الإسلامية،‭ ‬لكن‭ ‬بمجرد‭ ‬وصول‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬للسلطة‭ ‬كشفت‭ ‬عن‭ ‬حجم‭ ‬الأحقاد‭ ‬التاريخية‭ ‬التي‭ ‬تكنها‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬للآخر،‭ ‬فهذه‭ ‬التيارات‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬تدعي‭ ‬انتماءها‭ ‬للمذهب‭ ‬السني‭ ‬أو‭ ‬المذهب‭ ‬الشيعي‭ ‬جاءت‭ ‬بذات‭ ‬المشروع،‭ ‬مشروع‭ ‬طائفي‭ ‬يهدف‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬تمزيق‭ ‬المجتمعات‭ ‬تحت‭ ‬شعارات‭ ‬طائفية‭ ‬مقيتة،‭ ‬وسنعرض‭ ‬أمثلة‭ ‬لما‭ ‬أنتجته‭ ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬من‭ ‬صرعات،‭ ‬فمثلا‭ ‬كان‭ ‬حزب‭ ‬الدعوة‭ ‬وبقية‭ ‬التيارات‭ ‬الطائفية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬العراق‭ ‬وقبل‭ ‬وصوله‭ ‬للسلطة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬في‭ ‬برامجه‭ ‬الانتخابية‭ ‬يدعي‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬شعب‭ ‬متعدد‭ ‬الأعراق‭ ‬والمذاهب‭ ‬والديانات،‭ ‬ففيه‭ ‬العرب‭ ‬والكرد‭ ‬والتركمان‭ ‬والآشوريون،‭ ‬والكرد‭ ‬الفيلية‭ ‬والشبك‭ ‬وغيرهم،‭ ‬والمسلمون‭ ‬الشيعة‭ ‬والسنة،‭ ‬والمسيحيون،‭ ‬والصابئة‭ ‬واليزيديون‭ ‬وغيرهم‭ ‬وهذه‭ ‬المكونات‭ ‬متآخية‭ ‬في‭ ‬نسق‭ ‬يشكل‭ ‬شعبا‭ ‬واحدا‭ ‬يجمعه‭ ‬العراق‭ ‬ووحدة‭ ‬المصير‭ ‬والمصالح،‭ ‬وحزب‭ ‬الدعوة‭ ‬والجماعات‭ ‬الطائفية‭ ‬المتحالفة‭ ‬معه،‭ ‬كانوا‭ ‬يدعون‭ ‬في‭ ‬بياناتهم‭ ‬وبرامجهم‭ ‬المقدمة‭ ‬للمجتمع‭ ‬العراقي‭ ‬والعربي‭ ‬والجهات‭ ‬الحقوقية‭ ‬الغربية‭ ‬أنهم‭ ‬حريصون‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬هذا‭ ‬التعدد‭ ‬واستمراره‭ ‬ضمن‭ ‬إطار‭ ‬الأخوة،‭ ‬وكنا‭ ‬دائما‭ ‬ما‭ ‬نسمع‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬في‭ ‬بياناتها‭ ‬وبرامجها‭ ‬السياسية‭ ‬ادعاءها‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬حقوقهم‭ ‬في‭ ‬المشاركة‭ ‬السياسية‭ ‬والانتخابات‭ ‬العامة‭ ‬والمحلية،‭ ‬وتخصيص‭ ‬مقاعد‭ ‬لممثليهم‭ ‬في‭ ‬الجمعية‭ ‬الوطنية‭ ‬تتناسب‭ ‬والحجم‭ ‬السكاني‭ ‬لهذه‭ ‬المكونات‭ ‬داخل‭ ‬المجتمع‭ ‬العراقي،‭ ‬وضمان‭ ‬حرية‭ ‬العبادة‭ ‬والسماح‭ ‬بممارسة‭ ‬طقوسهم‭ ‬الدينية‭ ‬واحترام‭ ‬دور‭ ‬العبادة‭ ‬الخاصة‭ ‬بهم،‭ ‬وفسح‭ ‬المجال‭ ‬لإنشاء‭ ‬مدارسهم‭ ‬وجمعياتهم‭ ‬وصحفهم‭ ‬ووسائل‭ ‬إعلامهم‭ ‬الخاصة‭ ‬ومنع‭ ‬ممارسة‭ ‬أي‭ ‬اضطهاد‭ ‬سياسي‭ ‬أو‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬عنصري‭ ‬ضدهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬السلطة‭ ‬أو‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأهلية،‭ ‬كما‭ ‬ادعت‭ ‬أنها‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬بناء‭ ‬عراق‭ ‬دستوري‭ ‬ديمقراطي‭ ‬فيدرالي،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬مع‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬وحدة‭ ‬العراق‭ ‬أرضا‭ ‬وشعبا‭ ‬وسيادة،‭ ‬يتساوى‭ ‬فيه‭ ‬المواطنون‭ ‬في‭ ‬الحقوق‭ ‬والواجبات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمييز‭ ‬عنصري‭ ‬أو‭ ‬ديني‭ ‬أو‭ ‬طائفي،‭ ‬وصدق‭ ‬بعض‭ ‬العراقيين‭ ‬هذه‭ ‬الشعارات‭ ‬البراقة،‭ ‬بل‭ ‬صدقت‭ ‬بعض‭ ‬التيارات‭ ‬العلمانية‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أو‭ ‬بعض‭ ‬أقطار‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬وبنت‭ ‬تحالفات‭ ‬مع‭ ‬تيارات‭ ‬طائفية‭ ‬تتغطى‭ ‬بشعارات‭ ‬وطنية،‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الشعارات‭ ‬لا‭ ‬تختلف‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬تدعو‭ ‬له‭ (‬صدقا‭ ‬أو‭ ‬كذبا‭) ‬هذه‭ ‬التيارات‭ ‬العلمانية،‭ ‬لكن‭ ‬التجربة‭ ‬بينت‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الشعارات‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إلا‭ ‬وسيلة‭ ‬للوثوب‭ ‬للسلطة،‭ ‬إذ‭ ‬بمجرد‭ ‬وصول‭ ‬هذه‭ ‬الجماعات‭ ‬الطائفية‭ ‬للسلطة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬خيانتها‭ ‬الوطن‭ ‬ومعاونتها‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأميركي‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬العراقي‭ ‬السابق،‭ ‬بدأت‭ ‬التأسيس‭ ‬لمشروع‭ ‬طائفي‭ ‬سعت‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬إلى‭ ‬تهميش‭ ‬مكونات‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬واستغلال‭ ‬أحقاد‭ ‬تاريخية‭ ‬وإثارتها‭ ‬بين‭ ‬مكونات‭ ‬هذا‭ ‬الشعب،‭ ‬فمارست‭ ‬التهميش‭ ‬ومست‭ ‬حقوق‭ ‬وحريات‭ ‬العبادة‭ ‬وكممت‭ ‬الأفواه‭ ‬ومارست‭ ‬الاضطهاد‭ ‬السياسي‭ ‬والديني‭ ‬والعنصري،‭ ‬لتبدأ‭ ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬التأسيس‭ ‬لمشروعها‭ ‬الطائفي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يأت‭ ‬إلا‭ ‬بالوبال‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬على‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭. ‬وللموضوع‭ ‬تتمة‭.‬