لقطة

سلمان‭ ‬الحايكي‭.. ‬عرّاب‭ ‬النقد‭ ‬الرياضي

| أحمد كريم

قرّرت‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬السطور‭ ‬على‭ ‬الورق،‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬عادتي‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬باغتتنا‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬بحواسيبها‭ ‬وألواحها‭ ‬الذكية‭.‬

لا‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬فترة‭ ‬طويلة‭! ‬إنها‭ ‬نحو‭ ‬19‭ ‬سنة‭ ‬فقط،‭ ‬“لمحة‭ ‬عين”‭ ‬تعيدنا‭ ‬إلى‭ ‬ذكريات‭ ‬النبوءات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحوم‭ ‬حول‭ ‬مخاوف‭ ‬البشرية‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬2000‭ ‬ومدى‭ ‬تطورها‭ ‬العلمي‭ ‬الرهيب‭ ‬الذي‭ ‬سيجعلنا‭ ‬نتفوق‭ ‬على‭ ‬المخلوقات‭ ‬الفضائية‭! ‬

سنوات‭ ‬تمضي‭ ‬وتمضي،‭ ‬بسرعة‭ ‬السهم‭ ‬الذي‭ ‬أصابني‭ ‬به‭ ‬خبر‭ ‬موت‭ ‬الزميل‭ ‬الأستاذ‭ ‬سلمان‭ ‬الحايكي‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬القسم‭ ‬الرياضي‭ ‬بصحيفة‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬وعرّاب‭ ‬مدرسة‭ ‬النقد‭ ‬في‭ ‬الصحافة‭ ‬الرياضية‭. ‬

‭  ‬كيف‭ ‬أنسى‭ ‬مكالماته‭ ‬المسائية‭ ‬المفاجئة‭ ‬التي‭ ‬اعتدت‭ ‬عليها‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أفكّر‭ ‬يومًا‭ ‬أنها‭ ‬ستنقطع‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬غيابها‭. ‬كانت‭ ‬نافذة‭ ‬أطل‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬محطات‭ ‬عدة‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬الرياضي،‭ ‬وأحرص‭ ‬على‭ ‬سماع‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭ ‬وآرائه‭ ‬الحاسمة‭ ‬ونصائحه‭ ‬العميقة‭. ‬

كنت‭ ‬أتحدّث‭ ‬معه‭ ‬وأنا‭ ‬أعلم‭ ‬جيدًا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يرفع‭ ‬الهاتف‭ ‬ويتصل‭ ‬بي‭ ‬لترسيخ‭ ‬موقف‭ ‬أو‭ ‬لمساعدة‭ ‬شخص‭ ‬يستحق‭ ‬المساعدة‭. ‬ولكنه‭ ‬صحافي‭ ‬حتى‭ ‬النخاع،‭ ‬فلا‭ ‬أسلم‭ ‬من‭ ‬أسئلته‭ ‬أو‭ ‬نقده‭ ‬أو‭ ‬تعليقاته‭ ‬الساخرة‭ ‬البسيطة‭ ‬في‭ ‬حبكتها‭ ‬والعميقة‭ ‬في‭ ‬مضامينها‭.‬

صمتُّ‭ ‬طويلاً‭ ‬على‭ ‬الخط‭ ‬وأنا‭ ‬أستمع‭ ‬إليه،‭ ‬فلم‭ ‬أكن‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬أملك‭ ‬شيئًا‭ ‬أضيفه‭ ‬إلى‭ ‬أمور‭ ‬حدثت‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬والآن‭ ‬ماذا‭ ‬أستطيع‭ ‬القول‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬رحل‭ ‬إلى‭ ‬جوار‭ ‬ربه‭ ‬بغته‭. ‬

سوف‭ ‬أقطع‭ ‬الصمت‭ ‬الطويل‭ ‬وأطلب‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يطمئن،‭ ‬فقد‭ ‬ترك‭ ‬ما‭ ‬يشفع‭ ‬له‭ ‬ويعظم‭ ‬شأنه،‭ ‬واعذرني‭ ‬يا‭ ‬“أبا‭ ‬علي”‭ ‬لأنني‭ ‬أقف‭ ‬الآن‭ ‬عاجزًا‭ ‬عن‭ ‬حديث‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬بدونك‭.. ‬فهو‭ ‬سنوات‭ ‬لم‭ ‬أعشها‭ ‬بعد‭. ‬

أستطيع‭ ‬القول‭ ‬فقط‭ ‬أن‭ ‬رحيلك‭ ‬المؤلم‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬فراغًا‭ ‬فقد‭ ‬خلّفت‭ ‬إرثًا‭ ‬غزيرًا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مراجعة‭ ‬بإمعان‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استعراض‭ ‬مسيرتك،‭ ‬وأقترح‭ ‬نشر‭ ‬مقالاتك‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬الزميلة‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬التي‭ ‬كنتَ‭ ‬وفيًّا‭ ‬لها‭ ‬حتى‭ ‬الرمق‭ ‬الأخير‭. ‬

رحمك‭ ‬الله‭ ‬يا‭ ‬أستاذ‭ ‬سلمان‭ ‬الحايكي‭ ‬وطاب‭ ‬ثراك‭. ‬بعميق‭ ‬الحزن‭ ‬نودّعك‭ ‬ونطلب‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬أن‭ ‬يتغمّدك‭ ‬بواسع‭ ‬رحمته‭ ‬وأن‭ ‬يلهم‭ ‬أهلك‭ ‬ومحبيك‭ ‬الصبر‭ ‬والسلوان‭.. ‬إنا‭ ‬لله‭ ‬وإنا‭ ‬إليه‭ ‬راجعون‭.‬