أميركا وإيران وأسئلة الحرب (1)

| خالد عبدالعزيز النزر

“إبراهام‭ ‬لينكون”‭ ‬تستطيع‭ ‬طائراتها‭ ‬قصف‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬بحر‭ ‬العرب‭ ‬أو‭ ‬البحر‭ ‬المتوسط‭ ‬أو‭ ‬أماكن‭ ‬أبعد،‭ ‬وطائرات‭ ‬B52-H‭ ‬الضخمة‭ ‬كانت‭ ‬تقلع‭ ‬من‭ ‬أوروبا‭ ‬وتقصف‭ ‬بغداد‭ ‬وتعود‭ ‬بعد‭ ‬ساعات،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬تقلع‭ ‬أحياناً‭ ‬من‭ ‬فلوريدا،‭ ‬فكيف‭ ‬تضع‭ ‬أميركا‭ ‬أربعاً‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬“العديد”،‭ ‬وتُدخل‭ ‬لينكون‭ - ‬وغيرها‭ ‬مما‭ ‬هو‭ ‬قادم‭ - ‬إلى‭ ‬الخليج؟‭ ‬وهي‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬سيجعلها‭ ‬هدفاً‭ ‬سهلاً‭ ‬للقوات‭ ‬الإيرانية؟‭ ‬إنه‭ ‬استعراض‭ ‬القوة‭ ‬والثقة‭ ‬الكاملة،‭ ‬وهي‭ ‬أعلى‭ ‬درجات‭ ‬التحدي،‭ ‬كمن‭ ‬يفتح‭ ‬صدره‭ ‬ويقول‭: ‬“اضغط‭ ‬على‭ ‬الزناد‭ ‬إن‭ ‬كنت‭ ‬رجلاً”‭. ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬يلقى‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬أميركا‭ ‬وجهاً‭ ‬لوجه،‭ ‬بعدما‭ ‬كان‭ ‬يوخزها‭ ‬عبر‭ ‬وكلائه،‭ ‬فإذا‭ ‬اندلعت‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬ستخرج‭ ‬كل‭ ‬الثارات‭ ‬الأميركية،‭ ‬من‭ ‬احتجاز‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬إلى‭ ‬قتل‭ ‬رجال‭ ‬المارينز‭ ‬وباقي‭ ‬الاغتيالات‭ ‬في‭ ‬بيروت،‭ ‬إلى‭ ‬تفجير‭ ‬الخبر،‭ ‬إلى‭ ‬إيواء‭ ‬بعض‭ ‬عناصر‭ ‬القاعدة‭ ‬بعد‭ ‬11‭ ‬سبتمبر،‭ ‬إلى‭ ‬قتل‭ ‬الأميركيين‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وباقي‭ ‬العمليات‭ ‬في‭ ‬أفريقيا‭ ‬وأميركا‭ ‬اللاتينية‭. ‬

إن‭ ‬العناد‭ ‬الإيراني‭ ‬ليس‭ ‬نابعاً‭ ‬من‭ ‬المبادئ‭ ‬التي‭ ‬تدعيها،‭ ‬ففي‭ ‬عز‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬وهتافات‭ ‬الموت‭ ‬لأميركا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬اشترت‭ ‬إيران‭ ‬أسلحة‭ ‬أميركية‭ ‬بمعاونة‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬إسرائيل‭ ‬وظلت‭ ‬تستلم‭ ‬دفعاتها‭ ‬لمدة‭ ‬13‭ ‬شهراً،‭ ‬ولولا‭ ‬فضيحة‭ ‬“إيران‭ ‬كونترا”‭ ‬لما‭ ‬علم‭ ‬أحد‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬يجري‭! ‬مشكلة‭ ‬إيران‭ ‬اليوم‭ ‬أنها‭ ‬بعد‭ ‬حياكة‭ ‬سجادتها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لأربعين‭ ‬سنة‭ ‬جاءت‭ ‬أميركا‭ ‬لتقول‭ ‬لها‭ ‬عليك‭ ‬حرقها،‭ ‬وفوراً‭.‬

هل‭ ‬تريد‭ ‬أميركا‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬كما‭ ‬يعتقد‭ ‬بعض‭ ‬أصحابنا‭ ‬في‭ ‬الخليج؟‭ ‬بالطبع‭ ‬لا،‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬رغم‭ ‬أضراره‭ ‬الجانبية‭ ‬لأميركا‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أدى‭ ‬دوراً‭ ‬رائعاً‭ ‬لهما‭ ‬في‭ ‬كونه‭ ‬أصبح‭ ‬العدو‭ ‬والتهديد‭ ‬الأول‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بينما‭ ‬ظهرت‭ ‬إسرائيل‭ ‬مسالمة‭ ‬مقارنة‭ ‬به،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬العرب‭ ‬يخشون‭ ‬التوسع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬من‭ ‬النهر‭ ‬إلى‭ ‬النهر،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬كانوا‭ ‬كتلة‭ ‬واحدة‭ ‬في‭ ‬السبعينات‭ ‬ضد‭ ‬إسرائيل،‭ ‬أصبح‭ ‬جل‭ ‬العرب‭ ‬اليوم‭ ‬يدركون‭ ‬التهديد‭ ‬الإيراني‭ ‬لهم‭ ‬سواء‭ ‬بدرجة‭ ‬أولى‭ ‬أو‭ ‬ثانية‭.‬

من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬أدى‭ ‬لمكاسب‭ ‬أميركية‭ ‬بوجود‭ ‬قواعد‭ ‬وارتفاع‭ ‬نسبة‭ ‬بيع‭ ‬السلاح،‭ ‬وهذه‭ ‬استراتيجية‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬الانتشار‭ ‬العسكري‭ ‬الأميركي،‭ ‬وكمثال‭ ‬القواعد‭ ‬والحماية‭ ‬في‭ ‬اليابان‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬وفي‭ ‬كوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬الشمالية،‭ ‬وفي‭ ‬أوروبا‭ ‬خوفاً‭ ‬من‭ ‬روسيا‭... ‬وهكذا،‭ ‬وهي‭ ‬حماية‭ ‬ضد‭ ‬تهديد‭ ‬حقيقي،‭ ‬أيضاً‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬عسكرية‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إلا‭ ‬بقوات‭ ‬برية‭.‬