ومضة قلم

صائمون‭ ‬ولكن‭!‬

| محمد المحفوظ

لا‭ ‬نجانب‭ ‬الصواب‭ ‬إذا‭ ‬قلنا‭ ‬إن‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬في‭ ‬أذهان‭ ‬الكثيرين‭ ‬مرادف‭ ‬للسهر‭ ‬أو‭ ‬الكسل،‭ ‬وقلة‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬من‭ ‬الشهر‭ ‬الكريم‭ ‬سوى‭ ‬الامتناع‭ ‬عن‭ ‬الأكل‭ ‬والشرب‭ ‬والشهوات‭ ‬لساعات‭ ‬معدودة‭ ‬من‭ ‬النهار،‭ ‬وقلة‭ ‬تتخطى‭ ‬الفعل‭ ‬إلى‭ ‬الرمز،‭ ‬حيث‭ ‬نراهم‭ ‬جسدوا‭ ‬الفعل‭ ‬أي‭ ‬الصوم‭ ‬بأبعاده‭ ‬الروحية‭ ‬بينما‭ ‬آخرون‭ ‬يمارسون‭ ‬طقوسهم‭ ‬المفرغة‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬بعد‭ ‬إيماني‭ ‬أو‭ ‬روحي‭.‬

لا‭ ‬أظن‭ ‬أن‭ ‬الصوم‭ ‬الشعيرة‭ ‬الاستثناء‭ ‬بين‭ ‬العبادات،‭ ‬فالصلاة‭ ‬وهي‭ ‬ركيزة‭ ‬إيمانية‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬تجسد‭ ‬المثال‭ ‬الأبرز‭ ‬على‭ ‬ملامستنا‭ ‬السطح‭ ‬دون‭ ‬التعمق‭ ‬في‭ ‬الجوهر‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬استيعابنا‭ ‬الأبعاد‭ ‬الصحيحة‭ ‬للإسلام،‭ ‬فالغالبية‭ ‬تمارسها‭ ‬بلا‭ ‬تأمل‭ ‬أو‭ ‬خشوع‭ ‬كما‭ ‬ينبغي‭ ‬للإنسان‭ ‬المسلم،‭ ‬وبالتالي‭ ‬تفقد‭ ‬المفاهيم‭ ‬دلالاتها‭ ‬التي‭ ‬تنطوي‭ ‬عليها‭ ‬هذه‭ ‬الشعيرة‭ ‬العظيمة،‭ ‬ولعل‭ ‬المثال‭ ‬الأقرب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يغيب‭ ‬عن‭ ‬ذهن‭ ‬أحد‭ ‬أنّ‭ ‬الصلاة‭ ‬تنهى‭ ‬عن‭ ‬الاقتراب‭ ‬من‭ ‬الأفعال‭ ‬القبيحة‭ ‬والمحزن‭ ‬أنّ‭ ‬من‭ ‬يدرك‭ ‬هذه‭ ‬القيم‭ ‬السامية‭ ‬قلة‭ ‬فضلا‭ ‬عمن‭ ‬يجسدها‭.‬

لسنا‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬استحضار‭ ‬الأمثلة‭ ‬التي‭ ‬تؤكد‭ ‬ما‭ ‬تمت‭ ‬الإشارة‭ ‬إليه‭ ‬وحسبنا‭ ‬أن‭ ‬نومئ‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الممارسات‭ ‬التي‭ ‬تنافي‭ ‬طبيعة‭ ‬الصيام‭ ‬ألا‭ ‬وهي‭ ‬تعطيل‭ ‬مصالح‭ ‬الناس‭ ‬تحت‭ ‬ذريعة‭ ‬واهية‭ ‬هي‭ ‬أن‭ ‬الصوم‭ ‬وما‭ ‬يرافقه‭ ‬من‭ ‬تعب‭ ‬ومشقة‭ ‬يجعلنا‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬الواجبات‭! ‬ثم‭ ‬إنّ‭ ‬شهر‭ ‬رمضان‭ ‬لدى‭ ‬عدد‭ ‬ليس‭ ‬قليلا‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬بلاد‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬مرادف‭ ‬للسهر‭ ‬حتى‭ ‬ساعات‭ ‬الصباح‭ ‬الأولى،‭ ‬ربما‭ ‬يذهب‭ ‬فهم‭ ‬الكثيرين‭ ‬إلى‭ ‬أننا‭ ‬ضد‭ ‬الترفيه‭ ‬والترويح‭ ‬عن‭ ‬النفس‭ ‬بعد‭ ‬عناء‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الصيام‭ ‬وهذا‭ ‬بالطبع‭ ‬ليس‭ ‬ضمن‭ ‬أهدافنا‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬نرمي‭ ‬إليه‭ ‬هو‭ ‬تحقيق‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬التوازن‭ ‬الخلاق،‭ ‬حيث‭ ‬لا‭ ‬تطغى‭ ‬المتعة‭ ‬على‭ ‬تأدية‭ ‬الشعائر‭.‬

رسولنا‭ ‬الأكرم‭ (‬ص‭) ‬قال‭ ‬“إذا‭ ‬جاء‭ ‬رمضان‭ ‬فتحت‭ ‬أبواب‭ ‬الجنة‭ ‬وغلقت‭ ‬أبواب‭ ‬النار‭ ‬وصفدت‭ ‬الشياطين”،‭ ‬لو‭ ‬أننا‭ ‬طبقنا‭ ‬ما‭ ‬تهدف‭ ‬إليه‭ ‬شعيرة‭ ‬عظيمة‭ ‬مثل‭ ‬الصوم‭ ‬كالتراحم‭ ‬والتعاون‭ ‬والتآلف‭ ‬سيصبح‭ ‬واقع‭ ‬الأمة‭ ‬الإسلامية‭ ‬أفضل؟‭ ‬ولو‭ ‬أننا‭ ‬مارسنا‭ ‬الصوم‭ ‬بدلالاته‭ ‬العميقة‭ ‬لكانت‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬أكثر‭ ‬عافية‭.‬