ذرائع

ولكن‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭ ‬الأبحاث؟‭! (‬1‭)‬

| غسان الشهابي

موضوعنا‭ ‬سآخذه‭ ‬من‭ ‬تصريح‭ ‬المنسق‭ ‬المقيم‭ ‬لأنشطة‭ ‬برامج‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬أمين‭ ‬الشرقاوي،‭ ‬الذي‭ ‬طرح‭ ‬–‭ ‬في‭ ‬منتدى‭ ‬مركز‭ ‬“دراسات”‭ ‬الذي‭ ‬انعقد‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬–‭ ‬أرقاماً‭ ‬تستحق‭ ‬التأمل‭. ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬8000‭ ‬مركز‭ ‬فكري‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬507‭ ‬مراكز‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لافتاً‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬العاصمة‭ ‬الأميركية‭ ‬واشنطن‭ ‬وحدها‭ ‬فيها‭ ‬408‭ ‬مراكز‭ ‬فكرية‭. ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬تخلصتُ‭ ‬من‭ ‬“مجاعة‭ ‬الأرقام”‭ ‬التي‭ ‬سببتها‭ ‬لنا‭ ‬دوائرنا‭ ‬الرسمية‭ ‬خصوصاً‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬لبخلها‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬مد‭ ‬الجمهور‭ ‬بالإحصاءات،‭ ‬وإذا‭ ‬أمدّته‭ ‬بدأت‭ ‬الهمهمات‭ ‬تسري‭ ‬عن‭ ‬مدى‭ ‬صدق‭ ‬ما‭ ‬نقرأ‭... ‬منذ‭ ‬ذلك‭ ‬الحين‭ ‬صار‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬أثر‭ ‬الأرقام‭ ‬الصاعق‭ ‬يشبه‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬“تجمّد‭ ‬الدماغ”‭ ‬الذي‭ ‬يعقب‭ ‬تناول‭ ‬المثلجات‭.‬

فإذا‭ ‬كان‭ ‬الشرقاوي‭ ‬قد‭ ‬استقل‭ ‬عدد‭ ‬المراكز‭ ‬البحثية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬بقوله‭ ‬“فقط”،‭ ‬فإنني‭ ‬وجدت‭ ‬أن‭ ‬العدد‭ ‬معقولٌ‭ ‬جداً‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تسودها‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتردية،‭ ‬مع‭ ‬نسبة‭ ‬عالية‭ ‬من‭ ‬الأمية‭ ‬الأبجدية،‭ ‬فبينما‭ ‬المتوسط‭ ‬العالمي‭ ‬للأمية‭ ‬13‭.‬6‭ %‬،‭ ‬فإن‭ ‬أميتنا‭ ‬العربية‭ ‬21‭ %. ‬وبحسب‭ ‬البنك‭ ‬الدولي،‭ ‬فإن‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وشمال‭ ‬إفريقيا‭ ‬هي‭ ‬الأعلى‭ ‬بطالة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بنسبة‭ ‬11‭.‬5‭ %‬،‭ ‬فإن‭ ‬وجود‭ ‬هذا‭ ‬العدد‭ ‬من‭ ‬المراكز‭ ‬أمر‭ ‬يُحمد‭ ‬الله‭ ‬عليه‭!‬

ناهيكم‭ ‬عن‭ ‬أمرين‭ ‬هما‭: ‬مدى‭ ‬جدية‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬وجودة‭ ‬ما‭ ‬تنتجه‭ ‬من‭ ‬نتاج‭ ‬فكري‭ ‬عميق‭ ‬ورصين‭ ‬يمكن‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليه‭ ‬وتوظيفه‭ ‬في‭ ‬حلول‭ ‬للمشاكل‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬بلداننا‭. ‬فمع‭ ‬وجود‭ ‬مراكز‭ ‬تحاول‭ ‬قدر‭ ‬المستطاع‭ ‬أن‭ ‬تحتفظ‭ ‬بالعلمية‭ ‬والجدية‭ ‬فيما‭ ‬تنتج؛‭ ‬مرّت‭ ‬علينا‭ ‬مراكز‭ ‬ومنظمات‭ ‬وكيانات‭ ‬إما‭ ‬لجملة‭ ‬من‭ ‬المتقاعدين‭ ‬يتسلّون‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الوظيفة،‭ ‬أو‭ ‬لمغامرين‭ ‬يسمّون‭ ‬شقة‭ ‬مشتركة‭ ‬مع‭ ‬مكتب‭ ‬لبيع‭ ‬الأسهم‭ ‬مركزاً‭ ‬للبحوث‭!‬

الأمر‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬البحث،‭ ‬أينما‭ ‬كانت‭: ‬حرية‭ ‬التفكير‭ ‬والبحث،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يتناقض‭ ‬تماماً‭ ‬مع‭ ‬المؤشرات‭ ‬العالمية،‭ ‬سواء‭ ‬كانت‭ ‬الحاسدة‭ ‬أو‭ ‬الحاقدة‭ ‬أو‭ ‬المحايدة،‭ ‬عن‭ ‬منطقتنا‭. ‬فما‭ ‬نفع‭ ‬أن‭ ‬يكبر‭ ‬العدد‭ ‬“وليس‭ ‬من‭ ‬عافية‭ ‬أن‭ ‬يكبر‭ ‬الورم”؟‭!.‬