قهوة الصباح

كي‭ ‬لا‭ ‬يذبح‭ ‬الأمل‭ ‬بالمراهقات‭ ‬السياسية

| سيد ضياء الموسوي

للأسف،‭ ‬كلما‭ ‬بدأت‭ ‬مرحلة‭ ‬جنينية‭ ‬لأمل‭ ‬إزالة‭ ‬الوجع‭ ‬وتهنأ‭ ‬الأمهات‭ ‬والآباء‭ ‬بفرحة‭ ‬منتظرة‭ ‬ولو‭ ‬نسبية‭ ‬لأبنائهم،‭ ‬بدأت‭ ‬التنظيرات‭ ‬الإكسسوارية‭ ‬في‭ ‬التنظير‭ ‬الرومانسي‭ ‬الثوري،‭ ‬والقائمة‭ ‬على‭ ‬حرق‭ ‬المراحل‭. ‬والغريب‭ ‬تشترط‭ ‬تداول‭ ‬السلطة،‭ ‬وهم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬أسوأ‭ ‬الأنظمة‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬الأيديولوجيا‭ ‬طريقًا‭ ‬للقمع‭ ‬كما‭ ‬طرح‭ ‬الكواكبي‭: ‬إن‭ ‬أسوأ‭ ‬استبداد‭ ‬هو‭ ‬الاستبداد‭ ‬الديني،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬دكتاتورية‭ ‬أشرس‭ ‬من‭ ‬ديكتاتورية‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسي،‭ ‬والذي‭ ‬الإسلام‭ ‬منه‭ ‬براء‭. ‬يعطون‭ ‬لأنفسهم‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الوصاية‭ ‬على‭ ‬الكون،‭ ‬وكأنهم‭ ‬أوصياء‭ ‬من‭ ‬الله‭ ‬يمتلكون‭ ‬أختامه‭. ‬دور‭ ‬السياسي‭ ‬الحكيم‭ ‬أن‭ ‬يجنّب‭ ‬الناس‭ ‬المحارق‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يورطهم‭ ‬ثم‭ ‬يكثر‭ ‬عليهم‭ ‬الخلاص‭. ‬مجرد‭ ‬صدر‭ ‬القرار‭ ‬السامي‭ ‬من‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬بتثبيت‭ ‬جنسيات‭ ‬551‭ ‬محكومًا‭ ‬حتى‭ ‬شنّت‭ ‬الحروب‭ ‬الإعلامية‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬لبنان‭ ‬وإيران‭ ‬والعراق‭ ‬ولندن‭ ‬لوأد‭ ‬أي‭ ‬إضاءات‭ ‬وطنية‭. ‬مساكين‭ ‬هم‭ ‬أمهاتنا‭ ‬وآباؤنا‭ ‬كلما‭ ‬لاح‭ ‬أفق‭ ‬بعودة‭ ‬أبنائهم‭ ‬لعودة‭ ‬فرح،‭ ‬ولو‭ ‬بهدوء‭ ‬راحت‭ ‬تنظيرات‭ ‬الخطابات‭ ‬الرومانسية‭ ‬الثورية‭ ‬تعرقل‭ ‬كل‭ ‬الجهود‭ ‬الحكيمة‭ ‬وتصنع‭ ‬التعجيز‭. ‬يتعاطون‭ ‬مع‭ ‬وجع‭ ‬الناس،‭ ‬وكأنه‭ ‬شيء‭ ‬تافه‭ ‬وكأن‭ ‬مصائر‭ ‬الناس‭ ‬أكياس‭ ‬قش‭ ‬ملقاة‭ ‬على‭ ‬الأرصفة‭ ‬لا‭ ‬قيمة‭ ‬لها‭. ‬فهل‭ ‬فكروا‭ ‬في‭ ‬وجع‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأمهات‭ ‬قبل‭ ‬إرسال‭ ‬خطاباتهم‭ ‬الحالمة؟‭ ‬هل‭ ‬يمتلكون‭ ‬جرأة‭ ‬الاعتراف‭ ‬بخطأ‭ ‬توريط‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬مسالخ‭ ‬السياسة،‭ ‬وكان‭ ‬في‭ ‬يدهم‭ ‬كل‭ ‬الفرص‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬ووضع‭ ‬يدهم‭ ‬بيد‭ ‬الحكم‭ ‬بلا‭ ‬بطولات‭ ‬عنترية؟‭. ‬وهل‭ ‬يتحملون‭ ‬انتكاسة‭ ‬أي‭ ‬فرج،‭ ‬وماذا‭ ‬سيقولون‭ ‬للمجتمع‭ ‬لو‭ ‬تراكم‭ ‬الحزن؟‭ ‬فعلاً‭ ‬مساكين‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬وفن‭ ‬الممكن‭. ‬بعضهم‭ ‬للتو‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬فتيان‭ ‬ويرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬شارل‭ ‬ديجول‭ ‬أو‭ ‬تشرشل‭!! ‬الناس‭ ‬تعبت‭ ‬من‭ ‬خطابات‭ ‬التنظيرات‭ ‬السياسية،‭ ‬والرومانسية‭ ‬الثورية،‭ ‬والعنتريات‭ ‬لم‭ ‬تزد‭ ‬الوطن‭ ‬إلا‭ ‬خسائر‭. ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬2002‭ ‬وهي‭ ‬من‭ ‬محرقة‭ ‬إلى‭ ‬محرقة‭. ‬من‭ ‬محارق‭ ‬المقاطعات‭ ‬إلى‭ ‬محرقة‭ ‬2011‭ ‬وأنتم‭ ‬تدفعونها‭ ‬الفواتير‭ ‬السياسية،‭ ‬وأنتم‭ ‬في‭ ‬أجمل‭ ‬العواصم‭ ‬متنعمون‭. ‬أقول‭ ‬الناس‭ ‬ستكفر‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬بكل‭ ‬هذه‭ ‬الرطانات‭ ‬غير‭ ‬المسؤولة‭. ‬أنتم‭ ‬تقتلون‭ ‬الفرج،‭ ‬وتسلخون‭ ‬الأمل‭. ‬‏للأسف‭ ‬ناس‭ ‬بتبني‭ ‬وناس‭ ‬بتهدم،‭ ‬الإحساس‭ ‬بوجع‭ ‬الناس‭ ‬ليس‭ ‬بالتنظيرات‭ ‬ولا‭ ‬بالأسطوانات‭ ‬المشروخة‭. ‬دعوا‭ ‬الناس‭ ‬تعيش‭ ‬وتنعم‭ ‬بالحياة‭.. ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬إنجاح‭ ‬برادة‭ ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬مزرعة‭ ‬دواجن‭ ‬وتتحدثون‭ ‬عن‭ ‬شعب‭ ‬بأكمله‭. ‬والغريب‭ ‬لم‭ ‬يقرأوا‭ ‬كتابًا‭ ‬واحدًا‭ ‬في‭ ‬السياسة،‭ ‬والثقافة،‭ ‬وينظرون‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬مصيرية،‭ ‬وهم‭ ‬في‭ ‬مؤسساتهم‭ ‬بالخارج‭ ‬يمارسون‭ ‬استبدادًا‭ ‬لا‭ ‬حدود‭ ‬له‭ ‬حتى‭ ‬مع‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬يعيشون‭ ‬معهم‭. ‬لن‭ ‬تهنأ‭ ‬البحرين‭ ‬مادام‭ ‬هناك‭ ‬رجال‭ ‬دين‭ ‬سياسيون‭. ‬يجب‭ ‬تشريع‭ ‬قانون‭ ‬فصل‭ ‬رجل‭ ‬الدين‭ ‬عن‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬السنة‭ ‬والشيعة،‭ ‬وفتح‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭.. ‬الناس‭ ‬ليسوا‭ ‬فئران‭ ‬تجارب‭.‬‭ ‬سنين‭ ‬في‭ ‬الفشل‭ ‬السياسي،‭ ‬وعبقرية‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬الأمل‭. ‬وإذا‭ ‬سقط‭ ‬الأمل،‭ ‬ودفن‭ ‬الفرج‭ ‬في‭ ‬مقبرة‭ ‬النسيان،‭ ‬لن‭ ‬ينسى‭ ‬الناس‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬قتله‭ ‬بكلمة‭ ‬نابية،‭ ‬أو‭ ‬شتم‭ ‬المبادرين،‭ ‬أو‭ ‬دبج‭ ‬خطاب‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬إعلان‭ ‬وفاة‭ ‬هذا‭ ‬الفرج‭. ‬أو‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬كسر‭ ‬فرحة‭ ‬الناس‭ ‬بكل‭ ‬هذه‭ ‬الهجمة‭ ‬الشرسة‭. ‬الصدمة‭ ‬ستجعل‭ ‬الناس‭ ‬تعيد‭ ‬حساباتها‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬مصداقية‭ ‬آرائهم‭ ‬السياسية‭ ‬الفاشلة‭. ‬أقول‭ ‬لمنتقدي‭ ‬أي‭ ‬أمل‭ ‬نسعى‭ ‬له،‭ ‬نحن‭ ‬منذ‭ ‬2002‭ ‬نعمل‭ ‬على‭ ‬إنجاح‭ ‬ملفات‭ ‬تمس‭ ‬مصالح‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬تصديق‭ ‬شهادات‭ ‬جامعية‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬ملفات‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬الإسكان‭ ‬والبطالة‭ ‬والتقاعد‭ ‬إلى‭ ‬تنوير‭ ‬الناس‭. ‬هذا‭ ‬ما‭ ‬نقدمه‭ ‬ولسنا‭ ‬طارئين،‭ ‬فماذا‭ ‬أنتم‭ ‬قدمتم‭ ‬غير‭ ‬إدخال‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المحارق؟‭ ‬أقول‭ ‬للناس‭: ‬لن‭ ‬نيأس‭ ‬من‭ ‬صناعة‭ ‬فرح‭. ‬‏فمن‭ ‬الذين‭ ‬صنعوا‭ ‬المحارق،‭ ‬ودفّعوا‭ ‬الناس‭ ‬فواتير‭ ‬لا‭ ‬حصر‭ ‬لها؟‭ ‬احتياط‭ ‬صبر‭ ‬الناس‭ ‬نفذ،‭ ‬وهم‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬بالخارج‭ ‬يوزعون‭ ‬طرزانيتهم‭. ‬أيها‭ ‬الناس،‭ ‬رُبّ‭ ‬وجع‭ ‬يوقظ‭ ‬الحكمة‭. ‬شباب‭ ‬في‭ ‬الخارج‭ ‬للتو‭ ‬تفقسوا‭ ‬من‭ ‬البيضة،‭ ‬وآخرون‭ ‬غارقون‭ ‬في‭ ‬الرومانسية‭ ‬يحددون‭ ‬لكم‭ ‬مصائر‭ ‬أبنائكم‭. ‬وهم‭ ‬عباقرة‭ ‬في‭ ‬صناعة‭ ‬الخيبات‭ ‬وتراكم‭ ‬الفشل‭ ‬السياسي‭.. ‬‏من‭ ‬يرفض‭ ‬أي‭ ‬تمهيد‭ ‬فلتظهروا‭ ‬عضلاتكم‭ ‬في‭ ‬أبنائكم‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الزج‭ ‬بأبناء‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬المحارق‭. ‬وللأسف،‭ ‬أبناؤهم‭ ‬يتم‭ ‬توفيرهم‭ ‬للجامعات،‭ ‬والتنعم‭ ‬بعواصم‭ ‬العالم،‭ ‬ويزفونهم‭ ‬في‭ ‬الأعراس،‭ ‬ثم‭ ‬تنزلون‭ ‬علينا‭ ‬ببرشوت‭ ‬الوصاية‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ ‬ولسان‭ ‬حالكم‭ (‬خيسوا‭ ‬وتعفنوا‭) ‬في‭ ‬الأوجاع‭. ‬هم‭ ‬عنتريون‭ ‬في‭ ‬التنظيرات‭ ‬والرطانات‭ ‬الإنشائية،‭ ‬تطلق‭ ‬لعوالم‭ ‬غير‭ ‬مسكونة‭ ‬بأحد‭.‬؟‭ ‬منذ2002‭ ‬ولا‭ ‬برنامج‭ ‬لكم‭ ‬يقود‭ ‬لحياة‭. ‬برامجكم‭ ‬لا‭ ‬تقود‭ ‬إلا‭ ‬لثلاثة‭ ‬مصائر‭: ‬مقبرة‭ ‬أو‭ ‬سجن‭ ‬أو‭ ‬منفى‭. ‬تعيشون‭ ‬أحلى‭ ‬حياة‭ ‬وهم‭ ‬ميتون‭. ‬أدعو‭ ‬كل‭ ‬الآباء‭ ‬والأمهات‭ ‬المتضررين‭ ‬من‭ ‬محارق‭ ‬السياسات‭ ‬المتهورة‭ ‬بالصراخ‭ ‬دويًّا‭ ‬والجرأة‭ ‬بالضجيج‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭ ‬ضد‭ ‬أي‭ ‬خطاب‭ ‬ثوري‭ ‬مراهقي‭ ‬ينسف‭ ‬أي‭ ‬أمل‭ ‬بالفرج‭. ‬ولتعلموا‭ ‬إذا‭ ‬مات‭ ‬الأمل‭ ‬فهو‭ ‬بسبب‭ ‬الخطابات‭ ‬البلدوزرية‭ ‬التي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬قتل‭ ‬الجنين‭. ‬لا‭ ‬يشعر‭ ‬بالنار‭ ‬إلا‭ ‬واطيها‭. ‬أنتم‭ ‬الساهرون‭ ‬وهم‭ ‬النائمون‭. ‬‏يقول‭ ‬نزار‭ ‬قباني‭: ‬نرتجل‭ ‬البطولة‭ ‬ارتجالاً‭..‬

‏نقعد‭ ‬في‭ ‬الجوامع‭ ‬تنابلاً‭ ‬كسالى‭. ‬أنعي‭ ‬لكم‭ ‬يا‭ ‬أصدقائي‭: ‬اللغة‭ ‬القديمة،‭ ‬والكتب‭ ‬القديمة‭.‬

‏أنعى‭ ‬لكم‭.. ‬كلامنا‭ ‬المثقوب‭ ‬كالأحذية‭ ‬القديمة‭ ‬ومفردات‭ ‬السب‭ ‬والهجاء،‭ ‬والشتيمة‭.‬

‏أنعي‭ ‬لكم‭ ‬نهاية‭ ‬الفكر‭ ‬الذي‭ ‬قاد‭ ‬إلى‭ ‬الهزيمة‭. ‬كلفنا‭ ‬ارتجالنا‭ ‬خمسين‭ ‬ألف‭ ‬خيمة‭ ‬جديدة‭. ‬

نقدم‭ ‬كل‭ ‬الشكر‭ ‬والعرفان‭ ‬لجلالة‭ ‬الملك‭ ‬على‭ ‬قراره‭ ‬السامي‭ ‬في‭ ‬تثبيت‭ ‬الجنسيات‭ ‬ولسمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬على‭ ‬سياسته‭ ‬الحكيمة‭ ‬ولسمو‭ ‬ولي‭ ‬العهد‭ ‬على‭ ‬دعمه‭ ‬لكل‭ ‬إنجاز‭ ‬يقود‭ ‬البحرين‭ ‬نحو‭ ‬الازدهار‭ ‬والتقدم‭.‬