محطات‭ ‬في‭ ‬مسيرتنا‭ ‬الوطنية

| عبدالنبي الشعلة

شهدت‭ ‬الساحة‭ ‬الوطنية‭ ‬خلال‭ ‬الأيام‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬والتطورات‭ ‬التي‭ ‬برزت‭ ‬عناوين‭ ‬مضيئة‭ ‬في‭ ‬مسيرتنا‭ ‬التنموية‭ ‬وعلى‭ ‬طريق‭ ‬التطور‭ ‬والازدهار‭ ‬تحت‭ ‬قيادتنا‭ ‬الرشيدة،‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬دائمًا‭ ‬إلى‭ ‬ترسيخ‭ ‬دعائم‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬وقواعد‭ ‬العدالة‭ ‬ودولة‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وإلى‭ ‬تعزيز‭ ‬أواصر‭ ‬اللحمة‭ ‬الوطنية‭ ‬ووحدة‭ ‬الصف‭ ‬وتحقيق‭ ‬حياة‭ ‬كريمة‭ ‬للمواطنين،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬“الخطة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتعزيز‭ ‬الانتماء‭ ‬الوطني‭ ‬وترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬المواطنة‭ ‬والتسامح‭ ‬والتعايش‭ ‬بين‭ ‬أفراد‭ ‬المجتمع”‭.‬

على‭ ‬رأس‭ ‬هذه‭ ‬العناوين‭ ‬جاء‭ ‬الأمر‭ ‬الملكي‭ ‬السامي‭ ‬الذي‭ ‬أصدره‭ ‬صاحب‭ ‬الجلالة‭ ‬الملك‭ ‬المفدى‭ ‬بتثبيت‭ ‬جنسية‭ ‬551‭ ‬محكومًا‭ ‬صدرت‭ ‬بحقهم‭ ‬أحكام‭ ‬بإسقاط‭ ‬الجنسية،‭ ‬والذي‭ ‬سبقه‭ ‬التوجيه‭ ‬الملكي‭ ‬السامي‭ ‬للتطبيق‭ ‬الفعال‭ ‬لأحكام‭ ‬قانون‭ ‬العقوبات‭ ‬البديلة؛‭ ‬ليؤكد‭ ‬أن‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬سيبقى‭ ‬الوالد‭ ‬الحنون‭ ‬والعين‭ ‬الساهرة‭ ‬على‭ ‬التطبيق‭ ‬الدقيق‭ ‬والمنصف‭ ‬للعدالة‭ ‬في‭ ‬ظلال‭ ‬العفو‭ ‬والصفح‭ ‬والتسامح،‭ ‬وإفساح‭ ‬المجال‭ ‬للمخطئ‭ ‬والمسيء‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬جادة‭ ‬الصواب‭ ‬وإلى‭ ‬حضن‭ ‬وطن‭ ‬يعبق‭ ‬بدفء‭ ‬الحب‭ ‬والحلم‭ ‬والحكمة‭ ‬والروية،‭ ‬وتمكينه‭ ‬من‭ ‬المساهمة‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬مستقبل‭ ‬بلاده‭ ‬والإحساس‭ ‬بقيم‭ ‬الانتماء‭ ‬الوطني‭.‬

إن‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬السامية‭ ‬من‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬جاءت‭ ‬لتؤكد‭ ‬أيضًا‭ ‬أن‭ ‬روح‭ ‬العدالة‭ ‬المجتمعية‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬ستبقى‭ ‬راسخة‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭ ‬قيادة‭ ‬وشعبًا‭. ‬وقد‭ ‬كانت‭ ‬ردود‭ ‬الفعل‭ ‬تجاه‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬النبيلة‭ ‬على‭ ‬الأصعدة‭ ‬المحلية‭ ‬والإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬إيجابية‭ ‬وداعمة،‭ ‬مشيدة،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬ومثمنة‭ ‬لعمق‭ ‬أبعادها‭ ‬ومعانيها‭.‬

ولكن،‭ ‬وهل‭ ‬كانت‭ ‬مجرد‭ ‬صدفة؟‭ ‬إذ‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬معدودات‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬المباركة‭ ‬ارتفع‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أكوام‭ ‬الظلمة‭ ‬صوت‭ ‬نشاز‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬افتعال‭ ‬أزمة‭ ‬عندما‭ ‬أصدر‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر،‭ ‬وهو‭ ‬لابس‭ ‬عمامته‭ ‬السوداء‭ ‬ومتلحفًا‭ ‬بعباءته‭ ‬الدينية،‭ ‬بيانًا‭ ‬فيه‭ ‬إقحام‭ ‬وزج‭ ‬مقصودين‭ ‬وغير‭ ‬مبررين‭ ‬باسم‭ ‬البحرين‭ ‬وقيادتها‭ ‬وفيه‭ ‬تطاول‭ ‬وإساءة‭ ‬وتدخل‭ ‬سافر‭ ‬في‭ ‬شؤوننا‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬خرق‭ ‬واضح‭ ‬لمعايير‭ ‬العلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬وقواعد‭ ‬حسن‭ ‬الجوار‭.‬

إنني‭ ‬لا‭ ‬أميل‭ ‬إلى‭ ‬الرأي‭ ‬الذي‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬شخص‭ ‬تافه‭ ‬جاهل‭ ‬أحمق‭ ‬متهور،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬العكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬إنني‭ ‬أرى‭ ‬إنه‭ ‬شخص‭ ‬يفهم‭ ‬ويعرف‭ ‬ما‭ ‬يريد،‭ ‬ويخطط‭ ‬لما‭ ‬يريد،‭ ‬وهو‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬العيش‭ ‬والبقاء‭ ‬والتحليق‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬أجواء‭ ‬الأزمات‭ ‬والتوتر‭ ‬والفتن،‭ ‬وفي‭ ‬رأي‭ ‬فإنه‭ ‬أراد‭ ‬من‭ ‬تصريحه‭ ‬تحقيق‭ ‬هدفين،‭ ‬الأول‭ ‬أنه‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة،‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬تامة‭ ‬وتهميش‭ ‬وتعتيم‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬الحراك‭ ‬القائم‭ ‬الآن‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬ممثلة‭ ‬في‭ ‬الشقيقة‭ ‬الكبرى‭ ‬المملكة‭ ‬العربية‭ ‬السعودية‭ ‬والعراق‭ ‬الشقيق؛‭ ‬بهدف‭ ‬مد‭ ‬الجسور‭ ‬وتنقية‭ ‬العلاقات‭ ‬ومساعدة‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬على‭ ‬تخطي‭ ‬الصعاب‭ ‬والاختناقات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها،‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬خارج‭ ‬الملعب‭ ‬وهو‭ ‬لذلك،‭ ‬وبهذه‭ ‬الشطحات،‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬ووسيلة‭ ‬للوقوف‭ ‬على‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الوسيلة‭ ‬محاولة‭ ‬تقويض‭ ‬هذه‭ ‬المساعي‭ ‬وتخريب‭ ‬وإجهاض‭ ‬أية‭ ‬جهود‭ ‬تبذل‭ ‬للتقارب‭ ‬بين‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والعراق‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هو‭ ‬المستفيد‭ ‬الأول‭.‬

الهدف‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬تعكير‭ ‬صفو‭ ‬الأجواء‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ومحاولة‭ ‬شق‭ ‬الصف‭ ‬والإخلال‭ ‬بسلامة‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتقويض‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬وبث‭ ‬الفرقة‭ ‬وقرع‭ ‬طبول‭ ‬الفتن‭ ‬الطائفية‭ ‬فيها‭.‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬ذلك‭ ‬التجني‭ ‬وتلك‭ ‬المحاولات‭ ‬كانت‭ ‬معاكسة‭ ‬لما‭ ‬أراده‭ ‬وابتغاه‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر،‭ ‬وانطلقت‭ ‬من‭ ‬قاعدة‭ ‬الهرم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬إلى‭ ‬قمته،‭ ‬فقد‭ ‬هبت‭ ‬مختلف‭ ‬الفعاليات‭ ‬الشعبية‭ ‬والبرلمانية‭ ‬والرسمية‭ ‬وتحرك‭ ‬المجتمع‭ ‬بكل‭ ‬قواه‭ ‬ومكوناته‭ ‬وأطيافه‭ ‬في‭ ‬تسابق‭ ‬ملحوظ‭ ‬للتنديد‭ ‬والشجب‭ ‬والاستنكار‭ ‬والاحتجاج،‭ ‬رافضًا‭ ‬محاولات‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤوننا‭ ‬الداخلية‭ ‬مؤكدًا‭ ‬سلامة‭ ‬ومتانة‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وعمق‭ ‬قيم‭ ‬الإخاء‭ ‬والترابط‭ ‬والتلاحم،‭ ‬والحرص‭ ‬على‭ ‬استتباب‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬والالتفاف‭ ‬حول‭ ‬القيادة‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬سلامة‭ ‬الوطن‭ ‬ووحدة‭ ‬الصف‭.‬

وقبل‭ ‬بضعة‭ ‬أسابيع‭ ‬انتقلت‭ ‬إلى‭ ‬رحمة‭ ‬الله‭ ‬العزيز‭ ‬القدير‭ ‬وإلى‭ ‬جوار‭ ‬ربها‭ ‬المغفور‭ ‬لها‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬شقيقة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الموقر‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬حفظه‭ ‬الله،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬المواسين‭ ‬والمعزين‭ ‬سماحة‭ ‬السيد‭ ‬عبدالله‭ ‬الغريفي،‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬أطيب‭ ‬الأثر‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬الجميع‭. ‬وكعادة‭ ‬سموه‭ ‬فقد‭ ‬بادر‭ ‬برد‭ ‬الزيارة‭ ‬وقام‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬بزيارة‭ ‬مجلس‭ ‬سماحة‭ ‬السيد‭ ‬عبدالله‭ ‬الغريفي‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬شكره‭ ‬وتقديره‭.‬

وجاءت‭ ‬تلك‭ ‬الزيارة‭ ‬موفقة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التوقيت،‭ ‬إذ‭ ‬تزامنت‭ ‬مع‭ ‬الزوبعة‭ ‬التي‭ ‬أثارها‭ ‬مقتدى‭ ‬الصدر‭ ‬فكانت‭ ‬كالرد‭ ‬الملجم‭ ‬على‭ ‬محاولات‭ ‬شق‭ ‬الصف‭. ‬وقد‭ ‬انتهز‭ ‬سموه‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬ليعلن‭ ‬بأعلى‭ ‬صوته‭ ‬بأن‭ ‬المجتمع‭ ‬البحريني‭ ‬سيبقى‭ ‬عصي‭ ‬على‭ ‬الفرقة‭ ‬والانقسام،‭ ‬وأن‭ ‬البحرين‭ ‬بقيادة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬وطن‭ ‬للجميع‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬مبادئ‭ ‬المساواة‭ ‬والمواطنة‭ ‬والوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬سموه‭ ‬ما‭ ‬يجمع‭ ‬أبناء‭ ‬شعب‭ ‬البحرين‭ ‬من‭ ‬روح‭ ‬الأخوة‭ ‬والتماسك‭ ‬والوحدة‭.‬

وعند‭ ‬محطة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬مسيرتنا‭ ‬الوطنية‭ ‬والتنموية،‭ ‬وهي‭ ‬محطة‭ ‬لا‭ ‬تقل‭ ‬وزنًا‭ ‬أو‭ ‬أهمية‭ ‬عن‭ ‬المحطات‭ ‬التي‭ ‬ذكرناها،‭ ‬وتأتي‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬وتوفير‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬المتطلبات‭ ‬الأساس‭ ‬اللازمة‭ ‬لحياة‭ ‬كريمة‭ ‬للمواطن،‭ ‬فقد‭ ‬أمر‭ ‬صاحب‭ ‬السمو‭ ‬الملكي‭ ‬الأمير‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الموقر‭ ‬بمضاعفة‭ ‬قيمة‭ ‬المساعدات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تصرف‭ ‬لمستحقي‭ ‬الضمان‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ومستحقي‭ ‬مخصصات‭ ‬الإعاقة،‭ ‬ضمن‭ ‬جهود‭ ‬الدولة‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬تخفيف‭ ‬الأعباء‭ ‬المعيشة‭ ‬على‭ ‬الأسر‭ ‬محدودة‭ ‬الدخل‭ ‬وعدم‭ ‬تحميلها‭ ‬أعباء‭ ‬إضافية،‭ ‬هذه‭ ‬المحطة‭ ‬تستحق‭ ‬وقفة‭ ‬متأنية‭ ‬لإعطائها‭ ‬حقها‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬والتمحيص‭.‬