تحرير الفاو وثأر إيران المؤجل الذي نعيشه اليوم (2)

| مصطفى القرة داغي

إذا‭ ‬عدنا‭ ‬إلى‭ ‬موضوع‭ ‬استذكار‭ ‬حدث‭ ‬تحرير‭ ‬الفاو‭ ‬الذي‭ ‬استهللنا‭ ‬به‭ ‬المقال،‭ ‬لابد‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬ختامه‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭ ‬عن‭ ‬المغزى‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬الاستذكار‭ ‬الذي‭ ‬يتكرر‭ ‬سنوياً‭ ‬منذ‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭! ‬وهل‭ ‬استفاد‭ ‬شعبنا‭ ‬ونخبه‭ ‬السياسية‭ ‬والثقافية‭ ‬منه‭ ‬وأخذت‭ ‬منه‭ ‬دروسا‭ ‬تساعدها‭ ‬على‭ ‬تلافي‭ ‬الأخطاء‭ ‬عند‭ ‬التعاطي‭ ‬مع‭ ‬الحاضر‭ ‬والتخطيط‭ ‬للمستقبل؟‭ ‬الجواب‭ ‬للأسف‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬مغزى‭ ‬نلمسه‭ ‬لهذا‭ ‬الاستذكا‭ ‬سوى‭ ‬البكاء‭ ‬على‭ ‬الأطلال،‭ ‬والانتشاء‭ ‬بمشاعر‭ ‬نَصر‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬لتعويض‭ ‬تواصل‭ ‬خيبات‭ ‬أحداث‭ ‬الحاضر،‭ ‬والهروب‭ ‬من‭ ‬واقع‭ ‬استباحة‭ ‬إيران‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬شماله‭ ‬إلى‭ ‬جنوبه‭ ‬بعشرينات‭ ‬القرن‭ ‬الواحد‭ ‬والعشرين‭ ‬عبر‭ ‬الاحتفال‭ ‬بالانتصار‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬تحرير‭ ‬قضاء‭ ‬صغير‭ ‬كالفاو‭ ‬بثمانينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭! ‬فنحن‭ ‬للأسف‭ ‬ﻻ‭ ‬نستذكر‭ ‬التاريخ‭ ‬لنراجعه‭ ‬ونتعلم‭ ‬منه،‭ ‬بل‭ ‬لنتفاخر‭ ‬به‭ ‬ونُخَدِّر‭ ‬به‭ ‬أنفسنا‭ ‬ومجتمعاتنا‭! ‬وإلا‭ ‬لكان‭ ‬أول‭ ‬درس‭ ‬تعلمناه‭ ‬من‭ ‬تجربة‭ ‬الفاو‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الأمور‭ ‬يَحسِمها‭ ‬العقل‭ ‬والتخطيط‭ ‬والعلاقات‭ ‬الدولية‭ ‬المتوازنة‭ ‬المبنية‭ ‬على‭ ‬التخادم‭ ‬السياسي‭ ‬والمنفعة‭ ‬المتبادلة،‭ ‬وليس‭ ‬الهَمبلة‭ ‬والعضلات‭ ‬والعنتريات‭ ‬والشعارات،‭ ‬وما‭ ‬كنا‭ ‬لنخوض‭ ‬مغامرة‭ ‬الكويت‭ ‬الغبية‭ ‬بعدها‭ ‬بأسابيع‭ ‬معدودة،‭ ‬ولفَهِمنا‭ ‬بأن‭ ‬نفس‭ ‬الإرادة‭ ‬التي‭ ‬ساعدتنا‭ ‬على‭ ‬استرجاع‭ ‬الفاو‭ ‬من‭ ‬إيران،‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تجبرنا‭ ‬على‭ ‬اﻻنسحاب‭ ‬من‭ ‬الكويت‭ ‬صاغرين‭ ‬مذلولين‭! ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فعلاً‭ ‬بعد‭ ‬تحرير‭ ‬الفاو‭ ‬بثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬أو‭ ‬لكنّا‭ ‬تهيأنا‭ ‬لهذه‭ ‬الأيام‭ ‬وتحسبنا‭ ‬لإيران،‭ ‬ولما‭ ‬سمحنا‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬بثأرها‭ ‬المؤجل،‭ ‬عبر‭ ‬التغلغل‭ ‬بمجتمعنا‭ ‬بمليشياتها،‭ ‬وتحويل‭ ‬بلادنا‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬لخوض‭ ‬صراعاتها‭ ‬وتصريف‭ ‬مخلفاتها‭. ‬“إيلاف”‭.‬