وَخْـزَةُ حُب

معاقون.. من دون أن ندري!

| د. زهرة حرم

لا‭ ‬يكاد‭ ‬ينجو‭ ‬واحد‭ ‬منا‭ ‬من‭ ‬الإعاقة؛‭ ‬فغالبيتنا‭ ‬يُولد‭ ‬بها؛‭ ‬ظانًا‭ ‬نفسه‭ ‬سليمًا‭ ‬منها‭ ‬40‭ ‬قيراطا؛‭ ‬فما‭ ‬أنْ‭ ‬تلد‭ ‬المرأة‭ ‬–‭ ‬منّا‭ - ‬طفلها؛‭ ‬حتى‭ ‬يبدأ‭ ‬أهله‭ ‬بتحسس‭ ‬أصابعه،‭ ‬يعدونها،‭ ‬وهم‭ ‬يتضاحكون‭ - ‬في‭ ‬فخر‭ - ‬بطفلهم‭ ‬المكتمل‭ ‬الأجزاء‭ ‬والأطراف،‭ ‬والذي‭ ‬يخلو‭ ‬من‭ ‬أية‭ ‬إعاقة‭ ‬جسدية‭! ‬وطبعا‭ ‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت‭ ‬يراقبون‭ ‬مستوى‭ ‬فهمه‭ ‬واستيعابه‭ ‬لما‭ ‬يدور‭ ‬حوله،‭ ‬ومن‭ ‬ثم؛‭ ‬يصكونه‭ ‬بصكّ‭ ‬السلامة،‭ ‬والحمد‭ ‬لله،‭ ‬والباقي‭ ‬على‭ ‬التربية‭!‬

وكأن‭ ‬التربية؛‭ ‬تحصيل‭ ‬حاصل‭ ‬لا‭ ‬يُقلق‭ ‬ولا‭ ‬يُوجع،‭ ‬مادام‭ ‬طفلهم‭ ‬تجاوز‭ ‬مراحله‭ ‬الأولى‭! ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬هي‭ ‬مربطُ‭ ‬فرس‭ ‬الإعاقة‭! ‬وما‭ ‬أدراكم‭ ‬ما‭ ‬خطورتها‭! ‬فكلما‭ ‬استطاع‭ ‬طفلهم‭ ‬تقليد‭ ‬سلوكهم،‭ ‬وكلامهم،‭ ‬وبالتدريج‭ ‬معتقداتهم‭ ‬وأفكارهم؛‭ ‬كان‭ ‬التصفيق‭ ‬الحار‭ ‬له‭ ‬صدّاحًا‭ ‬وعاليا؛‭ ‬فطفلهم‭ ‬فَطين،‭ ‬حصيف،‭ ‬ذكي،‭ ‬ولمّاح،‭ ‬وتربيتهم‭ ‬له‭ ‬ناجحة‭ ‬ناجعة،‭ ‬وهم‭ ‬يشكرون‭ ‬ربهم‭ ‬ليلا‭ ‬نهارا؛‭ ‬كلما‭ ‬رأوا‭ ‬الجيل‭ ‬الوليد؛‭ ‬يُقلد‭ ‬بامتياز‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬السلف‭ ‬من‭ ‬جماعتهم‭!‬

الفكرة‭ ‬في‭ ‬كلمات‭ ‬بسيطة؛‭ ‬أننا‭ ‬نُولد،‭ ‬ونخرج‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا‭ ‬أنقياء‭ ‬الذهن،‭ ‬والسريرة؛‭ ‬فتتم‭ ‬تغذيتنا؛‭ ‬جسديا‭ ‬وعقليا،‭ ‬ونحن‭ ‬لا‭ ‬حول‭ ‬لنا‭ ‬ولا‭ ‬قوة،‭ ‬ولا‭ ‬اختيار‭! ‬فمعداتنا‭ ‬تملأها‭ ‬أمهاتنا‭ ‬بما‭ ‬تظنن‭ ‬أنه‭ ‬صالح‭ ‬لنا؛‭ ‬لنكبر،‭ ‬وندخل‭ ‬في‭ ‬مصافّ‭ ‬الرجال‭ ‬والنساء‭! ‬أما‭ ‬عقولنا‭ ‬فيشتغل‭ ‬على‭ ‬ملئها‭ ‬الجميع؛‭ ‬بدءا‭ ‬بالوالدين،‭ ‬اللذين‭ ‬يحرصان‭ ‬بدقة‭ ‬على‭ ‬تغذيتها‭ ‬بأفكار،‭ ‬وقيم،‭ ‬وعقائد‭ ‬الماضين،‭ ‬ثم‭ ‬يتولى‭ ‬المجتمع‭ ‬المحيط‭ ‬استكمال‭ ‬الدور،‭ ‬ضمن‭ ‬الدائرة‭ ‬نفسها،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬شطط،‭ ‬أو‭ ‬تجاوز،‭ ‬أو‭ ‬نقصان،‭ ‬أو‭ ‬زيادة‭!‬

هذا‭ ‬طبيعي،‭ ‬ولا‭ ‬تختلف‭ ‬أمة‭ ‬واحدة‭ ‬عليه،‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الخليقة،‭ ‬ولكن‭! ‬ما‭ ‬هو‭ ‬غير‭ ‬طبيعي‭ ‬أن‭ ‬يُحْجر‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الموروثات،‭ ‬أو‭ ‬تُرفض‭ ‬المناقشات،‭ ‬ولاسيما‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬ما‭ ‬يُعدّ‭ ‬مسلمات‭ ‬أو‭ ‬بديهيات،‭ ‬وكأن‭ ‬الخوض‭ ‬فيها‭ ‬–‭ ‬مجرد‭ ‬الخوض‭ ‬–‭ ‬خروجٌ‭ ‬عن‭ ‬النص،‭ ‬غير‭ ‬مقبول،‭ ‬ومُستهجن،‭ ‬وكفر،‭ ‬وارتداد‭! ‬ولذلك؛‭ ‬فإن‭ ‬الأسلم‭ ‬والأحوط‭ ‬والأريح؛‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يأخذ‭ ‬الواحد‭ ‬منا‭ ‬مسافة‭ ‬بعيدة‭ ‬عن‭ ‬منطقة‭ ‬السؤال‭/ ‬الجريمة؛‭ ‬لكيلا‭ ‬يناله‭ ‬من‭ ‬عقاب‭ ‬الجماعة‭ ‬ورفضهم‭ ‬الشيء‭ ‬الكثير،‭ ‬والنتيجة‭: ‬زيادة‭ ‬في‭ ‬التسليم‭ ‬بالمُسلّم،‭ ‬وتنويم‭ ‬للعقل،‭ ‬واستراحة‭ ‬طويلة،‭ ‬تنتهي‭ ‬بالوفاة،‭ ‬وإنتاج‭ ‬أجيال‭ ‬كُسالى‭ ‬التفكير،‭ ‬مشلولي‭ ‬الدماغ‭!‬

إننا‭ ‬ما‭ ‬انْ‭ ‬نُولد؛‭ ‬حتى‭ ‬يشتغل‭ ‬آباؤنا‭ ‬كما‭ ‬اشتغل‭ ‬آباؤهم–‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬يشعرون‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يشعرون‭ ‬–‭ ‬على‭ ‬ترسيخ‭ ‬الإعاقة‭ ‬الذهنية‭ ‬لدينا،‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬تُحصن‭ ‬أو‭ ‬تحرس‭ ‬معتقداتهم‭ ‬في‭ ‬عقولنا،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تحظرعلينا‭ ‬بشدة‭ ‬الولوج‭ ‬في‭ ‬حيثياتها‭ ‬المُقدسة‭! ‬فجمودنا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬جمدوا‭ ‬عليه‭ ‬يُصنف‭ ‬نبوغًا،‭ ‬وتحريكنا‭ ‬لحرف‭ ‬منه؛‭ ‬يصنف‭ ‬بِدعةً‭ ‬وخيانة،‭ ‬وخروجًا‭! ‬إننا‭ ‬معاقون‭ ‬–‭ ‬يا‭ ‬سادة‭ ‬–‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬ندري‭!.‬