زبدة القول

ماذا بعد سقوط الكيزان؟

| د. بثينة خليفة قاسم

عند‭ ‬بدء‭ ‬كتابة‭ ‬هذه‭ ‬الكلمات‭ ‬كان‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬السودانيين‭ ‬يحتشدون‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬أمام‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬مطالبين‭ ‬بنقل‭ ‬السلطة‭ ‬إلى‭ ‬هيئة‭ ‬مدنية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحقق‭ ‬لهم‭ ‬ما‭ ‬أرادوه‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬البشير‭ ‬أو‭ ‬إسقاط‭ ‬حكم‭ ‬الكيزان،‭ ‬وكما‭ ‬أثبتت‭ ‬التجربة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬إسقاط‭ ‬أنظمتها‭ ‬فإن‭ ‬عملية‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام‭ ‬هي‭ ‬العملية‭ ‬الأسهل‭ ‬والأسرع،‭ ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬يكون‭ ‬الجميع‭ ‬متفقين‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬لكن‭ ‬الصعوبة‭ ‬تكون‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬إعادة‭ ‬البناء‭ ‬بعد‭ ‬ذلك،‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬أحد‭ ‬المشايخ‭ ‬فآفة‭ ‬الثوار‭ ‬أن‭ ‬يظلوا‭ ‬ثائرين،‭ ‬ومعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬بقاء‭ ‬الثوار‭ ‬على‭ ‬ثورتهم‭ ‬طوال‭ ‬الوقت‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬بآثار‭ ‬سلبية‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬يصعب‭ ‬الأمور‭ ‬على‭ ‬الذين‭ ‬يقومون‭ ‬بإدارة‭ ‬المرحلة‭ ‬الانتقالية‭ ‬ويضعهم‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬مستمر‭ ‬فتتولد‭ ‬أخطاء‭ ‬وقرارات‭ ‬متعجلة‭ ‬بفعل‭ ‬حالة‭ ‬الضغط‭ ‬الموجودة‭. ‬

ليس‭ ‬معنى‭ ‬كلامي‭ ‬أن‭ ‬يتخلى‭ ‬السودانيون‭ ‬عن‭ ‬مطالبهم‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬حكومة‭ ‬مدنية‭ ‬لبلادهم،‭ ‬فهذا‭ ‬حقهم،‭ ‬ولكل‭ ‬شعب‭ ‬الحرية‭ ‬في‭ ‬تقرير‭ ‬مصير‭ ‬بلاده،‭ ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬نريده‭ ‬هو‭ ‬عدم‭ ‬تعجل‭ ‬الأمور‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تنتج‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التعجل‭ ‬وهذا‭ ‬الضغط‭ ‬نتائج‭ ‬سلبية‭ ‬تكلف‭ ‬السودان‭ ‬اقتصاديا‭ ‬وتضع‭ ‬أية‭ ‬حكومة‭ ‬قادمة‭ ‬في‭ ‬مأزق‭ ‬وتجعل‭ ‬منصب‭ ‬الرئاسة‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬منصبا‭ ‬مخيفا،‭ ‬لأن‭ ‬صاحبه‭ ‬سيكون‭ ‬حتما‭ ‬ضحية‭ ‬لأوضاع‭ ‬اقتصادية‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يفعل‭ ‬شيئا‭ ‬تجاهها‭ ‬وأحلاما‭ ‬رومنسية‭ ‬يعتقد‭ ‬أصحابها‭ ‬أنها‭ ‬ستتحقق‭ ‬بمجرد‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭. ‬النظام‭ ‬يسقط‭ ‬بسرعة‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬تجتمع‭ ‬على‭ ‬إسقاطه‭ ‬وترى‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬مصلحة‭ ‬لها،‭ ‬لكن‭ ‬إقامة‭ ‬نظام‭ ‬جديد‭ ‬لا‭ ‬تنال‭ ‬اتفاق‭ ‬الجميع‭ ‬عندما‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بالتفاصيل‭ ‬والمصالح‭.‬

بعد‭ ‬سقوط‭ ‬أي‭ ‬النظام‭ ‬تظهر‭ ‬الفصائل‭ ‬والجماعات‭ ‬وتظهر‭ ‬المطالب‭ ‬الفئوية‭ ‬والمصالح‭ ‬الجهوية‭ ‬ويظهر‭ ‬أصحاب‭ ‬المصالح‭ ‬إقليميا‭ ‬وعالميا‭ ‬والكل‭ ‬يحاول‭ ‬تحقيق‭ ‬انتصار‭ ‬على‭ ‬غيره‭ ‬فيدخل‭ ‬المال‭ ‬الأجنبي‭ ‬وقد‭ ‬يدخل‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬لاحقة،‭ ‬الصعوبة‭ ‬إذا‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬صعوبة‭ ‬الاتفاق‭ ‬على‭ ‬صياغة‭ ‬المرحلة‭ ‬التي‭ ‬تتلو‭ ‬سقوط‭ ‬النظام،‭ ‬فإن‭ ‬استطاع‭ ‬السودانيون‭ ‬أن‭ ‬يصموا‭ ‬آذانهم‭ ‬عن‭ ‬سماع‭ ‬الدعوات‭ ‬والنداءات‭ ‬التي‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬باطل‭ ‬والتي‭ ‬تريد‭ ‬نشر‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬غيرها،‭ ‬فسوف‭ ‬يضرب‭ ‬السودانيون‭ ‬مثلا‭ ‬رائعا‭ ‬وستتحقق‭ ‬أحلام‭ ‬الكبار‭ ‬والصغار‭.‬

المجلس‭ ‬العسكري‭ ‬ليس‭ ‬عدوا،‭ ‬فهو‭ ‬مجلس‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬سودانيين‭ ‬ويعنيه‭ ‬أن‭ ‬يمر‭ ‬السودان‭ ‬بسلام‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة،‭ ‬ويجب‭ ‬على‭ ‬السودانيين‭ ‬أن‭ ‬يعملوا‭ ‬معه،‭ ‬فالمجلس‭ ‬العسكري،‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬رجاله‭ ‬معينين‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬البشير،‭ ‬إلا‭ ‬أنهم‭ ‬يملكون‭ ‬من‭ ‬الآليات‭ ‬والقوة‭ ‬ما‭ ‬يجعلهم‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬حماية‭ ‬الدولة‭ ‬السودانية‭ ‬والشعب‭ ‬من‭ ‬الفوضى‭ ‬وانهيار‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬في‭ ‬ربوع‭ ‬البلاد‭. ‬كل‭ ‬التمنيات‭ ‬الطيبة‭ ‬للشعب‭ ‬السوداني‭ ‬الشقيق‭.‬