ستة على ستة

الآيديولوجيا العالمية للكراهية

| عطا السيد الشعراوي

في‭ ‬أعقاب‭ ‬التفجيرات‭ ‬الإرهابية‭ ‬الجبانة‭ ‬التي‭ ‬ضربت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬الحادي‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬سبتمبر‭ ‬عام‭ ‬2001م،‭ ‬انشغلت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأوساط‭ ‬السياسية‭ ‬والإعلامية‭ ‬الأميركية‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬ما‭ ‬وصفوه‭ ‬بحالة‭ ‬العداء‭ ‬بين‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬وأميركا‭ ‬وطرح‭ ‬تساؤلات‭ ‬عن‭ ‬أسباب‭ ‬كراهية‭ ‬المسلمين‭ ‬أميركا،‭ ‬إذ‭ ‬خرَجَتْ‭ ‬مجلة‭ (‬نيوزويك‭) ‬الأميركية‭ ‬بعنوان‭ ‬مثير‭ ‬ولافت‭:(‬لماذا‭ ‬يكرهوننا؟‭)‬،‭ ‬وسارت‭ ‬على‭ ‬نهجها‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬ومراكز‭ ‬الأبحاث‭ ‬المعروفة‭.‬

التركيز‭ ‬الأكبر‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الانتفاضة‭ ‬البحثية‭ ‬الأميركية‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الآخر،‭ ‬أي‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬الإسلامية‭ ‬والدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬وما‭ ‬يشوبهما‭ ‬من‭ ‬“عيوب”‭ ‬وفقا‭ ‬للدراسات‭ ‬الأميركية‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬انحراف‭ ‬البعض‭ ‬وتورطهم‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬عنف‭ ‬وإرهاب‭ ‬تستهدف‭ ‬أميركا‭ ‬ومصالحها‭ ‬ومواطنيها،‭ ‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يثمر‭ ‬شيئًا‭ ‬إيجابيًا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬ظاهرة‭ ‬الإرهاب‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬هذا‭ ‬الانحياز‭ ‬والاتهام‭ ‬المسبق‭ ‬لأحد‭ ‬طرفي‭ ‬العلاقة،‭ ‬فغابت‭ ‬الرؤية‭ ‬الشمولية‭ ‬والمعالجة‭ ‬الموضوعية‭.‬

مؤخرا،‭ ‬وفي‭ ‬حديث‭ ‬مع‭ ‬عشرات‭ ‬من‭ ‬الناجين‭ ‬من‭ ‬المجزرة‭ ‬الإرهابية‭ ‬الوحشية‭ ‬التي‭ ‬استهدفت‭ ‬مسجد‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬كرايستشيريش‭ ‬بنيوزيلندا‭ ‬وأدت‭ ‬لمقتل‭ ‬وإصابة‭ ‬عشرات‭ ‬المصلين،‭ ‬قال‭ ‬الأمير‭ ‬البريطاني‭ ‬ويليام،‭ ‬دوق‭ ‬كامبريدج‭ ‬إنه‭ ‬يقف‭ ‬مع‭ ‬مسلمي‭ ‬نيوزيلندا‭ ‬تقديرا‭ ‬لما‭ ‬علموه‭ ‬للعالم‭ ‬خلال‭ ‬الأسابيع‭ ‬الماضية،‭ ‬حيث‭ ‬واجهوا‭ ‬موجة‭ ‬الكراهية‭ ‬بموجة‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬والسلام،‭ ‬قائلا‭ ‬لهم‭: ‬“لقد‭ ‬أظهرتم‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نرد‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬الكراهية،‭ ‬بالحب‭ ‬وأتمنى‭ ‬أن‭ ‬تتغلب‭ ‬قوى‭ ‬الحب‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬قوى‭ ‬الكراهية”‭.‬

حديث‭ ‬الأمير‭ ‬وليام‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬مشاعر‭ ‬الكراهية‭ ‬التي‭ ‬سبق‭ ‬واتهم‭ ‬المسلمون‭ ‬بأنهم‭ ‬يحملونها‭ ‬تجاه‭ ‬الغرب‭ ‬توجد‭ ‬أيضًا‭ ‬لدى‭ ‬بعض‭ ‬أبناء‭ ‬هذا‭ ‬الغرب،‭ ‬وتعكس‭ ‬أيضًا‭ ‬مدى‭ ‬مثالية‭ ‬ونبل‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬المسلمين‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تعرضوا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬عمل‭ ‬إرهابي‭ ‬غاشم‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الحب‭ ‬والسلام‭ ‬وليس‭ ‬الأخذ‭ ‬بالثأر‭ ‬والرد‭ ‬بالمثل،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬ليست‭ ‬أبدًا‭ ‬بالأديان،‭ ‬إنما‭ ‬تتعلق‭ ‬بفهم‭ ‬البشر‭ ‬لها‭ ‬وتطبيقهم‭ ‬مبادئها‭ ‬الصحيحة‭.‬

نحن‭ ‬إذا‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬الأمير‭ ‬وليام‭ ‬في‭ ‬مجابهة‭ ‬ضد‭ ‬آيديولوجية‭ ‬عالمية‭ ‬للكراهية‭ ‬وإزاء‭ ‬ظاهرة‭ ‬عالمية‭ ‬خطيرة‭ ‬لا‭ ‬تلتصق‭ ‬بدين‭ ‬وليست‭ ‬حصرا‭ ‬على‭ ‬طائفة‭ ‬أو‭ ‬أمة‭ ‬دون‭ ‬أخرى،‭ ‬والمواجهة‭ ‬الناجحة‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬يتشارك‭ ‬فيها‭ ‬الجميع‭ ‬بكل‭ ‬مسؤولية‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اتهام‭ ‬طرف‭ ‬بأنه‭ ‬المسؤول‭ ‬عنها‭ ‬وأن‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يوقفها‭ ‬ويخضع‭ ‬لشروط‭ ‬وإملاءات‭ ‬الطرف‭ ‬الآخر‭.‬