ذرائع

الحزام والطريق وقفازات الحرير

| غسان الشهابي

تواصل‭ ‬الصين‭ ‬تفننها‭ ‬في‭ ‬إبهار‭ ‬العالم‭ ‬بما‭ ‬يمكنها‭ ‬أن‭ ‬تعد‭ ‬به،‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعين‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬مضيّها‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الانفتاح،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أدركت‭ ‬مصادر‭ ‬قوّتها،‭ ‬وراحت‭ ‬تبني‭ ‬نفسها‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬دولة‭ ‬عظمى‭ ‬قولاً‭ ‬وصدقاً،‭ ‬وليس‭ ‬بمجرد‭ ‬أنها‭ ‬الدولة‭ ‬الأكثر‭ ‬سكاناً‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬تظهره‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬“الحزام‭ ‬والطريق”‭ ‬الذي‭ ‬أطلقت‭ ‬قمته‭ ‬الدولية‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي،‭ ‬فإن‭ ‬نجحت‭ ‬الصين‭ ‬فإن‭ ‬الاحتمالات‭ ‬العالمية‭ ‬ستكون‭ ‬مفتوحة‭ ‬على‭ ‬مصراعيها‭ ‬مرحبة‭ ‬بالصين‭ ‬كراسم‭ ‬سياسات‭ ‬العالم،‭ ‬وقاطرته‭ ‬السياسية‭.‬

إذا‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬ينقص‭ ‬الصين‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لها‭ ‬لغة‭ ‬عالمية‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬نشر‭ ‬ثقافتها‭ ‬ورؤيتها‭ ‬للعالم؛‭ ‬فإن‭ ‬المال‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬الكلام‭ ‬بأبلغ‭ ‬العبارات،‭ ‬فقد‭ ‬أدركت‭ ‬الصين‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬وحده‭ ‬تقوى‭ ‬الدول،‭ ‬لذا‭ ‬لابد‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬علاقات‭ ‬عميقة‭ ‬مع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البلدان‭ ‬لتقوي‭ ‬مواقفها‭ ‬وتنهل‭ ‬منها‭ ‬الثروات‭ ‬الطبيعية‭ ‬والمواد‭ ‬الخام‭ ‬بشكل‭ ‬تفضيلي،‭ ‬فراحت‭ ‬تساعد‭ ‬الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وذلك‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬قروض‭ ‬ميسرة‭ ‬ومساعدات‭ ‬فنية‭ ‬ومالية‭ ‬وهبات‭ ‬وغيرها،‭ ‬حتى‭ ‬وجدت‭ ‬لها‭ ‬موطئ‭ ‬قدم‭ ‬في‭ ‬القارة‭ ‬السمراء‭ ‬على‭ ‬مهل‭ ‬ونار‭ ‬هادئة‭ ‬وباتت‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬المستثمرين‭ ‬فيها‭.‬

الدول‭ ‬الإفريقية‭ ‬كالكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬التي‭ ‬خبرت‭ ‬الاستعمار‭ ‬الأوروبي‭ ‬في‭ ‬القرون‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تريد‭ ‬استمراراً‭ ‬مع‭ ‬النهج‭ ‬نفسه،‭ ‬وترى‭ ‬في‭ ‬الصين‭ ‬طوق‭ ‬نجاة،‭ ‬وسط‭ ‬تحذيرات‭ ‬أن‭ ‬ليس‭ ‬بين‭ ‬كلاب‭ ‬البحر‭ ‬كلبٌ‭ ‬ناعم‭.‬

تستخدم‭ ‬الصين‭ ‬قواها‭ ‬الناعمة،‭ ‬المدججة‭ ‬بالقوة‭ ‬العسكرية‭ (‬الصلبة‭)‬،‭ ‬تحرّك‭ ‬بوارجها‭ ‬متى‭ ‬ما‭ ‬رأت‭ ‬ذلك‭ ‬ضرورياً،‭ ‬ولكنها‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬الآن‭ ‬–‭ ‬لا‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك‭ ‬كثيراً،‭ ‬فهي‭ ‬ترى‭ ‬أن‭ ‬إحاطتها‭ ‬بالعالم‭ ‬لم‭ ‬تكتمل‭ ‬بعد‭ ‬لكي‭ ‬تصبح‭ ‬هي‭ ‬مركزه،‭ ‬وهو‭ ‬طموح‭ ‬مشروع‭ ‬ومفتوح‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬لديه‭ ‬حلم‭ ‬في‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الكوكب‭ ‬الصغير‭. ‬وتطوّر‭ ‬الصين‭ ‬أسلحتها‭ ‬بشكل‭ ‬سريع‭ ‬جداً‭ ‬لا‭ ‬يلمسه‭ ‬إلا‭ ‬الداخلون‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الصناعة‭ ‬العملاقة،‭ ‬مع‭ ‬توقعات‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬عقود‭ ‬قليلة‭ ‬حتى‭ ‬يتساوى‭ ‬ميزان‭ ‬القوى‭ ‬الأميركي‭ ‬والصيني‭ ‬عسكريا،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تترك‭ ‬بكين‭ ‬واشنطن‭ ‬وراءها‭ ‬وهي‭ ‬تسير‭ ‬في‭ ‬خطها‭ ‬التصاعدي،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬سيحتاج‭ ‬إلى‭ ‬استثمارات‭ ‬كونية،‭ ‬وثروات‭ ‬متنوعة،‭ ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يأتي‭ ‬مجاناً،‭ ‬بل‭ ‬لابد‭ ‬أن‭ ‬تعطي‭ ‬لتأخذ‭... ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭ ‬الآن‭!‬

أمام‭ ‬مشروع‭ ‬“الحزام‭ ‬والطريق”‭ ‬العملاق،‭ ‬أطنان‭ ‬من‭ ‬التساؤلات،‭ ‬ليتنا‭ ‬نعرضها‭ ‬بشفافية‭ ‬ونعرف‭ ‬ما‭ ‬المراد‭ ‬من‭ ‬ورائها،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تتحلب‭ ‬أفواهنا‭ ‬لأحلام‭ ‬المكاسب‭ ‬التي‭ ‬سوف‭ ‬نجنيها‭.‬