تجارة “الطائفية”.. المربحة المدمرة!

| سعيد محمد

لن‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬على‭ ‬الإنسان‭ ‬أن‭ ‬يتجول‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬الإعلام‭ ‬المترامي‭ ‬الأطراف‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬صعودًا‭ ‬إلى‭ ‬الفضائيات‭ ‬ونزولًا‭ ‬إلى‭ ‬المواقع‭ ‬الالكترونية‭ ‬والمدونات‭ ‬والمسموعات‭ ‬والمرئيات‭ ‬ليجد‭ ‬ثمة‭ ‬تجارة‭ ‬خبيثة،‭ ‬مربحة‭ ‬هي‭ ‬بالنسبة‭ ‬لتجارها‭ ‬لكنها‭ ‬مدمرة‭ ‬لاستقرار‭ ‬المجتمعات‭ ‬وسلامتها‭ ‬وسلمها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬ونسيجها‭ ‬الوطني‭.. ‬تلك‭ ‬هي‭ ‬تجارة‭ ‬“المنتجات‭ ‬الإعلامية‭ ‬الطائفية”،‭ ‬فكل‭ ‬من‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬لذاته‭ ‬المسلوبة‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬الفتات،‭ ‬راح‭ ‬يتاجر‭ ‬في‭ ‬الطائفية‭.‬

وعلى‭ ‬أية‭ ‬حال،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لتجار‭ ‬الطائفية‭ ‬أن‭ ‬يظهروا‭ ‬ويبثوا‭ ‬سموهم‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬والمجتمعات‭ ‬التي‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الأصل‭ ‬تشجع‭ ‬هذا‭ ‬الفعل،‭ ‬خذ‭ ‬مثلًا‭ (‬نموذج‭ ‬الصوت‭ ‬الطائفي‭) ‬سواء‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي،‭ ‬وستجد‭ ‬أن‭ ‬مسيرته‭ ‬في‭ ‬بث‭ ‬الطائفية‭ ‬والأحقاد‭ ‬طويلة‭ ‬ومتكررة‭ ‬دون‭ ‬رادع،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬النموذج‭ ‬–‭ ‬حين‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬دولة‭ ‬أوروبية‭ ‬مثلًا‭ ‬–‭ ‬فإنه‭ ‬“يخسأ”‭ ‬أن‭ ‬يثير‭ ‬أمرًا‭ ‬طائفيًا‭ ‬لأنه‭ ‬سينال‭ ‬جزاءه‭ ‬الشديد‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬لا‭ ‬تقبل‭ ‬بالتعرض‭ ‬للأديان‭ ‬والمذاهب‭ ‬بالإساءة،‭ ‬ولا‭ ‬تسمح‭ ‬لكائن‭ ‬من‭ ‬يكون‭ ‬أن‭ ‬يسمم‭ ‬التعايش‭ ‬والسلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬فيها‭ ‬بأفكاره‭ ‬الدنيئة‭.‬

كتبت‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النطاق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المقالات‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬سنين،‭ ‬وسأعيد‭ ‬الحديث‭ ‬للتذكير‭ ‬بمقولة‭ ‬لوزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الأميركي‭ ‬الأسبق‭ ‬هنري‭ ‬كيسنجر‭ ‬عن‭ ‬حرب‭ ‬المئة‭ ‬عام‭ ‬بين‭ ‬السنة‭ ‬والشيعة،‭ ‬وهي‭ ‬محور‭ ‬رئيس‭ ‬لتفسير‭ ‬الصراعات‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لأن‭ ‬نجاح‭ ‬فرض‭ ‬الهيمنة،‭ ‬يتطلب‭ ‬إشعال‭ ‬الصراع‭ ‬المذهبي‭ ‬والطائفي‭ ‬والإثني‭ ‬والعقائدي‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬بين‭ ‬السنة‭ ‬والشيعة،‭ ‬وبهذا‭ ‬نصل‭ ‬إلى‭ ‬خلاصة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬الدوافع‭ ‬الطائفية‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬إلا‭ ‬تخطيط‭ ‬ماكر‭ ‬وتوظيف‭ ‬ذكي‭ ‬لورقة‭ ‬الطائفية‭ ‬لإضعاف‭ ‬المجتمعات‭ ‬وتفتيتها‭ ‬عرقيًا‭ ‬ودينيًا‭ ‬ومذهبيًا‭.‬

وعلى‭ ‬شاكلة‭ ‬حرب‭ ‬المئة‭ ‬عام‭ ‬بين‭ ‬الكاثوليك‭ ‬والبروتستانت‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬أواخر‭ ‬القرن‭ ‬السادس،‭ ‬يمكن‭ ‬اشعال‭ ‬الحريق‭ ‬الطائفي‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامي‭ ‬بتأجيج‭ ‬وتوسعة‭ ‬الصراع‭ ‬السني‭ ‬الشيعي،‭ ‬والأخبث‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ ‬كلها‭ ‬هي‭ ‬توظيف‭ ‬المنابر‭ ‬التكفيرية‭ ‬والمتشددة‭ ‬والمتطرفة‭ ‬من‭ ‬الجانبين،‭ ‬ودعم‭ ‬منصات‭ ‬الإعلام‭ ‬المأجور‭ ‬وفضائياته‭ ‬لصب‭ ‬الزيت‭ ‬على‭ ‬النار،‭ ‬وإضرام‭ ‬الدمار‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بيت‭ ‬إن‭ ‬أمكن،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬بث‭ ‬محركات‭ ‬الفتن‭ ‬والقضايا‭ ‬الصدامية‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬أتباع‭ ‬الدين‭ ‬الواحد‭ ‬بل‭ ‬والمذهب‭ ‬الواحد‭.‬

والخلاصة‭ ‬الأهم،‭ ‬أن‭ ‬الممارسات‭ ‬الطائفية‭ ‬تدمر‭ ‬مقدرات‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية،‭ ‬ومنها‭ ‬المجتمع‭ ‬الخليجي‭ ‬قطعًا،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توظيف‭ ‬الصراعات‭ ‬العابرة‭ ‬للحدود،‭ ‬فهي‭ ‬كفيلة‭ ‬بتفجير‭ ‬الأوضاع‭ ‬الداخلية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬والنتيجة‭ ‬إضعاف‭ ‬الاقتصاد‭ ‬وسحق‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتسميم‭ ‬النسيج‭ ‬الوطني،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬تدمير‭ ‬الاستقرار‭.‬

إن‭ ‬الأبواق‭ ‬الطائفية‭ ‬وهي‭ ‬تصول‭ ‬وتجول‭ ‬وتشعر‭ ‬بالأمان‭ ‬دون‭ ‬رادع،‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬حقيقتها،‭ ‬تسعى‭ ‬لتحطيم‭ ‬الأوطان‭ ‬من‭ ‬الداخل‭.‬