صاحب العظمة سمو الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة... مؤسس ورائد الحداثة والنهضة والتقدم

| عبدالنبي الشعلة

ليس‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬هو‭ ‬المديح‭ ‬والإطراء،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬عنوانه‭ ‬أية‭ ‬مبالغة‭ ‬أو‭ ‬مغالاة‭ ‬أو‭ ‬تضخيم،‭ ‬وستُثبت‭ ‬ذلك‭ ‬الحقائق‭ ‬والوقائع‭ ‬المدعومة‭ ‬بالتواريخ‭ ‬والأرقام‭ ‬التي‭ ‬سنورد‭ ‬بعضا‭ ‬منها‭ ‬فقط‭ ‬لضيق‭ ‬المساحة،‭ ‬إنما‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الوقفة‭ ‬هو‭ ‬تبيان‭ ‬وإبراز‭ ‬الحقيقة‭ ‬المتعلقة‭ ‬بعملاق‭ ‬وعلم‭ ‬من‭ ‬عمالقة‭ ‬وأعلام‭ ‬الحداثة‭ ‬والتطور‭ ‬والتنوير‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين،‭ ‬الذي‭ ‬سيقف‭ ‬التاريخ‭ ‬أمامه‭ ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬وقفة‭ ‬إكبار‭ ‬وإجلال‭ ‬وتقدير‭.‬

وعندما‭ ‬تحدثنا‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬عن‭ ‬إشكالية‭ ‬وأزمة‭ ‬الحداثة‭ ‬معنا‭ ‬وفي‭ ‬منطقتنا،‭ ‬وما‭ ‬تواجهه‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬صد‭ ‬ورفض‭ ‬ونفور‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬قوى‭ ‬وتيارات‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬الحداثة‭ ‬تحديًا‭ ‬وتهديدًا‭ ‬لقيمنا‭ ‬ومعتقداتنا،‭ ‬ذكرنا‭ ‬أن‭ ‬الأنظمة‭ ‬الحاكمة‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية‭ ‬العربية‭ ‬تبدو‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحًا‭ ‬وثقة‭ ‬وأكثر‭ ‬استعدادًا‭ ‬ورغبة‭ ‬لتقبل‭ ‬واحتضان‭ ‬الحداثة‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬والتيارات‭ ‬الأخرى‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الإطار،‭ ‬وقبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬قرن،‭ ‬يبرز‭ ‬حاكم‭ ‬البحرين‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬صاحب‭ ‬العظمة‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬آل‭ ‬خليفة،‭ ‬عن‭ ‬حق‭ ‬وحقيقة،‭ ‬قامة‭ ‬شاهقة‭ ‬وعلم‭ ‬شامخ‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬الحداثة‭ ‬والتنوير‭ ‬والتطوير‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البحرين‭ ‬والمنطقة‭ ‬فحسب،‭ ‬بل‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬ولا‭ ‬مبالغة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬خصوصا‭ ‬عندما‭ ‬نأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬الموارد‭ ‬والإمكانات‭ ‬المتواضعة‭ ‬والمحدودة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬متوفرة‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬متوفرة‭ ‬لديه،‭ ‬وضيق‭ ‬المساحة‭ ‬المتاحة‭ ‬له‭ ‬للحركة‭ ‬في‭ ‬مجتمع‭ ‬صغير‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬محيط‭ ‬كان‭ ‬غارقًا‭ ‬في‭ ‬أوحال‭ ‬الأمية‭ ‬والخرافة‭ ‬والفقر،‭ ‬وضمن‭ ‬ظروف‭ ‬عصية‭ ‬ومعاكسة،‭ ‬وفي‭ ‬مواجهة‭ ‬قوى‭ ‬الجهل‭ ‬والتخلف‭ ‬وتيارات‭ ‬الرفض‭ ‬والمقاومة‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬ومن‭ ‬الجوار،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬الظروف‭ ‬والمعطيات‭ ‬والصراعات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تحيط‭ ‬به،‭ ‬وإرهاصات‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الأولى‭ ‬وذراعه‭ ‬المربوطة‭ ‬بالتزامات‭ ‬دولية‭ ‬فرضتها‭ ‬هيمنة‭ ‬الاستعمار‭.‬

لقد‭ ‬تمكن‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬من‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الحواجز‭ ‬والمعوقات،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬لم‭ ‬يتخلَ‭ ‬أو‭ ‬يتنكر‭ ‬لجذوره‭ ‬التقليدية‭ ‬المحافظة‭ ‬التي‭ ‬ترتكز‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬البداوة‭ ‬والصحراء،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬استنهاضها‭ ‬واستثمارها‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهدافه‭ ‬وبرامجه‭.‬

تولى‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬بإذن‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬زمام‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬منذ‭ ‬تعينه‭ ‬وليًا‭ ‬للعهد‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1901م‭ ‬ثم‭ ‬تولى‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬والده‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1932م‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اختاره‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬جواره‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1942م‭. ‬وبحنكة‭ ‬وصبر‭ ‬وروية‭ ‬بادر‭ ‬بإحكام‭ ‬عرى‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى؛‭ ‬القوة‭ ‬المسيطرة‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬وقتها‭ ‬ضمن‭ ‬نفوذ‭ ‬الأمبراطورية‭ ‬البريطانية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الشمس‭ ‬تغرب‭ ‬عن‭ ‬حدودها‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الفترة؛‭ ‬وذلك‭ ‬بهدف‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬وضمان‭ ‬سلامة‭ ‬البلاد‭ ‬وحدودها‭ ‬من‭ ‬أطماع‭ ‬المتربصين‭ ‬وما‭ ‬أكثرهم،‭ ‬ومشيدًا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬رأس‭ ‬جسر‭ ‬إلى‭ ‬منابع‭ ‬وحقول‭ ‬الحداثة‭ ‬والعلم‭ ‬والمعرفة‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وللغرض‭ ‬ذاته‭ ‬قام‭ ‬بخطوة‭ ‬جريئة‭ ‬وغير‭ ‬مسبوقة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بالاستعانة‭ ‬بخدمات‭ ‬تشارلز‭ ‬بلغريف،‭ ‬البريطاني‭ ‬الجنسية،‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1926م‭ ‬وتوظيفه‭ ‬مستشارًا‭ ‬له‭ ‬ليكون‭ ‬وسيلة‭ ‬لتسهيل‭ ‬التواصل‭ ‬والاتصال‭ ‬بالغرب،‭ ‬وتقديم‭ ‬المشورة‭ ‬حول‭ ‬أفضل‭ ‬السبل‭ ‬للتعامل‭ ‬مع‭ ‬البريطانيين،‭ ‬وقناة‭ ‬لاستقطاب‭ ‬أنظمة‭ ‬الإدارة‭ ‬الحكومية‭ ‬المتطورة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

بدأ‭ ‬سمو‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬عهده‭ ‬بالشروع‭ ‬في‭ ‬إرساء‭ ‬دعائم‭ ‬الدولة‭ ‬وبذر‭ ‬بذور‭ ‬الحداثة‭ ‬ضمن‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الخطوات‭ ‬والمبادرات‭ ‬والمشاريع‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬رائدة‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المنطقة‭ ‬وذات‭ ‬مؤشرات‭ ‬ودلالات‭ ‬وأبعاد‭ ‬مستقبلية‭ ‬وإستراتيجية،‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭ ‬وضع‭ ‬نظام‭ ‬للأسرة‭ ‬الحاكمة،‭ ‬وإنشاء‭ ‬النظام‭ ‬القضائي،‭ ‬ونظام‭ ‬حراسة‭ ‬الشرطة،‭ ‬وتأسيس‭ ‬الموانئ‭ ‬وتوسيع‭ ‬الرقعة‭ ‬الزراعية،‭ ‬ووضع‭ ‬نظام‭ ‬لمصائد‭ ‬الأسماك‭ ‬ومغاصات‭ ‬اللؤلؤ،‭ ‬وبناء‭ ‬جسر‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬ليكون‭ ‬أول‭ ‬جسر‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬يشيد‭ ‬فوق‭ ‬الماء،‭ ‬فشملت‭ ‬تلك‭ ‬الخطوات‭ ‬جوانب‭ ‬من‭ ‬التنظيم‭ ‬الإداري‭ ‬والرعاية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتنمية‭ ‬الاقتصادية‭.‬

وفي‭ ‬عهده‭ ‬أصبحت‭ ‬البحرين‭ ‬رائدة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬كلها‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬تأسيس‭ ‬بلدية‭ ‬المنامة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1919م،‭ ‬وبتوقيع‭ ‬سموه‭ ‬صدر‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1924‭ ‬إعلان‭ ‬عن‭ ‬أول‭ ‬انتخابات‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬البحرين‭ ‬عبر‭ ‬الدعوة‭ ‬لانتخاب‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬بلدية‭ ‬المنامة‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭: ‬“إلى‭ ‬عموم‭ ‬سكان‭ ‬بلدية‭ ‬المنامة،‭ ‬والملاكين‭ ‬منهم‭ ‬على‭ ‬الخصوص،‭ ‬نخبركم‭ ‬أن‭ ‬مقصد‭ ‬حكومة‭ ‬البحرين‭ ‬إحداث‭ ‬الزيادة‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬البلدية‭ ‬بانتخاب‭ ‬عشرة‭ ‬أعضاء‭ ‬يكونون‭ ‬منتخبين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الأهالي”‭.‬

وقد‭ ‬عمت‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1919م،‭ ‬اضطرابات‭ ‬إثر‭ ‬وقوف‭ ‬تيارات‭ ‬الممانعة،‭ ‬ضد‭ ‬تطبيق‭ ‬القوانين‭ ‬المدنية‭ ‬والجنائية‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬والتي‭ ‬كان‭ ‬معمولا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الهند‭.‬

ووضع‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أولوياته‭ ‬التعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬وهما‭ ‬الثنائي‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬غنى‭ ‬عنهما‭ ‬لترسيخ‭ ‬دعائم‭ ‬الحداثة‭ ‬والتنمية،‭ ‬فاهتم‭ ‬بتطوير‭ ‬التعليم‭ ‬وانتشرت‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬المدارس‭ ‬في‭ ‬مدن‭ ‬البحرين‭ ‬وقراها،‭ ‬وفتحت‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬الكلية‭ ‬الصناعية‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1937،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1940م‭ ‬افتتحت‭ ‬الكلية‭ ‬الثانوية،‭ ‬ثم‭ ‬اقتحم‭ ‬منطقة‭ ‬محظورة‭ ‬وقتها‭ ‬وهي‭ ‬تعليم‭ ‬المرأة،‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تيارات‭ ‬مقاومة‭ ‬الحداثة‭ ‬والتنوير‭ ‬تعتبرها‭ ‬نواة‭ ‬لخراب‭ ‬وضلال‭ ‬المجتمع،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬موقفه‭ ‬إيمانًا‭ ‬منه‭ ‬وإدراكًا‭ ‬واستشراقًا‭ ‬مبكرًا‭ ‬لقضية‭ ‬تمكين‭ ‬المرأة‭.‬

وبالنسبة‭ ‬للرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬فقد‭ ‬باشر‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬بتدشين‭ ‬شبكة‭ ‬العيادات‭ ‬الصحية‭ ‬ونشرها‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬مدن‭ ‬وقرى‭ ‬البحرين،‭ ‬وإنشاء‭ ‬أول‭ ‬مستشفى‭ ‬حديث‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1902م،‭ ‬ثم‭ ‬أجاز‭ ‬فيما‭ ‬بعدافتتاح‭ ‬مستشفى‭ ‬الملكة‭ ‬فيكتوريا‭ ‬التذكاري‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1905‭ ‬الذي‭ ‬يعتبر‭ ‬أول‭ ‬مرفق‭ ‬صحي‭ ‬غير‭ ‬حكومي‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1937م‭ ‬افتتح‭ ‬مستشفى‭ ‬العوالي‭ ‬وبعدها‭ ‬بعام‭ ‬واحد‭ ‬تأسس‭ ‬مستشفى‭ ‬النعيم‭ ‬الذي‭ ‬ضم‭ ‬قسمًا‭ ‬للنساء‭.‬

ولعل‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬وأبرز‭ ‬إنجازات‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬وما‭ ‬ميزه‭ ‬وجعله‭ ‬سابق‭ ‬لعصره‭ ‬وأوانه‭ ‬هو‭ ‬تدشين‭ ‬وانتشار‭ ‬الأندية‭ ‬ومؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬في‭ ‬عهده،‭ ‬والتي‭ ‬تعتبر‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬ركائز‭ ‬الحداثة‭ ‬والتقدم،‭ ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬إنشاء‭ ‬هذه‭ ‬المؤسسات‭ ‬مدعومًا‭ ‬بمرافق‭ ‬ومنابر‭ ‬وأنشطة‭ ‬ثقافية‭ ‬وأدبية‭ ‬ورياضية،‭ ‬من‭ ‬أهمها‭ ‬تأسيس‭ ‬نادي‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1937م،‭ ‬ونادي‭ ‬العروبة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1939م،‭ ‬ثم‭ ‬تأسيس‭ ‬النادي‭ ‬الأهلي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭. ‬وقد‭ ‬سبق‭ ‬ذلك‭ ‬تأسيس‭ ‬نادي‭ ‬“إقبال‭ ‬أوال”‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1913‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬إغلاقه‭ ‬بعد‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬افتتاحه‭ ‬على‭ ‬أثر‭ ‬معارضة‭ ‬رجال‭ ‬الدين‭ ‬للفكرة‭ ‬التي‭ ‬اعتبروها‭ ‬منكرا‭ ‬ومفسدة،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬نفسه‭ ‬تم‭ ‬افتتاح‭ ‬النادي‭ ‬الإسلامي،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1920‭ ‬افتتح‭ ‬النادي‭ ‬الأدبي،‭ ‬وتأسس‭ ‬المنتدى‭ ‬الإسلامي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1928،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الأندية‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التي‭ ‬لعبت‭ ‬دورا‭ ‬بارزا‭ ‬في‭ ‬تفعيل‭ ‬الحركة‭ ‬الثقافية‭ ‬وتنمية‭ ‬الوعي‭ ‬والحس‭ ‬الوطني‭.‬

وفي‭ ‬عهده‭ ‬تم‭ ‬افتتاح‭ ‬أول‭ ‬مكتبة‭ ‬عامة‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1913،‭ ‬كما‭ ‬افتتحت‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬أول‭ ‬دار‭ ‬للسينما‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬وفي‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1938م‭.‬

وقد‭ ‬واجه‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬بحكمة‭ ‬وبصيرة‭ ‬اعتراضات‭ ‬التيارات‭ ‬المناوئة‭ ‬للحداثة‭ ‬والتطوير‭ ‬على‭ ‬نشر‭ ‬التعليم،‭ ‬وتأسيس‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬والأندية‭.‬

وقد‭ ‬تضمن‭ ‬الخطاب‭ ‬الذي‭ ‬ألقاه‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مايو‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1923م‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬مدى‭ ‬قناعته‭ ‬وإيمانه‭ ‬بالثقافة‭ ‬كقاعدة‭ ‬أساسية‭ ‬للحداثة‭ ‬والتطور‭ ‬والازدهار،‭ ‬وعزمه‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬قوى‭ ‬الجهل‭ ‬والتخلف،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭ ‬“وأنا‭ ‬أعرف‭ ‬كما‭ ‬أنتم‭ ‬تعرفون‭ ‬بأن‭ ‬المدن‭ ‬المختلفة‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬شهدت‭ ‬تقدمًا‭ ‬في‭ ‬الثقافة‭ ‬والازدهار،‭ ‬ولا‭ ‬داعي‭ ‬لبلدنا‭ ‬الحبيب‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬دونه‭. ‬أقول‭ ‬إنه‭ ‬من‭ ‬مهامي‭ ‬الرئيسة‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬بجهد‭ ‬لازدهار‭ ‬بلدنا‭ ‬الحبيب‭ ‬ونشر‭ ‬التربية‭ ‬والتعليم‭ ‬والخدمات‭ ‬الصحية،‭ ‬ولتشجيع‭ ‬التجارة‭ ‬والزراعة”‭.‬

وتأسست‭ ‬غرفة‭ ‬تجارة‭ ‬وصناعة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1939م‭ ‬كأول‭ ‬مؤسسة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬تنشأ‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬ممثلة‭ ‬لرجال‭ ‬الأعمال‭ ‬والقطاع‭ ‬الخاص،‭ ‬ومعبرة‭ ‬عن‭ ‬صوت‭ ‬مجتمع‭ ‬المال‭ ‬والأعمال‭ ‬بأنشطته‭ ‬وقطاعاته‭ ‬المختلفة‭.‬

وشهدت‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬عهده‭ ‬توسعًا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬المساجد‭ ‬والحسينيات،‭ ‬وبني‭ ‬الجامع‭ ‬الكبير‭ ‬ومسجد‭ ‬الجمعة‭ ‬في‭ ‬المنامة،‭ ‬واهتم‭ ‬بالمحافظة‭ ‬على‭ ‬أول‭ ‬مسجد‭ ‬بني‭ ‬في‭ ‬البحرين،‭ ‬وهو‭ ‬مسجد‭ ‬الخميس‭ ‬التاريخي،‭ ‬وأمر‭ ‬بترميمه‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1928م‭.‬

وحرص‭ ‬سموه‭ ‬على‭ ‬تأكيد‭ ‬وترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬التعايش‭ ‬والتسامح‭ ‬بين‭ ‬أتباع‭ ‬مختلف‭ ‬المذاهب‭ ‬والطوائف‭ ‬والأديان،‭ ‬وضمان‭ ‬الحرية‭ ‬لهم‭ ‬للتعبد‭ ‬وممارسة‭ ‬طقوسهم‭ ‬الدينية‭ ‬بكل‭ ‬طمأنينة‭ ‬وأمان،‭ ‬فكان‭ ‬رائدًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭ ‬أيضًا،‭ ‬واستمر‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬الحماية‭ ‬والرعاية‭ ‬لمعبد‭ ‬شري‭ ‬كرشنا،‭ ‬وهو‭ ‬أول‭ ‬معبد‭ ‬هندوسي‭ ‬بني‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬ومنطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬احتفل‭ ‬مؤخرًا‭ ‬بمرور‭ ‬مئتي‭ ‬عام‭ ‬على‭ ‬تأسيسه‭.‬

وبنيت‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1911م‭ ‬أول‭ ‬كنيسة‭ ‬في‭ ‬البحرين‭ ‬والخليج‭ ‬العربي،‭ ‬وهي‭ ‬الكنيسة‭ ‬الإنجيلية‭ ‬الوطنية،‭ ‬كما‭ ‬منح‭ ‬سموه‭ ‬الكنيسة‭ ‬الكاثوليكية‭ ‬أرضًا‭ ‬لبناء‭ ‬كنيسة‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬المنامة،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬1930م‭ ‬بني‭ ‬الكنيس‭ ‬اليهودي‭ ‬في‭ ‬المنامة‭ ‬أيضًا‭.‬

وقد‭ ‬كشف‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬عن‭ ‬حصافة‭ ‬ووعي‭ ‬مبكر‭ ‬وغير‭ ‬مسبوق‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬لأهمية‭ ‬ودور‭ ‬الإعلام‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬مناخ‭ ‬مهيئ‭ ‬لعملية‭ ‬التنمية‭ ‬والتحديث‭ ‬عندما‭ ‬قال‭ ‬بمناسبة‭ ‬افتتاح‭ ‬إذاعة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1940م‭: ‬“إن‭ ‬تأسيس‭ ‬هذه‭ ‬الإذاعة‭ ‬الجديدة‭ ‬ينيلنا‭ ‬بهجة‭ ‬عظيمة،‭ ‬وذلك‭ ‬أننا‭ ‬نعتقد‭ ‬أنها‭ ‬ستكون‭ ‬مهمة‭ ‬لأبناء‭ ‬الخليج،‭ ‬ولأننا‭ ‬أيضًا‭ ‬نعتقد‭ ‬أنها‭ ‬ستقوم‭ ‬بأوسع‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬حيث‭ ‬إنها‭ ‬ستحسن‭ ‬علاقاتنا‭ ‬الطيبة‭ ‬مع‭ ‬جاراتنا‭ ‬الممالك‭ ‬العربية”‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬عهده‭ ‬شهد‭ ‬إصدار‭ ‬أول‭ ‬جريدة‭ ‬في‭ ‬البلاد،‭ ‬وهي‭ ‬“جريدة‭ ‬البحرين”‭ ‬التي‭ ‬أصدرها‭ ‬المرحوم‭ ‬عبدالله‭ ‬الزايد‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬1939م‭.‬

وفي‭ ‬عهده‭ ‬بدأ‭ ‬التنقيب‭ ‬عن‭ ‬النفط‭ ‬وعثر‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1932م،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬أول‭ ‬عثور‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬كما‭ ‬تأسست‭ ‬شركة‭ ‬لاستخراجه‭ ‬وتصديره،‭ ‬فدخلت‭ ‬البلاد‭ ‬بدلك‭ ‬عصرًا‭ ‬جديدًا‭ ‬مكن‭ ‬الحاكم‭ ‬الطموح‭ ‬من‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تنفيذ‭ ‬برامجه‭ ‬التحديثية‭ ‬والتنويرية‭ ‬والتنموية‭.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬الشيخ‭ ‬حمد‭ ‬بن‭ ‬عيسى‭ ‬بن‭ ‬علي‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬بالفعل‭ ‬حاكمًا‭ ‬وقائدًا‭ ‬حكيمًا‭ ‬واعيًا‭ ‬مدركًا‭ ‬مستنيرًا‭ ‬متحليًا‭ ‬بالرؤية‭ ‬الصائبة‭ ‬والجرأة‭ ‬والشجاعة‭ ‬والإقدام،‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وأسكنه‭ ‬فسيح‭ ‬جناته‭.‬