التقدم العلمي... هل يحل مشكلة المسنين؟!

| أحمد خليفة الحمادي

ارتفع‭ ‬متوسط‭ ‬عمر‭ ‬الرجال‭ ‬خلال‭ ‬الثلاثين‭ ‬عاما‭ ‬الماضية‭ ‬من‭ ‬54‭ ‬إلى‭ ‬68‭ ‬عاماً،‭ ‬ومتوسط‭ ‬عمر‭ ‬المرأة‭ ‬من‭ ‬60‭ ‬إلى‭ ‬72‭ ‬عاماً،‭ ‬وهناك‭ ‬تقارير‭ ‬تفيد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المتوسط‭ ‬سيرتفع‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬عشرة‭ ‬أعوام،‭ ‬حيث‭ ‬يكون‭ ‬المتوسط‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬الثمانين‭ ‬عاماً‭.‬

وارتفاع‭ ‬متوسط‭ ‬العمر‭ ‬للإنسان‭ ‬العربي‭ ‬شيء‭ ‬جيد،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يضعنا‭ ‬في‭ ‬مشكلة‭ ‬حقيقية‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬استطعنا‭ ‬أن‭ ‬نرى‭ ‬بقية‭ ‬الصورة،‭ ‬فالتقدم‭ ‬العلمي‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬أفاد‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬ومن‭ ‬بينها‭ ‬الرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬فإنه‭ ‬أوجد‭ ‬أنماطا‭ ‬جديدة‭ ‬للحياة‭ ‬وأساليب‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬غريبة‭ ‬في‭ ‬المعيشة‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬فالاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬التحضر‭ ‬والتصنيع‭ ‬والتغيرات‭ ‬التكنولوجية‭ ‬غير‭ ‬الشكل‭ ‬التقليدي‭ ‬للأسرة‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وتفككت‭ ‬الروابط‭ ‬الأسرية،‭ ‬فبعد‭ ‬أن‭ ‬كنا‭ ‬نجد‭ ‬ثلاثة‭ ‬وأربعة‭ ‬أجيال‭ ‬في‭ ‬المنزل‭ ‬الواحد‭ ‬أصبح‭ ‬الاتجاه‭ ‬نحو‭ ‬الأسرة‭ ‬الصغيرة‭ ‬هو‭ ‬الاتجاه‭ ‬السائد‭ ‬في‭ ‬المجتمعات،‭ ‬ما‭ ‬أوجد‭ ‬مشكلة‭ ‬المسنين‭ ‬التي‭ ‬بدأنا‭ ‬نعانيها‭.‬

فالمسنون‭ ‬كانوا‭ ‬يجدون‭ ‬الرعاية‭ ‬والعناية‭ ‬من‭ ‬أبنائهم‭ ‬وأحفادهم‭ ‬في‭ ‬منازلهم،‭ ‬أما‭ ‬الآن‭ ‬فإننا‭ ‬أصبحنا‭ ‬نسمع‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأبناء‭ ‬ينادون‭ ‬ببناء‭ ‬دور‭ ‬المسنين‭ ‬لرعاية‭ ‬آبائهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاتجاه‭ ‬السائد‭ ‬نحو‭ ‬الأسرة‭ ‬الصغيرة،‭ ‬حيث‭ ‬ألغى‭ ‬التحضر‭ ‬العائلة‭ ‬الكبيرة،‭ ‬وتفسخت‭ ‬العائلات‭ ‬وشاعت‭ ‬أنماط‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬التعامل‭ ‬داخل‭ ‬الأسرة‭ ‬الكبيرة‭.‬

وكما‭ ‬أثر‭ ‬التقدم‭ ‬العلمي‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬فقد‭ ‬أثر‭ ‬في‭ ‬البنية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬العصب‭ ‬الأساسي‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬فالكثير‭ ‬من‭ ‬الأبناء‭ ‬يتخلون‭ ‬عن‭ ‬آبائهم‭ ‬وأمهاتهم‭ ‬لدور‭ ‬رعاية‭ ‬المسنين‭ ‬هربا‭ ‬من‭ ‬التكلفة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لرعاية‭ ‬المسنين‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬في‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬عبئا‭ ‬على‭ ‬الابن‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬مطالبا‭ ‬من‭ ‬أبنائه‭ ‬بالكثير‭ ‬من‭ ‬ترف‭ ‬عصر‭ ‬الاستهلاك‭.‬

وشهدت‭ ‬القيم‭ ‬التربوية‭ ‬هي‭ ‬الأخرى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التغييرات‭ ‬خلال‭ ‬اللهث‭ ‬وراء‭ ‬المادة‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬الهم‭ ‬الأكبر‭ ‬لدى‭ ‬الجميع،‭ ‬فالعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬التي‭ ‬تربى‭ ‬عليها‭ ‬أجدادنا‭ ‬من‭ ‬توقير‭ ‬الكبير‭ ‬واحترام‭ ‬الصغير‭ ‬ومحاولة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الخبرة‭ ‬والتعلم‭ ‬من‭ ‬هؤلاء‭ ‬الكبار‭ ‬أصحبت‭ ‬شيئا‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬الذي‭ ‬يحن‭ ‬إليه‭ ‬الجميع‭. ‬المسنون‭ ‬عبء‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الأفراد‭ ‬الذين‭ ‬أسكنت‭ ‬فيهم‭ ‬دوامة‭ ‬الحياة‭ ‬العصرية‭ ‬روح‭ ‬الاعتراف،‭ ‬لكنهم‭ ‬أيضا‭ ‬مخزون‭ ‬خبرة‭ ‬لا‭ ‬يحق‭ ‬للمجتمع‭ ‬أن‭ ‬يتخلى‭ ‬عنها‭ ‬بمجرد‭ ‬الإحالة‭ ‬على‭ ‬المعاش‭.‬

من‭ ‬روح‭ ‬شريعتنا‭ ‬السمحاء‭ ‬ووفق‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬ومستنيرين‭ ‬بما‭ ‬ابتكرته‭ ‬المجتمعات‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬حلول‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نجد‭ ‬دورا‭ ‬جديداً‭ ‬لما‭ ‬يقارب‭ ‬15‭ % ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬غادر‭ ‬مواقع‭ ‬القرار‭ ‬والإنتاج‭ ‬ولكنهم‭ ‬لم‭ ‬يغادروا‭ ‬قلوبنا‭.‬