جدل “صفقة القرن” (2)

| سالم الكتبي

اللافت‭ ‬أن‭ ‬المسؤولين‭ ‬الأميركيين‭ ‬يتعمدون‭ ‬نفي‭ ‬صحة‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الإعلامية‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬بنود‭ ‬صفقة‭ ‬القرن،‭ ‬ويتجاهلون‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬الآخر،‭ ‬وهذا‭ ‬بحد‭ ‬ذاته‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬صحة‭ ‬النفي‭ ‬ولا‭ ‬صدقية‭ ‬المسكوت‭ ‬عنه،‭ ‬ففي‭ ‬الأخيرة‭ ‬المسألة‭ ‬برمتها‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تخضع‭ ‬لاستراتيجية‭ ‬دعائية‭ ‬وتسويقية،‭ ‬فعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬تشير‭ ‬بعض‭ ‬التقارير‭ ‬الأميركية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الخطة‭ ‬الأميركية‭ ‬للسلام‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تتضمن‭ ‬ضم‭ ‬10‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وأن‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو،‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬ترامب‭ ‬ضم‭ ‬15‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية،‭ ‬وليس‭ ‬10‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬فقط‭.‬

كوشنر‭ ‬أعلن‭ ‬أنه‭ ‬“سيتعين‭ ‬على‭ ‬الطرفين‭ ‬الفلسطيني‭ ‬والإسرائيلي‭ ‬تقديم‭ ‬التنازلات”،‭ ‬وهذا‭ ‬مبدأ‭ ‬تفاوضي‭ ‬قائم،‭ ‬لكن‭ ‬الإشكالية‭ ‬التي‭ ‬يخشاها‭ ‬الجميع‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬التنازلات‭ ‬خاضعة‭ ‬لفهم‭ ‬منحاز‭ ‬للجانب‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬بمعنى‭ ‬مقايضة‭ ‬الأرض‭ ‬بالسلام،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬نهائياً‭ ‬مقابل‭ ‬السلام،‭ ‬أي‭ ‬عكس‭ ‬مضمون‭ ‬مبادرة‭ ‬السلام‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الأرض‭ ‬مقابل‭ ‬السلام‭ ‬أيضا،‭ ‬لكن‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬مخالفة،‭ ‬بمعنى‭ ‬استرداد‭ ‬الأرض‭ ‬العربية‭ ‬المحتلة‭ ‬مقابل‭ ‬موافقة‭ ‬العرب‭ ‬على‭ ‬السلام‭ ‬وتطبيع‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬إسرائيل‭.‬‭ ‬الواضح‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬تخلي‭ ‬إسرائيل‭ ‬عن‭ ‬الأرض‭ ‬العربية‭ ‬بعيد‭ ‬تماماً‭ ‬عن‭ ‬أفكار‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬صفقة‭ ‬القرن،‭ ‬بحسب‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬بالاعتراف‭ ‬بالقدس‭ ‬عاصمة‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وبالسيادة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬على‭ ‬هضبة‭ ‬الجولان‭ ‬السورية‭ ‬المحتلة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬التقارير‭ ‬الإعلامية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬رضا‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عن‭ ‬ضم‭ ‬10‭ % ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أرض‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬لإسرائيل‭ ‬ويطالب‭ ‬بنسبة‭ ‬15‭ %!!‬

الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬المقدمات‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬النتائج،‭ ‬ومجمل‭ ‬المقدمات‭ ‬التي‭ ‬تصدر‭ ‬عن‭ ‬الإدارة‭ ‬الأميركية‭ ‬الحالية‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬انحياز‭ ‬تام‭ ‬وكلي‭ ‬للجانب‭ ‬الإسرائيلي،‭ ‬وهذا‭ ‬الانحياز‭ ‬لا‭ ‬يصنع‭ ‬سلاماً‭ ‬قابلاً‭ ‬للحياة،‭ ‬واستبعاد‭ ‬ثوابت‭ ‬التسوية‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حوار‭ ‬واللجوء‭ ‬إلى‭ ‬فكرة‭ ‬طرح‭ ‬صيغة‭ ‬تسوية‭ ‬وعلى‭ ‬الجميع‭ ‬القبول‭ ‬بها‭ ‬كلياً،‭ ‬مسألة‭ ‬مشكوك‭ ‬في‭ ‬تحققها،‭ ‬فالقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬معقدة‭ ‬لدرجة‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬معها‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬الحلول‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تغيب‭ ‬عنها‭ ‬العدالة‭ ‬ومراعاة‭ ‬مجمل‭ ‬عناصر‭ ‬الصراع‭. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حاجة‭ ‬لحلول‭ ‬وبدائل‭ ‬مبتكرة‭ ‬ولكن‭ ‬ليس‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الحقوق‭ ‬المشروعة‭ ‬والثوابت‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬دعم‭ ‬كل‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬للتسوية‭ ‬السياسية‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬شاملة‭ ‬وعادلة‭. ‬“إيلاف”‭.‬