ريشة في الهواء

رجل المواقف والصعاب

| أحمد جمعة

قبل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬سبع‭ ‬سنوات‭ ‬مازالت‭ ‬ذاكرتي‭ ‬تحتفظ‭ ‬بعبارة‭ ‬قالها‭ ‬لي‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬اجتيازنا‭ ‬المحنة‭ ‬الدمرة‭ ‬المشؤومة‭ ‬“سنجتاز‭ ‬المحنة‭ ‬أقوى‭ ‬مما‭ ‬كنا”،‭ ‬يومها‭ ‬كنا‭ ‬بمجلس‭ ‬سموه‭ ‬العامر‭ ‬بوقت‭ ‬عصيب‭ ‬تخلى‭ ‬فيه‭ ‬البعض‭ ‬عن‭ ‬دوره‭ ‬الوطني‭ ‬وهرب‭ ‬البعض‭ ‬وتوارى‭ ‬البعض‭ ‬بانتظار‭ ‬انقشاع‭ ‬الضباب‭ ‬واتضاح‭ ‬الرؤية‭ ‬كما‭ ‬خُيل‭ ‬لهم،‭ ‬لم‭ ‬أشك‭ ‬بعبارة‭ ‬سموه‭ ‬رغم‭ ‬الصورة‭ ‬القاتمة‭ ‬حينها،‭ ‬ورغم‭ ‬الزلزال‭ ‬الذي‭ ‬عصف‭ ‬بالبلاد‭ ‬وفقد‭ ‬الكثيرون‭ ‬من‭ ‬ضعاف‭ ‬النفوس‭ ‬للأسف‭ ‬ثقتهم‭ ‬وتوازنهم‭ ‬لكن‭ ‬عبارته‭ ‬المحفورة‭ ‬بذهني‭ ‬“سنعود‭ ‬أقوى‭ ‬مما‭ ‬كنا”‭ ‬وسنجتاز‭ ‬المحنة‭ ‬أقوى،‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬تخمين‭ ‬وتكهن،‭ ‬أو‭ ‬عبارة‭ ‬تقال‭ ‬لتهدئة‭ ‬النفوس‭ ‬بوقت‭ ‬المحن،‭ ‬كانت‭ ‬رؤية‭ ‬سديدة‭ ‬ويقينا‭ ‬قائما‭ ‬على‭ ‬الثقة‭ ‬بالإرادة‭ ‬والإيمان‭ ‬بالعزيمة،‭ ‬وقد‭ ‬تجسدت‭ ‬العبارة‭ ‬بذاك‭ ‬الوقت‭ ‬الدقيق‭ ‬بالذات‭ ‬لأننا‭ ‬أصبحنا‭ ‬بعده‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬أقوى‭ ‬مما‭ ‬كنا‭ ‬بل‭ ‬أكثر‭ ‬صلابة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬وأكثر‭ ‬خبرة،‭ ‬فمهما‭ ‬تعرضنا‭ ‬من‭ ‬صعاب،‭ ‬نجتازها‭ ‬بخبرة‭ ‬وحنكة‭ ‬القائد‭ ‬ورؤيته‭ ‬السديدة‭ ‬بامتصاص‭ ‬الصدمات‭ ‬ومعالجة‭ ‬الأزمات‭ ‬حتى‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬أضحت‭ ‬عصية‭ ‬على‭ ‬المؤامرات‭ ‬والمحن‭ ‬بفضل‭ ‬الخبرة‭ ‬العميقة‭ ‬الشمولية‭ ‬التي‭ ‬اكتسبها‭ ‬سموه‭ ‬عبر‭ ‬مسيرة‭ ‬القيادة‭ ‬الحكيمة‭.‬

أذكر‭ ‬أن‭ ‬البحرين‭ ‬بلحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬مقيتة‭ ‬كادت‭ ‬تفرط‭ ‬منا‭ ‬وتضيع‭ ‬بحقبتي‭ ‬السبعينات‭ ‬والتسعينات،‭ ‬ثم‭ ‬المحنة‭ ‬الكبرى‭ ‬الدميمة‭ ‬بالعام‭ ‬2011،‭ ‬لكن‭ ‬بفضل‭ ‬رؤية‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الصلب‭ ‬المقاوم‭ ‬للمحن‭ ‬اجتزنا‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المصاعب‭ ‬بوقت‭ ‬خُيل‭ ‬للبعض‭ ‬أن‭ ‬البلاد‭ ‬ضاعت‭ ‬اعتمادا‭ ‬على‭ ‬حجم‭ ‬المؤامرة‭ ‬وحالة‭ ‬الفوضى‭ ‬العارمة‭ ‬التي‭ ‬مررنا‭ ‬بها،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الوضع‭ ‬يبدو‭ ‬ميؤوساً‭ ‬منه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الطامعين‭ ‬وضعاف‭ ‬النفوس،‭ ‬لكن‭ ‬إرادة‭ ‬العزم‭ ‬والحسم‭ ‬فاقت‭ ‬إرادة‭ ‬الدمار‭ ‬والفوضى‭ ‬وكان‭ ‬دور‭ ‬سمو‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الحاسم‭ ‬نقطة‭ ‬التحول‭. ‬مرت‭ ‬ببالي‭ ‬اليوم‭ ‬هذه‭ ‬الخواطر‭ ‬النابعة‭ ‬من‭ ‬ذكريات‭ ‬الأمس‭ ‬وأنا‭ ‬أتابع‭ ‬سموه‭ ‬لا‭ ‬يهدأ‭ ‬له‭ ‬بال‭ ‬وهو‭ ‬يعالج‭ ‬ويداوي‭ ‬ويمتص‭ ‬الصدمات‭ ‬هنا‭ ‬وهناك،‭ ‬لا‭ ‬يترك‭ ‬منعطفا‭ ‬ولا‭ ‬زاوية‭ ‬ولا‭ ‬موقفا‭ ‬بالوطن‭ ‬بحاجة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬إلى‭ ‬وكان‭ ‬سموه‭ ‬بالوقت‭ ‬المناسب‭ ‬متواجداً‭ ‬بعقله‭ ‬وحكمته‭ ‬وثبات‭ ‬خطواته‭ ‬يطفئ‭ ‬الحرائق‭ ‬ويهدئ‭ ‬النفوس‭ ‬ويعالج‭ ‬الجروح‭ ‬ويعيد‭ ‬الأوضاع‭ ‬أفضل‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه،‭ ‬مثلما‭ ‬أعاد‭ ‬البحرين‭ ‬بعد‭ ‬فوضى‭ ‬2011‭ ‬أقوى‭ ‬مما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان،‭ ‬رجل‭ ‬كلمة‭ ‬وقائد‭ ‬أمة،‭ ‬وصانع‭ ‬حضارة،‭ ‬مهما‭ ‬أحصيت‭ ‬المواقف‭ ‬فلن‭ ‬أوفي‭ ‬سموه‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬من‭ ‬وفاء،‭ ‬حفظه‭ ‬الله‭ ‬ورعاه‭.‬

تنويرة‭:

‬ازرع‭ ‬الورد‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬جارك‭ ‬يزرع‭ ‬الشوك‭.‬